أرونداتي كاتجو ترجمة: علاء الدين أبو زينة
أصدرت الهند قانوناً جديداً يجعل من الصعب على الهنود الزواج ممن يختارون.
على مدى أكثر من عقد من الزمان، ما تزال الجماعات الهندوسية اليمينية في الهند تستحضر شبح “جهاد الحب” بين الرجال المسلمين: حملة لمغازلة النساء الهندوسيات والتقرب منهن بقصد تحويلهن إلى الإسلام. ولطالما حاولت الجماعات القومية والطائفية في جميع أنحاء العالم حشد المؤيدين من خلال اقتراح أن الغرباء الجشعين قد يسعون إلى الاستيلاء على النساء الضعيفات وافتراسهن. وتحت قيادة حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، أصدرت ولاية أوتار براديش -موطن أكبر عدد من السكان المسلمين في الهند- قانونا في تشرين الثاني (نوفمبر)، والذي يفرض عقوبات صارمة على التحول الديني كجزء من الزواج. وتتعهد أربع ولايات أخرى يديرها حزب بهاراتيا جاناتا بأن تحذو حذوها.
حيث يدعي حزب بهاراتيا جاناتا أنه يرى دخانا، لا يوجد حريق في الحقيقة. فالزيجات المختلطة بين الأديان في الهند غير شائعة إلى حد كبير. ويتزوج معظم الهنود ضمن دينهم ومجموعاتهم الطبقية. وقد وجدت دراسة أجريت في العام 2013 أن أقل من 5 في المائة من الهنود يتزوجون خارج طبقتهم، وأن ما يزيد قليلا على 2 في المائة من النساء بين سن 15 و49 يتزوجن من خارج دياناتهن.
ومع ذلك، شنَّ يوجي أديتياناث، الراهب حليق الرأس المكسو بالزعفران، وهو رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، حملة بشأن هذه القضية، وذهب إلى حد التهديد بـ”مواكب جنائزية” لأولئك الذين “يلعبون بشرف الأخوات والبنات”. وليست الحملة الشرسة التي يشنها أديتياناث ضد “جهاد الحب” مجرد صراع دون كيخوتي. إنها تؤشر على منعطف ينذر بالسوء في الحرب الثقافية المتفاقمة التي يشنها حزب بهاراتيا جاناتا. وقد اكتسح الحزب طريقه إلى السلطة في عهد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في العام 2014 من خلال الوعد بإحداث تغيير اقتصادي ذي مغزى. وبدلا من ذلك، اعتنق الحزب أجندة أيديولوجية استقطابية لتحريك الهند العلمانية نحو اعتناق القومية الهندوسية. وقد أقرت الحكومة قانونا تلو الآخر، والتي تعرض للخطر حقوق الأقليات -المسلمين على وجه الخصوص- وتسعى الآن حتى إلى الحد من حق الهنود في الحب.
الحق في الحب
يحظر قانون ولاية أوتار براديش التحول الديني عن طريق الإكراه أو الإغراء بالمال. كما يحظر “التحول عن طريق الزواج”، أي مراسم الزواج التي تتطلب التحول الديني أثناء الطقوس أو قبلها لضمان أن يكون لكلا الطرفين نفس الدين. وإذا كان شخص ما يرغب في التحول إلى دين مختلف (سواء كان هذا التحول لغرض الزواج أم لا)، فسيتعين عليه تقديم إخطار لمدة 60 يوما إلى السلطات المحلية، التي ستطلب بعد ذلك من الشرطة إجراء تحقيق لمعرفة “النية الحقيقية والغرض والسبب للتحول الديني المقترح.”
وقد نفذت شرطة أوتار براديش القانون الجديد بخفة وحماس، فسجلت خمس قضايا في الأيام التسعة الأولى بعد تطبيق القانون. واعتقلت الشرطة زوجين بعد إشاعات بأن العروس كانت هندوسية -ثم أفرجت عنهما بعد التأكد من أن كلا من العروس والعريس كانا مسلمين (وزُعم أنها عذبت العريس في مركز الشرطة). وتعرضت امرأة تحولت من الهندوسية إلى الإسلام لكي تتزوج مسلما بمحض إرادتها للإجهاض أثناء احتجازها في مركز للشرطة.
طبقت السلطات القانون بشكل انتقائي، وبطرق تقول الكثير. فقد رفضت الشرطة تسجيل شكوى ضد رجل هندوسي تزوج امرأة مسلمة. وفي قضية أخرى، اتخذت الشرطة إجراءات بناء على شكوى من مجموعة “هندو ماهاسابها”، الجماعة السياسية اليمينية، لعرقلة زفاف عروس هندوسية إلى عريس مسلم، على الرغم من أن أيا من الطرفين لم يكن يعتزم التحول إلى دين الآخر. ويسمح القانون أيضا بإعادة التحول إلى الهندوسية. وفي الواقع، يجعل القانون من الصعب على الناس التحول عن الهندوسية والزواج المختلط بين مختلف الأديان، بينما يشجع الجماعات اليمينية المتطرفة.
مع وجود البرلمان الوطني والعديد من الهيئات التشريعية في الولايات في يد حزب بهاراتيا جاناتا، قد يكون السبيل الوحيد للوقوف في وجه هذا القانون هو مسالك القضاء الهندي. وقد قدم المحامون بالفعل طعنا ضد القانون في محكمة الله أباد العليا، وهي أعلى محكمة في ولاية أوتار براديش. ويجادل الالتماس بأن الزواج والدين هما مسألتان يجب أن تكونا متروكتين للاختيار الشخصي وأن لا يكون للدولة دور لتلعبه فيهما. ومن المرجح أن تشق القضية طريقها صعودا إلى المحكمة العليا في الهند، والتي لديها اجتهادات قضائية معقدة فيما يتعلق بمسائل التحول الديني.
في السبعينيات، أيدت المحكمة العليا القوانين التي تحظر التحول الديني القسري، مؤكدة أن حرية الدين لا تشمل الحق في تغيير ديانة الآخرين وتحويلهم. لكن المحكمة طورت في الآونة الأخيرة فقها قانونيا قويا يحمي حرية الاختيار. وفي قضية نُظرت في العام 2006، أمرت المحكمة الشرطة بحماية الأزواج من الفئات والطبقات المختلفة الذين يسعون إلى الزواج. ورأت المحكمة أن الشخص البالغ حر في اختيار من يتزوج.
وأرست قضية العام 2006 الأساس لأول قضية “جهاد حب” تصل إلى المحكمة العليا. وفي العام 2017، اعتنقت امرأة هندوسية تبلغ من العمر 24 عاما من ولاية كيرالا الجنوبية الإسلام واتخذت لنفسها اسم هدية. وعندما رفع والدها دعوى أمام المحكمة العليا في ولاية كيرالا، زاعمًا أن هدية على وشك أن تُنقل إلى سورية، مثلت هدية أمام المحكمة مع رجل مسلم يدعى شافين جهان، وأخبرت القضاة أنهما متزوجان. وأصيبت المحكمة العليا بالذعر. وتم نقل المرأة إلى مأوى للنساء، مع تعليمات بمنعها من استخدام الهاتف المحمول والسماح لها بمقابلة والديها فقط. وفي وقت لاحق، ألغت المحكمة زواجها.
واستأنف شافين القضية في المحكمة العليا الهندية، التي طلبت من وكالة التحقيق الوطنية، قوة مكافحة الإرهاب الهندية، التحقيق فيما إذا كان على صلة بمنظمات إرهابية وما إذا كانت هدية قد تعرضت لتلقين عقائدي. ولكن، عندما تحدث القضاة إلى هدية، أصرت على أنها اعتنقت الإسلام وتزوجت شافين بمحض إرادتها. وأثارت القضية عاصفة إعلامية، والتي وضعت قيم تحرير المرأة والعلمانية في مواجهة مخاوف غامضة من الإرهاب الإسلامي. وفي النهاية، صاغت المحكمة العليا القضية على أنها مسألة اختيار: رأت المحكمة أن هدية كانت بالغة، ولديها حق دستوري في الزواج من الشخص الذي اختارته.
ليست تعبيرات القلق بشأن التحول والزواج بين الأديان جديدة في الهند. وهناك قوانين مناهضة للتحول الديني في تسعة من أصل 29 ولاية. لكن العديد من هذه القوانين تركز على حظر التحول القسري، بما في ذلك التهديد بالعنف، والتذرع بالاستياء الإلهي، والوعيد بالنبذ الاجتماعي إذا رفض شخص ما التحول عن دينه. لكن القوانين التي تم تمريرها في ولايتي هيماشال براديش وأوتارانتشال الشماليتين منذ العام 2019 جعلت التحول الديني الطوعي عن طريق الزواج جريمة أيضا، ما لم تخضع الأطراف لإجراءات جديدة معقدة قبل التحول.
وعلى الرغم من أن القانون الهندي يسمح بالزواج بين الأديان، فإن متطلبات الأزواج عبر الأديان أكثر صعوبة بكثير من القواعد المتساهلة للأزواج من نفس العقيدة. يجب على الأزواج من أديان مختلفة التقدم بطلب إلى مكتب حكومي قبل 30 يوما من يوم زواجهم، وتقديم أسماء والديهم وعناوين منازلهم. وعلى النقيض من ذلك، قد يتزوج الأزواج من نفس العقيدة في احتفالات دينية من دون أي إشعار مسبق. بل إن تسجيل هؤلاء الأزواج زواجهم لدى السلطات المحلية اختياري.
قوة القانون
يمثل إقرار قانون “جهاد الحب” في أوتار براديش لحظة جديدة في صعود القومية الهندوسية في البلاد على نطاق أوسع. فمنذ وصوله إلى السلطة في أيار (مايو) 2014، سعى حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم إلى منح مشاريعه الأيديولوجية القوة والسلطة القانونية. في العام 2018، جعلت الحكومة من “الطلاق الثلاثي” -وهو شكل من أشكال الطلاق في الشريعة الإسلامية، والذي يمكن فيه للرجل المسلم أن يطلق زوجته بمجرد النطق بالطلاق ثلاث مرات- جريمة يعاقب عليها القانون. ورأى الكثيرون في هذا التجريم إجراء مفرطا ومتطرفا، لأن المحكمة العليا سبق وأن أعلنت بطلان ممارسة الطلاق الثلاثي في الهند. لكن حزب بهاراتيا جاناتا أقر تشريعا بشأن هذه المسألة على أي حال، للإشارة إلى أنه لا يتردد في إصلاح قانون الشريعة وفي المغامرة بإثارة غضب الجماعات القانونية الإسلامية الهندية.
وفي آب (أغسطس) 2019، خفضت الحكومة مرتبة جامو وكشمير من ولاية إلى منطقة اتحادية تحت سيطرة نيودلهي، محققة بذلك رغبة قومية هندوسية طويلة الأمد في تجريد جامو وكشمير -الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة- من استقلاليتها الاسمية وجرها أقرب إلى نير السيطرة الهندية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، قضت المحكمة العليا بإمكانية بناء معبد هندوسي في موقع مسجد هدمه القوميون الهندوس بشكل مثير للجدل في العام 1992؛ ويدعي القوميون الهندوس أن مسجد بابري، الذي يعود إلى القرن السادس عشر في أيوديا بولاية أوتار براديش، كان قائما على آثار معبد قديم يمثل مكان ولادة رام، وهو إله في العقيدة الهندوسية. وقد وافقت المحكمة على أن تدمير المسجد قبل ما يقرب من ثلاثة عقود كان عملا غير قانوني، لكنها سمحت مع ذلك لبناء المعبد بالمضي قدما. واحتفلت الجماعات الهندوسية بالقرار، بينما أسلم المسلمون أنفسهم إلى العزاء بأن القضية أُغلِقت على الأقل؛ ربما يمكن لجرح دائم أن يلتئم الآن وتمضي كل الأطراف كل في سبيله.
ولكن، بدلا من ذلك، بعد شهر في كانون الأول (ديسمبر) 2019، أصدرت الحكومة قانونا مثيرا للجدل، والذي هدد -إلى جانب سجل وطني مقترح للمواطنين- بتجريد العديد من المسلمين من جنسيتهم الهندية. ووجدت اللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية أن من شأن الإجراءات التي اقترحتها الحكومة أن تعرض ملايين المسلمين الهنود “للاحتجاز والترحيل والتجريد من الجنسية”. وأدى تمرير قانون الجنسية المذكور إلى احتجاجات على مستوى البلاد. واندلعت أعمال الشغب في دلهي في نهاية شباط (فبراير) 2020، بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للهند التي استغرقت يومين. وما تزال الطعون الدستورية في قانون الجنسية معلقة أمام المحكمة العليا، لكن جائحة “كوفيد 19” أخرت إجراءات المحكمة، وليس من الواضح متى سيتم النظر في هذه الطعون.
ومع ذلك، واصل حزب بهاراتيا جاناتا حربه الثقافية من أجل إعادة تشكيل الهند العلمانية بحيث تحددها الهوية الهندوسية. وفي حدث مليء بالرمزية، وضع مودي وأديتياناث حجر الأساس للمعبد الجديد في أيوديا في 5 آب (أغسطس) من هذا العام، والذي كان –بالصدفة- مطابقا للذكرى الأولى لنهاية مشروع دولة جامو وكشمير.
يبدو من المرجح أن تكون الخطوة التالية للحكومة هي تقديم قانون مدني موحد، وقانون شامل للزواج والطلاق من المقرر أن يحل محل الأطر القانونية المتداخلة التي تحكم المجتمعات الدينية المتعددة في الهند حاليا. وسيكون هذا القانون الموحد تغييرا كبيرا لجميع الطوائف الدينية، وإنما للمسلمين بشكل خاص، الذين تحكم الشريعة الإسلامية مسائل الزواج والطلاق والميراث إلى حد كبير علاقاتهم خارج نظام المحاكم الرسمي. وعلى الرغم من أن الدستور يأمر الدولة بوضع قانون مدني موحد في نهاية المطاف، إلا أن الحكومات المتعاقبة فشلت في اتخاذ القرار خوفًا من التكاليف السياسية. لكن حزب بهاراتيا جاناتا يمكن أن يمضي قدما بالقانون من دون أن تقيده الحاجة إلى إشراك كتل القوى التقليدية للأقليات.
إذا ما أخذت مجتمعة معاً، فإن هذه التطورات توحي للأقليات الدينية -والمسلمين على وجه الخصوص- بأنه مقدر لهم أن يصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية. وتؤكد القوانين المتعلقة بجهاد الحب، وهو ظاهرة خيالية محضة، هذا الاتجاه فحسب. ويضمن الدستور الهندي لجميع المواطنين الحق في المساواة وحرية الدين، بما في ذلك الحق في ممارسة ونشر العقيدة. ويقوم حزب بهاراتيا جاناتا اليوم بتمرير قوانين تتعارض مع روح ونص الدستور وتؤثر بشكل خطير على الأقليات الدينية، على الرغم من حقيقة أن الحزب لا يضم نائباً مسلماً واحداً في صفوفه في البرلمان.
خيار ثوري
ومع ذلك، توفر المحاكم، على الرغم من بطء إجراءاتها وتنوع نتائجها، بعض الحماية من الاعتداء التشريعي الذي يشنه حزب بهاراتيا جاناتا. وفي مجتمع ما يزال يضع الأسرة والمجتمع فوق الفرد، فإن فكرة أن الزواج هو مسألة اختيار فردي -وأنه يجب على المحاكم والدولة حماية هذا الاختيار- هي فكرة ثورية. لطالما لجأ الأزواج من خلفيات مختلفة في جميع أنحاء البلاد إلى المحاكم المحلية لطلب حماية الشرطة من عائلاتهم. وفي السنوات الأخيرة، طعن الهنود من مجتمع المثليين في القانون الهندي للجرائم الجنسية غير الطبيعية، وهو قانون عمره 158 عاما من الحقبة الاستعمارية، والذي يجرم الجنس المثلي. وألغت المحكمة العليا القانون في العام 2018. واعتمد الأزواج من مجتمع المثليين الآن على نفس الاجتهاد في السعي إلى تحقيق المساواة في الزواج.
تقدم تلك الانتصارات والصراعات بعض الأمل في خضم الكآبة المتفاقمة. وتبقى التداعيات الأوسع لقوانين “جهاد الحب” مقلقة. وهي تؤشر على الإنهاء التدريجي للحماية السياسية والقانونية والاجتماعية التي تتمتع بها الأقليات الدينية في الهند. وقد اكتسب التعصب الآن قوة القانون. وقد لا ينجو الحق في الاختيار -مَن نحب ومن نعبُد- من صعود اليمين الهندوسي.
Arundhati Katju: محامية تمارس عملها في نيودلهي، الهند. في العام 2019، حصلت على تكريم من مجلة “تايم” ضمن الـ100 شخصية للعام لعملها في إلغاء تجريم المثلية الجنسية أمام المحكمة العليا في الهند.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Hindu Nationalist Myth of Love Jihad
المصدر: الغد الأردنية/(فورين أفيرز)