محمد سعيد سلام
قدم أحد الهياكل السياسية خدمة جليلة للسوريين عن غير إرادة منه حينما أفصح عن دور أملاه مشغلوه عليه، ينسجم إلى حد بعيد مع أصل التصنيع وغاياته في شراكة العصابة المجرمة – وقد أفردت لذلك إضاءة عنونتها بالقرار 24 – فانطلقت عقب القرار المشؤوم جهود سورية تستحق كل تقدير، لكنها أصرت على عدم المهنية السياسية حينما أطلقت لنفسها العنان رغم كل الحوارات والمعطيات والتجارب السابقة فتصورت أنها قادرة على صناعة بديل، وقد خصصت ذلك بإضاءة أخرى عنونتها بالبدائل الهزيلة .
وعلى أهمية استحضار أفكار هاتين الإضاءتين، لكني لن أفعل، بل سأتوسع قليلا رابطا بين ما يجري، وبين الانتخابات القادمة في سورية .
الدستور أو الانتخابات أو استئصال الإرهاب أو جميعها في ظل بقاء العصابة الحاكمة وقبل إزاحتها يعني – ببساطة سياسية كبيرة – شرعنة إرهاب الدولة المنظم وإرهاب داعميها من المحتلين .
ولقد طالعتنا من أسابيع خلت أطروحات متعددة تتفق مع بعضها جوهريا، وتنتظم فيما بينها بخيط سياسي مهني رفيع يحيكه ويديره ويشرف عليه الدولي، ويوظف جميع الإقليمي في العمل عليه وتحضير مستلزماته وأدواته .
والجدير ذكره بداية أن أية محاولة بكل مستوياتها ومنطلقاتها ترمي إلى وضع الثورة السورية درة الربيع العربي في خانة الإحباط وفقدان الوسائل ونفاد الخيارات سوى الانصياع لإرادة الإقليمي والدولي وقرارات الأمم المتحدة وانتقائية جزئياتها يتناقض كليا مع عزيمة السوريين وتضحياتهم الهائلة طيلة عشر سنوات، ويتعارض جملة مع إرادتهم الجمعية الواعية في مواصلة ما أرادوه ذاتيا أصلا، ويتعالى على قرار التغيير الاستراتيجي، ويقلل من فهم السوريين لألاعيب الدولي والإقليمي والمنظمات العاملة وفق أجنداتهم ومصالحهم فيفعلونها حينما وحيثما يريدون، ويعطلونها حيثما وحينما يريدون، ويتجاوز التاريخ القريب والبعيد وحقائقه .
كما يجدر بيان أن الدولي والإقليمي المعني بالثورة السورية غارق بأزماته، ويعيش بحالة انكشاف أخلاقي، والثقة به تكاد تكون معدومة خاصة الذين وطأت آلتهم العسكرية أرض سورية وفعلت ما فعلت بشعبها، وتتصاعد الضغوط الاقتصادية عليهم جميعا، وكلما تقدم الزمن بهم فإن مشكلاتهم السياسية الداخلية والخارجية مرشحة للزيادة، ويخشون – بعد وضوح نفاقهم – أن تنطلق ضدهم موجة عمليات عسكرية سورية من خارج الفصائل المسيطر عليها، أو من داخلها من خلال أفراد أدركوا الفخاخ التي نصبت لهم، وباتوا يشعرون بفقدان الكرامة بعد أن ذاقوها، وترهقهم وتؤرقهم خيانة دماء أصدقائهم وذويهم الذين تقاسموا معهم يوما العهود والمواثيق على مقارعة الظلمة والتخلص من المجرمين .
وهذا سيضع الثورة والعملية السياسية في مسار مختلف .
والمخرج الأنسب والأسلم لكل هؤلاء وسط هذه المحاذير أن تجري الانتخابات في سورية في موعدها، وأن تفوز العصابة الحاكمة ممثلة برئيسها المجرم بغطاء شرعي هزيل مشفوع ببعض الوعود الفارغة على نحو ما مضى يحد أو يمنع ما يحذرونه .
وبغض النظر عن النوايا حسنا وسوءا، وعن الوطنية والخيانة والعمالة على أهمية معرفتها وتحريها، وعن المهنية والسذاجة مع ضرورة التفريق بينهما، فإن هناك خطوات من خارج الهياكل المصنعة تخدم هذا المخرج، وتساعد الدولي والإقليمي ضد الثورة السورية وتضحياتها وإرادتها السياسية .
وجواب ” لماذا يقترفون ” سيكون متداخلا ومتشابكا ومضطربا ومتضاربا، والأولى ألا ندخل فيه في هذه المرحلة، والأهم منه أن نغوص في تظهير جواب كيف يعمل الدولي والإقليمي على ذلك؛ ونوجزه على النحو التالي :
– إخراج تكتلات سورية جديدة تؤمن بالواقعية السياسية، وتسعى نحو التمثيل واستئثاره على شكل مؤتمرات وطنية – ليس للشكل علاقة بالمضمون – أو تجمع شخصيات، وكلاهما يتم بطريقة حماسية عشوائية، أو وفق معايير فضفاضة يمسون من خلالها شركاء في بناء الوطن وتمثيل الثورة العظيمة، ويصبحون على بيانات تشكيك وتخوين واتهامات. وخارج نطاق التحليلات السياسية فقد رشح ما يؤكد تدخل الأجهزة فيها جميعا عبر أشخاص لا يخفون علاقاتهم وأدوار هم فيما يرتبط بهذه التواصلات، بل يتباهون بها، وما توارى أنكى وأقسى .
وهنا بيت القصيد، حيث ستستعمل هذه التكتلات لإيهام الشعب السوري أن هناك من يستطيع أن يعتمد عليهم في استكمال عملية التغيير وقيادة المرحلة الانتقالية بعد أن وجه ضربة قوية للدولي والإقليمي في نزع الشرعية عن الهياكل التي أنفق عليها الكثير من جهده وخبرته وماله، وبدل أن يستثمر ” الساسة ” في هذا الإنجاز فإنهم يطعنونه أو يهدرونه ويفرطون به كما فعلوا ذلك مرات عديدة، فهل يؤوب هؤلاء إلى رشدهم، ويتبصرون حقيقة فعالهم ؟!
– الدعوة إلى تشكيل مجلس عسكري، ممن ؟ وبقيادة من ؟ وأين ؟ وكيف يستقيم هذا الطرح بعد أن أصبحت سورية دولة تخضع لاحتلالات متعددة ؟!
مهما تكن الإجابات، وأيا تكن الأوضاع السياسية، فلا بد من القطع مع التفكير والبحث عن الاستقرار عن طريق العسكر، وهذا أكبر ضمانة للمجتمع من جهة وللمؤسسة العسكرية المرتقبة من جهة ثانية، وإن الربيع العربي لم يعاد كل هذا العداء من القاسي والداني إلا حينما طرح التغيير من خارج المؤسستين العسكرية والأمنية، وإن التفريط بنقطة القوة هذه تحت أي ظرف أو معطى تشير إلى ضعف سياسي شديد . ولن تستعيد المنطقة دورها التاريخي والفكري والثقافي إلا عندما تقنع عسكرها وأمنييها بالعمل وفق إرادة السياسي المفروز شعبيا، وعلى كل ضابط شريف حر يريد الاحتفاظ برتبته العسكرية ألا يسعى لأي دور سياسي، وألا ينجر وراء هكذا دعوات داخلية أو خارجية من شأنها أن تزيد آلام عشرات السنين ومراراتها .
– الترويج لفكرة الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، ما المقصود بالأمم المتحدة ؟
مجلس أمنها ومسلسل الفيتو الطويل، ام الجمعية العمومية ؟!
إذا كانت الأمم المتحدة بمجلسها وجمعيتها لم ترد، أو لم تستطع محاسبة العصابة الحاكمة على كل الجرائم الموصوفة، ولم تتمكن من إيقافها، فمن أين تتأتى الثقة بها بمسألة الانتخابات لا سيما بهذا التوقيت ؟!
إذا كان ذلك اعتمادا على 2254 فماذا بشأن المعتقلين ؟ هل نتكلم عنهم قبل الانتخابات أو بعدها ؟
ومن يضمن الإشراف على انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وقد فرط بإجراءات بناء الثقة، لماذا نصر على التعويل عليه ؟!
وماذا حول إيصال المساعدات للأماكن المحاصرة التي هجرت تحت وطأة السلاح الفتاك والمدمر دون أن تساعدهم، أو تفك الحصار عنهم، هل عجزت عن تأمينهم في مناطقهم التي سكنوها منذ مئات السنين، وستضمن لهم انتخابات حرة ونزيهة ؟!
وما أخبار البيئة الآمنة العائمة ؟
يقولون ” أصحاب هذه الزاوية ” : إنهم لا يقبلون بترشح رئيس العصابة المجرمة، إذن متى تبدأ الثمانية عشر شهرا لإجراء الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، ومن يكون خلالها في سدة الحكم ؟
هل ستكون بوجود المجرم ؟!
فمن يضمن قبوله بها إذا كان صاحب قرار أصلا، ومن سيلزم المحتل الروسي بها ؟
أو ستكون بغيابه ؟ ما يعني أننا في وضع مختلف كليا عما نتكلم عليه الآن، وهو ما ينفي أصحاب هذه النقطة إمكانية حدوثه باعتبار أن النظام – حسب تعبيرهم – ربح المعركة العسكرية !
والحقيقة غير ذلك بالكلية، فهو جلب المحتلين بموافقة دولية، والمعركة مستمرة بيننا .
فهل يمكن للأمم المتحدة أن تشرف على انتخابات في بلد يحتله بعض أعضاء مجلس أمنها ؟
أليس هذا الطرح يتكامل مع سلال ديمستورا الأربع من حيث زمنه وحيثياته ؟
عشرات الأسئلة كل منها يفضي إلى آخر، ترسخ جميعها جرم الإرادة السورية المستقلة، وتؤكد حرمة القرار السيادي، وتبين ضرورة العودة إلى طاعة المجرمين بجهود المحتلين السياسية وآلتهم العسكرية وأدواتهم السورية الواقعية .
والخيار الأمثل لنا أن نقترح خطوات سياسية تتجاوز اللجنة الدستورية والانتخابات المقبلة التي ستأتي بالعصابة ورئيسها حكما – ما لم تحصل أحداث دراماتيكية – وهذا سيشكل عبءا ثقيلا على الدولي والإقليمي والأجراء المحليين من العصابة والهياكل المصنعة على حد سواء .
وأدعو إلى إقامة ندوات سياسية مهنية بلغة راقية تجمع بين أصحاب الواقعية السياسية الداعين إلى ما سبق من غير أعضاء الهياكل، وبين رواد الذات السورية الحرة المستقلة لبحث الممكن والمتاح والأنسب الذي لا يفرط بالتضحيات، وأن تسجل هذه الندوات بأسماء محاضريها ومحاوريها، وأن تنشر بين السوريين كافة، بعيدا عن الشعارات وتوجسات الترحيل والاعتقال والاغتيال الملحوظة في أيامنا ،التي يخوف بها بعضهم، ويخشاها آخرون .
وإن دماءنا ستبقى منارة ما دامت في سبيل الحرية التي أمر بها الله لكل الناس ضد كل طغيان وضد كل جبروت .