عمر كوش
لم تفترق اجتماعات اللجنة الدستورية (السورية) في جولتها الخامسة عن سابقاتها، إذ انتهت من دون إحراز أي تقدّم في تناول أي من المضامين والمواضيع الدستورية، في ظل استمرار وفد النظام الأسدي في طرح قضايا خارجة عن القضايا الدستورية، واقتراح مضامين استفزازية، وبالتالي لم تتمكن اللجنة في دخول صلب المهمة التي شُكلت من أجلها، بالرغم من مضي أكثر من 13 شهراً على تشكيلها، ومن سريان أحاديث عن أنها ستكون “جولة مفصلية وحاسمة”، وعن وجود اتفاق مسبق بين مختلف أطرافها على جدول أعمالها قبل أن تُعقد، وأن تركز اجتماعاتها على إقرار مبادئ الدستور وموادّه الأساسية.
ولم يجد المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، سوى الإعلان أن اجتماعات الجولة الخامسة كانت مخيبة للآمال، وأنه أبلغ أعضاء هيئة صياغة الدستور المصغرة بعدم “إمكانية الاستمرار على هذا النحو، من دون وجود منهجية وآلية عمل للجنة”. لكن، وعلى الرغم من إشارته الواضحة إلى رفض وفد نظام الأسد المقترح الذي تقدّم به في بداية الجولة، إلا أنه تهرّب من تحميل وفد النظام مسؤولية الفشل والتعطيل، وطالب وفدي النظام والمعارضة بتغيير النهج والاتفاق على آلية جديدة، كي تستمر أعمال اللجنة، ووعد بأنه سيلتقي مسؤولين روسا وإيرانيين للمضي في المفاوضات، وسيزور دمشق لمناقشة هذا الأمر، وأيضاً لمتابعة تطبيق بنود قرار مجلس الأمن الدولي 2245.
ويبدو أن بيدرسون لا يملك خيارات كثيرة حيال خيبة أمله، لأنه ما يزال يعلّق الآمال على زياراته المقبلة إلى دمشق، وعلى لقاءاته بمسؤولين روس وأميركيين وإيرانيين وأتراك وسواهم، للبحث عن سبل الاستمرار في عمل اللجنة الدستورية، مع العلم أنه سبق أن زار مختلف العواصم المتدخلة بالقضية السورية قبل انعقاد كل جولة، والتقى مسؤوليها الذين أعلنوا لفظياً دعمهم مهمته، ووعدوه بحثّ مختلف الأطراف من أجل الدفع لتسيير عمل اللجنة، من دون أن يتجسّد ذلك خلال جولاتها. ومع ذلك، وخوفاً من التبعات، ولحسابات خاصة، تهرّب بيدرسون من وضع النقاط على الحروف، وتحميل نظام الأسد مسؤولية التعطيل والفشل، فيما هو يعرف تماماً أن هذا النظام أثبت، خلال جميع اجتماعات اللجنة الدستورية، أنه يتعمد التعطيل والمماطلة والتسويف، ولم ينخرط في أي مسعى حقيقي، أو أي عملية قد تفضي إلى كتابة دستور جديد، كونه لا يريد الدخول في أي عملية إصلاح دستوري في سورية، والأهم أنه غير ملتزم بالقرارات الدولية والأممية، وخصوصا القرار 2254، ويشارك في اجتماعات اللجنة الدستورية كونها مخرجا روسيا، فيما يعتبر أن الرعاية الأممية لها شكلانية، ولا يرتاح لها، بل ويستهزئ بها.
يضاف إلى ذلك أن بيدرسون يعلم أن القرار الأممي 2254 الصادر في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، ينصّ على البدء في مسار سياسي سوري تحت إشراف الأمم المتحدة، من أجل تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، تشمل جميع المكونات، وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية في غضون ستة أشهر، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة، لكن ذلك كله جرى القفز عليه، مقابل اعتماد اللجنة الدستورية بوصفها مخرجاً روسياً، يدّعي ساسة الكرملين أنهم اجترحوها من أجل تنفيذ القرار 2254، بينما كانوا يهدفون إلى نسف هذا القرار، وخصوصا نسف تشكيل هيئة الحكم الانتقالي.
يجيد ساسة الكرملين اللعب على الوقت، وعلى أشياء كثيرة أخرى، وهم حين يتحدّثون عن حلّ سياسي، فهو الحل الذي يبقي ربيبهم الأسد في السلطة إلى أطول فترة ممكنة، وبالتالي، لا يريد الساسة الروس، ومعهم الإيرانيون، أن تنتج اللجنة الدستورية ما لا يريده نظام الأسد. لذلك استبق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الجولة الخامسة للجنة الدستورية بالإشادة بالمناقشات “المفيدة حول المبادئ الأساسية في الجولة الرابعة”، والتعويل على “أن الجولة الخامسة سوف تنتقل إلى العمل المباشر على وضع مقدّمة الدستور”، بينما ما حصل أن الجولة الرابعة لم تشهد تلك النقاشات المفيدة التي تحدّث عنها، وانتهت مثل سائر الجولات إلى محصلة صفرية.
وأمام الفشل الذي أصاب اللجنة الدستورية، فإن الأسئلة تطرح بشأن خيارات الأمم المتحدة ووفد الهيئة العليا للتفاوض الممكنة، وعن ماهية الخطوة المقبلة، حيث لم يجد بيدرسون سوى التعويل مجدّداً على الدول المتدخلة في الشأن السوري، كما أن وفد هيئة التفاوض لا يملك من الخيارات سوى التعويل على الأمم المتحدة وعلى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية من أجل القيام بتحرّك من غير المرجّح أنها يمكن أن تقوم به وفق المعطيات الراهنة. كما أن هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومعها الائتلاف وسواه، بلا أوراق قوة على الأرض، لذلك لم يملك رئيس وفد هيئة التفاوض سوى الشكوى من “إطالة عمل اللجنة الدستورية”، وأنه وصل “إلى مرحلةٍ لم تعد جهودنا كافية لإبقاء اللجنة على قيد الحياة”. وطالب مجلس الأمن بضرورة تنفيذ القرار 2254 وتحديد جدول زمني، مع التطلع بأن تقدم مجموعة دول أستانة الداعمة للعملية الدستورية في اجتماعها المقبل “اقتراحات أو معطيات تمكّن المبعوث الخاص من إنجاز مهمته، وتمكّن اللجنة من إنجاز مهمتها في أقرب وقت ممكن”. وهكذا، لا تخرج خيارات وفد هيئة التفاوض عن نطاق التعويل على الدول المتدخلة في القضية السورية، وهو أمرٌ يكشف مدى العجز الذي وصلت إليه المعارضة، بعد أن قبلت بأولوية المسار الدستوري الذي اجترحه ساسة موسكو، بوصفه المسار الوحيد المتاح والحصري للحل السياسي في سورية، وانخرطت في جولات تفاوض عبثية، بوصفها خيارها الواقعي الوحيد، واتبعت استراتيجية تسجيل النقاط على نظام مجرم لا يقيم أي وزن أو اعتبار للعمليات السياسية والتفاوضية.
المصدر: العربي الجديد