فراس علاوي
كثيرة هي التأويلات والأكثر هي التحليلات حول مآلات الحل السوري وما هي النتائج المترتبة على هذا الحل؟ في ظل الاستعصاء الحاصل في المسألة السورية منذ العام 2015 عام التدخل الروسي وانقلاب الموازين لمصلحة نظام الأسد.
ما يسيطر على المشهد السوري حالياً ثلاث صراعات أساسية لن يتم التوصل للحل في سوريا ما لم يتم إنهاء هذه الصراعات، بالرغم من تداخلاتها وتشابكاتها الدولية والإقليمية إلا أن جميع القوى المتداخلة تتفق على رؤيتين أساسيتين.
الأولى تقول إنه لا حل للصراع في سوريا سوى سياسياً وعلى الرغم من ذلك تمضي جميع الأطراف بفرض واقع عسكري يعزز أوراقها التفاوضية لاحقاً جميع القوى المتداخلة لها وجود عسكري على الأرض، إذ يتم رسم خطوط هذه التوافقات بالتصعيد العسكري تارة وبالاتفاق السياسي تارة أخرى، حيث ترسم خطوط السيطرة وتثبيت قواعد الاشتباك بين القوى الأربع الرئيسة على الجغرافيا السورية/ الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران/ والتي تتوزع على جانبي الصراع وعلى امتداد الجغرافيا، إلا أن هذه الخطوط تشهد تداخلات وتشابكات تجعل من تعقيدها أمراً صعباً من ناحية إيجاد فض كامل لهذا الاشتباك وعلى الرغم من ذلك تقتنع تلك القوى وتتفق بالرؤية الثانية.
والتي تقول أن لا تصعيد ولا حدة في الصراعات على الأرض السورية، الأمر الذي يحول دون الوصول لحرب مفتوحة بين أي من الأطراف المتداخلة، فبالرغم من هذا التداخل الفريد من نوعه في خطوط الاشتباك ومناطق السيطرة بين قوى مختلفة كالتداخل الروسي التركي في الشمال والذي يتراوح بين التصعيد العسكري عبر أطراف محلية إلى توافق سياسي يرسم خرائط السيطرة ويحدد شكلها من خلال الدوريات المشتركة بين الطرفين، والأميركي الروسي والذي يتمثل بالتنافس السياسي سواء عبر مجلس الأمن أو من خلال محاولة كل طرف فرض رؤيته السياسية للحل عبر العديد من الأدوات، والأميركي الإيراني في شرق وشمال شرقي سوريا والمتمثل بالتصعيد الأميركي والداعم للتدخل الإسرائيلي على الأرض السورية باستهداف المواقع الإيرانية، والتداخل الإيراني الروسي في الشرق والشمال والجنوب عبر التنافس على مناطق السيطرة ومناطق الموارد الاقتصادية، وكذلك التداخل الإسرائيلي على عموم الجغرافيا السورية، إلا أن جميع هذه التداخلات لم تفض حتى اللحظة لتطوير الصراع على الأرض السورية، الأمر الذي قد يجعل من التوصل لحل ما سريعاً، فمن المعروف بأنه كلما ازدادت حدة التوتر بين الأطراف المتنازعة ازدادت فرصة الوصول لحل يرضي تلك الأطراف وبالتالي نهاية النزاع الحاصل بينها.
فما هي تلك النزاعات التي تتحكم بالحل في سوريا وبانتهائها أو الوصول إلى حل لها سنشهد حلاً للمعضلة السورية.
الصراع التركي الكردي
لعل أحد أبرز أسباب التدخل التركي في سوريا هو محاولة الأتراك الاستفادة مما يجري في سوريا من أجل حل معضلة حزب العمال الكردستاني ومحاولة القضاء على مشروعه الانفصالي، كذلك العمل على عدم قيام كانتون كردي على الحدود التركية، انطلاقاَ من خوف القيادة التركية على الأمن القومي التركي وهو ما يفسر زخم التدخل التركي شمالاً وتطوير عمليات التدخل العسكري تباعاً في محاولة لرسم خرائط سيطرة تنهي الخطر الكردي، المتمثل بوجود مشروع قسد المتماهي والمدعوم مع حزب العمال الكردستاني، وبالتالي يمكن رسم حدود هذا الصراع على طول الحدود السورية التركية والذي تسعي تركيا من خلاله لتطوير اتفاق أضنة الذي وقعته الحكومة التركية مع حافظ الأسد عام 1998 عقب أزمة اعتقال عبدالله أوجلان والتي اضطر حافظ الأسد في نهايتها لتسليمه لتركيا، انتهاء هذا الصراع سينعكس بشكل إيجابي على منطقة السيطرة التركية، وهو أحد أهداف إدارة بايدن القادمة، أيضا انتهاء هذا الصراع سيعزز الدور التركي في إعادة الإعمار خاصة في مناطق الشمال السَوري ومدينة حلب والتي تعتبر مناطق نفوذ تركية وبالتالي فإن التوصل لأي اتفاق يعني بالضرورة تقاربا أميركيا تركيا مما قد يهدد بتفكيك تحالف أستانا الثلاثي وتهديد مخرجاته.
الصراع أو التنافس الثاني
هو التنافس الروسي الأميركي والذي يأخذ حتى اللحظة شكل صراع سياسي مسرحه مجلس الأمن وسلاحه الفيتو الذي يستخدمه كلا الطرفين، فعلى الرغم من وجود قوات لكلا البلدين على الأرض مع ملاحظة حجم التدخل وشكله وطريقته وحتى أهدافه، إلا ان وجود هذه القوى لم تتسبب بأي صراع حقيقي ولم تتحول الاحتكاكات بين الطرفين إلى اشتباك مفتوح، إذ يحافظ الأميركان والروس على قواعد الاشتباك وعدم تجاوزها، إذ لم يسمح الأميركان بتغيير تلك القواعد عندما استهدفوا مجموعة لقوات ميليشيا فاغنر المدعومة محلياً من ميليشيات محلية في شباط 2020 عندما حاولت تخطي حدود سيطرتها باتجاه مناطق سيطرة التحالف شرق دير الزور، بقاء الحال على ماهو عليه من تنافس سياسي يبقي الحل السوري في ثلاجة وأدراج مجلس الأمن ويحوله إلى مجموعة حلول جزئية ومرحلية قد تؤسس لمرحلة طويلة الأمد من اللاحل الكامل والشامل، إلا أنه وبالوقت ذاته فإن التَوصل لاتفاق بين الطرفين يعني الوصول بنسبة كبيرة لحل مستدام في سوريا، يعتمد ذلك على المقاربة التي سيعتمدها الأميركيون للحل في ظل التعنت الروسي بما يخص بقاء النظام بشكله الحالي إذ يدرك الأميركان بأن البقاء الروسي في سوريا هو بقاء طويل الأمد، كما يدرك الروس بأنهم لن يستطيعوا فرض حلولهم دون الموافقة الأميركية وبالتالي فإن تطوير الصراع بين الطرفين سيطيل الحل في سوريا، بينما التوصل لمقاربة ما عبر تدوير الزوايا يعني الذهاب لحل قد لا يكون مستداماً ولكنه ينهي حالة الجمود الحاصلة ويغير من قواعد الصراع في سوريا.
الصراع الآخر هو صراع مركب طرفه الأول إيران والذي يشكل وجودها عبئاً سياسياً وعسكرياً على معظم الأطراف المتداخلة في سوريا.
ففي حين يوجد نوع من التحالف الهش مع الروس فإن التنافس الإيراني الروسي يبدو واضحاً للعيان في مناطق النفوذ خاصة الغنية بالموارد الاقتصادية،. كذلك يتهم الإيرانيون الروس بغض البصر عن استهداف إسرائيل لمواقعهم في سوريا، بل وذهب البعض لاعتبار ذلك تنسيقاً مع الإسرائيليين، هذا التنافس قد يؤدي إلى فشل التحالف في حال حصول أي توافق روسي أميركي أو اتفاق أميركي إيراني.
الطرف الآخر في هذا الصراع
هو الصراع الأميركي الإيراني والذي يعتبر سَوريا أحد ساحاته الرئيسة إضافة للعراق الساحة الأهم لكلا الطرفين، الصراع الإيراني الأميركي شهد حالة من الصعود والهبوط حسب توجه الإدارة الأميركية والتي شهدت نوعا من التقارب في ظل إدارة أوباما الذي سمح بالتمدد الإيراني في محيطها الجغرافي مقابل التوقيع على الاتفاق النووي.
هذا التمدد قابله عدم رضى إسرائيلي تمثل بالاعتراضات الإسرائيلية على المواقف الأميركية حينها والتهديد بعمل منفرد ضد إيران، هذا الصراع شهد نوعا من التطوير في ظل إدارة ترمب حيث أطلقت يد إسرائيل بشكل أكبر من خلال ازدياد عدد الاستهدافات للمواقع الإيرانية في سوريا ونوعية تلك الاستهدافات، كذلك من خلال التصعيد الأميركي الواضح بعد اغتيال قاسم سليماني أحد أبرز القادة العسكريين الإيرانيين ومهندس التدخل الإيراني في دول الجوار، الخشية من عودة السياسة الأميركية إلى سابق عهدها في إدارة أوباما له ما يدعمه من خلال تعيينات إدارة بايدن لشخصيات كانت مهندسة الاتفاق النووي الايراني في إدارة أوباما من أمثال روبرت مالي الذي سيكون مسؤولاً عن ملف إيران في الخارجية الأميركية.
طبيعة وتطورات الصراع الأميركي الإيراني ستعطي شكلاً ما للحل في سوريا والذي يبدو حتى اللحظة بعيد المنال.
يبدو الحل في سوريا حلاً مركباً يقوم على عملية تفكيك الصراعات الدولية والإقليمية ومن ثم إعادة تقييم شكل هذه الصراعات، وتقاسم مناطق النفوذ الجديدة وفق توافقات تضمن مصالح الجميع سواء في مرحلة الحل السياسي أو مرحلة إعادة الإعمار، وهذا ما يجعل من فكرة الوصول لحل على المدى القصير والمتوسط فكرة غير واقعية في ظل الاستعصاء الحاصل في هذه الصراعات.
والتي بدورها تتفتت إلى صراعات أخرى أقل أهمية لكنها موجودة على كل حال، كالصراع مع تنظيم داعش ووجود ميليشيات غير منضبطة في طرفي الصراع، وملف هيئة تحرير الشام، ومصير بشار الأسد والأجهزة الأمنية، وغيرها من الملفات التي وإن بدت أقل أهمية إلا أن حلها ضرورة للمحافظة على حل مستدام في سوريا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا