طه عبد الواحد
دفعتني بقايا أمل، حالي حال ملايين السوريين، لمتابعة وقائع الاجتماع الأخير، الخامس عشر لـ “ثلاثي أستانا”، ظنا أن تطورات ما إيجابية قد تطرأ بمعجزة من السماء. لكن النتائج جاءت كما كان متوقعا، وكما جرى في السابق، مخيبة للآمال.
إذ لم يخرج المجتمعون بأي قرار يسهم بصورة مباشرة في أي تغيير إيجابي لواقع السوريين، يخفف من معاناة المشردين واللاجئين، ويعيد الحرية للمعتقلين والمغيبين في سجون النظام. هذا بينما نجحت جهود الوساطة الروسية في إنجاز عملية تبادل معتقلين وأسرى بين حليفيها نظام الأسد في دمشق، وحكومة نتنياهو في تل أبيب.
ويضاف إلى هذا كله عجز واضح عبر عنه البيان الختامي للقاء سوتشي في موضوع اللجنة الدستورية، التي يستمر النظام السوري في تعطيلها، رغم أنها تشكل منذ أن “صنعها” الروس خروجا عن مبادئ التسوية السورية وخطتها التفصيلية كما نص عليها القرار 2254، و”طوق نجاة” للنظام نفسه كي يتهرب من العملية السياسية.
في عودة إلى التصريحات قبل انعقاد لقاء “ثلاثي أستانا” في سوتشي، وفي أعقابه، هناك الكثير من القضايا المثيرة للاهتمام. منها مثلا تأكيد ألكسندر لافرينتيف، المبعوث الرئاسي الروسي إلى الأزمة السورية، على أن الهدف من اللقاء “إنعاش المسار السياسي”، وشدد على أنه يقصد مسار جنيف وليس “مسار أستانا”، وهو يريد من عبارته تأكيد أن المسار الذي لم يكن منذ البداية مفيدا للسوريين، هو “المسار الوحيد الفعال في التسوية السياسية” وفق ما يحب المسؤولون الروس التأكيد دوما.
إلا أن كلام لافرينتيف هنا كان له وقع تأكيد عكس ما يريد، وتأكيد حقيقة انتهاء “مسار أستانا”، بعد أن سمح للنظام باستعادة السيطرة على مناطق خفض التصعيد، وتفريق صفوف المعارضة. في الوقت ذاته يكشف البيان الثلاثي في أعقاب لقاء سوتشي أن “مسار أستانا” مسار فعال حقيقة، لكن في ما يخص التنسيق بين الثلاثي روسيا وتركيا وإيران، للتفاهم على آليات العمل على الأراضي السورية بما يضمن مصالح كل طرف منهم. وكما في بياناتهم في أعقاب لقاءات “أستانا” السابقة، أكد الثلاثي التزامهم الثابت باحترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، و”عبروا عن قناعتهم بأنه لا يمكن حل الأزمة السورية عسكريا”، وأكدوا “الالتزام بدفع عملية سياسية مستدامة، يقودها ويملكها السوريون، بتيسير من الأمم المتحدة، بموجب القرار 2254”. بعد هذه المقدمة، وكلام آخر حول دعم عمل اللجنة الدستورية وما إلى ذلك بدأت تبرز التوافقات، التي تؤكد أن “أستانا” من أساسه مسار لتنسيق المصالح بين المشاركين الرئيسيين فيه.
إذ “دان ممثلو روسيا وتركيا وإيران الهجمات الإسرائيلية المستمرة في سوريا”. وهذه الإدانة كما يستنتج أي متابع للوضع، هي في الواقع تتماشى مع مصالح إيران، وتلبي موقفها، بالحصول على دعم “شركاء أستانا” ضد الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقعها ومشاريعها “العسكرية” على الأراضي السورية. من ثم توقف البيان عند “النفط السوري”، وعبر “ثلاثي أستانا” عن “رفض السيطرة غير الشرعية (على الحقول النفطية)”، وأكدوا أن عائداته من حق الجمهورية العربية السورية.
ويبدو هذا الموقف مبدئيا للوهلة الأولى، إلا أنه يعبر في الواقع عن استياء موسكو من فشلها في استعادة السيطرة على المناطق الغنية بالنفط، رغم كل المحاولات، بما في ذلك بالقوة العسكرية عبر مجموعة “فاغنر”. ويقول خبراء إن روسيا كانت تعول على النفط السوري وعائدات في تحصيل جزء من نفقاتها دعما للنظام السوري. أي أن هذا الموقف جاء تعبيرا من “ثلاثي أستانا” عن تفهم مصالح روسيا.
ولم تكن تركيا خارج الحسابات. إذ أكد البيان رفض محاولات فرض واقع جديد على الأرض، وأدانوا المبادرة غير القانونية، في تأسيس “إدارة ذاتية” بذريعة الحرب على الإرهاب. وإذ لا يمكن عدم إدانة أي محاولات انفصالية، أو تقسيم مهما كانت مبرراتها وأسبابها وطبيعتها وخلفياتها، إلا أن إدانة “لقاء أستانا” لهذه المحاولات تبدو بمثابة تأكيد “الثلاثي” على موقف موحد ضد الدور الأميركي شمال شرقي سوريا، وتفهم للمخاوف التركية، وبالتالي التزام بمصالح تركيا في المنطقة.
أما نتائج اللقاء بالنسبة للمطالب التي حملها معه وفد المعارضة، فهي لم تجد خلال هذه الجولة، كما وفي جميع الجولات السابقة، آذانا صاغية. التركيز دوما والنتائج تكون دوما وفق القضايا التي يطرحها “الثلاثي الضامن”، وربما تأخذ موقف النظام بالحسبان، لكن لم يصدر أي قرار عن لقاءات أستانا، يعكس استجابة لأي من المطالب التي كانت تحملها المعارضة في جعبتها إلى تلك اللقاءات. على سبيل المثال، قالت وسائل إعلام إن وفد المعارضة إلى سوتشي، سيبحث مع “ثلاثي أستانا” العملية الدستورية، والضغط على النظام للانخراط في العملية بالشكل المطلوب، وتحديد جدول زمني لعمل اللجنة. جاء الرد سريعا، حين شدد البيان الختامي على رفض “ثلاثي أستانا” فرض أي أطر زمنية على عمل اللجنة الدستورية. وكان هناك حديث عن المطالبة بفتح المزيد من المعابر الإنسانية، لإيصال المساعدات إلى اللاجئين، وهي ذات المعابر التي أصرت روسيا على إغلاقها، حين رفضت عبر مجلس الأمن تمديد عملها. وكان هناك حديث أن وفد المعارضة سيبحث ملف المعتقلين، لكن لا شيء حول ذلك في البيان الختامي، ولا في تصريحات ممثلي ثلاثي أستانا.
في المقابل يبدو أن وفد النظام شعر بارتياح لنتائج لقاء سوتشي، كما وفي جميع لقاءات “أستانا” السابقة، لأن نتائجها تناسبه، وتخدم مصالحه، وعلى الأقل، لم تحمل يوما أي إدانة له، ولم يظهر أي نوع من الضغط يُمارس عليه خلالها. هذا الارتياح انعكس في تصريحات أيمن سوسان رئيس وفد النظام إلى سوتشي، حين زعم أن النظام مستعد لمواصلة التعاون الفعال في إطار العملية السياسية “لكن مع فهم أن هذا حوار سوري دون أي تدخل خارجي”، وذهب أبعد من ذلك في المراوغة وتزوير الحقائق، حين عبر عن تقييم إيجابي لنتائج الجولة الأخيرة من عمل اللجنة الدستورية المصغرة، على الرغم من أن غير بيدرسون نفسه، أشار بدبلوماسية إلى فشل ذلك الاجتماع، ولذلك لا يوجد لديه خطة عمل واضحة مستقبلا للجنة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا