رياض قهوجي
قررت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن رفع ميليشيات الحوثي عن لائحة المنظمات الإرهابية، وذلك بعد أقل من شهرين من إدراجها على هذه اللائحة من جانب إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. وكانت إدارة ترامب قد رفعت اسم منظمة مجاهدي خلق عن قائمة الإرهاب التي كانت وضعتها عليها قبل بضع سنوات إدارة الرئيس باراك أوباما كخطوة لتحسين العلاقات مع إيران في إطار توقيع الاتفاق النووي معها. وتملك هذه المنظمة اليوم حضوراً قوياً في واشنطن وبعض العواصم الأوروبية ولها مؤيدون ضمن المشرعين الأميركيين والأوروبيين.
هذه القرارات المتناقضة من دولة يعتبر أنها تقود، منذ هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، الحرب الدولية على الإرهاب، تعتبر مؤشراً سلبياً الى الطريقة التي تدار بها هذه الحرب وأهدافها. فهل أميركا فعلاً في حرب ضد الإرهاب، أم أن صفة الإرهاب باتت وجهة نظر شخصية وسياسية وأداة تستخدمها واشنطن في إدارة سياستها الخارجية؟ فما هي المعايير التي تصنف على أساسها منظمة أو مجموعة على أنها إرهابية، وكيف استخدمت هذه المعايير في حالتي منظمة مجاهدي خلق وميليشيا الحوثي؟ أسئلة تفتقر الى أجوبة موضوعية تستند الى منطق ومعيار سليم. فلقد تحججت إدارة بايدن بأن سبب رفع الحوثيين عن لائحة الإرهاب يعود الى أسباب إنسانية، إذ إن بقاءها على اللائحة سيؤثر في وصول المساعدات الدولية الى المدنيين في اليمن. وكأن المسؤولين الأميركيين في إدارة ترامب لم يكونوا يعلمون أو يكترثون لتأثير قرارهم في المواطنين في اليمن.
فليس من المستغرب أن تكون هناك تباينات في وجهات النظر حول تعريف الإرهاب. فلطالما كانت هذه المشكلة موجودة بين الدول والشعوب والمجتمعات، إذ كانت هناك حركات ومجموعات تعتبر ثورية من قبل دول، تعتبرها دول أخرى منظمات إرهابية. لكن المستهجن في ما يحصل اليوم، أن مسؤولين في دولة واحدة تعتبر نفسها قدوة في القيم الليبرالية والديموقراطية هم على خلاف على من يجب أن يصنف إرهابياً. هل معايير الحزب الديموقراطي تختلف عن معايير الحزب الجمهوري في تعريف الإرهاب؟
إن الانقسام العمودي الذي بات يأخذ بعداً أيديولوجياً بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، أصبح يؤثر في أداء أميركا وهيبتها، وعلى فرص فوزها بما تسميه بالحرب الدولية على الإرهاب. فما أن تأتي إدارة جديدة حتى تطيح قرارات الإدارة السابقة، ومن ضمنها قرارات ذات بعد أمني. فتصنيف أميركا لجهة على أنها إرهابية يلزم العديد من الدول والمصارف بأخذ إجراءات عقابية ضدها، وهذا التغيير يسبب إرباكاً كبيراً لها. وبما أن صفة الإرهاب باتت مزاجية ولأهداف سياسية، فهذا يعني أن لمن يصنف إرهابياً اليوم الفرصة بأن يشطب عن هذه اللائحة مستقبلاً إذا سارت الرياح السياسية بما يتناسب مع ذلك في حسابات واشنطن المتغيرة. فهل يمكن أن يرى المجتمع الدولي أميركا تقدم على رفع “حزب الله” عن لائحة الإرهاب بحجة تسهيل تشكيل حكومة وتخفيف الضغوط الاقتصادية على لبنان، أو حتى رفع الحرس الثوري الإيراني عن هذه اللائحة كخطوة باتجاه تحسين العلاقات مع إيران تمهيداً لتوقيع اتفاقية جديدة معها؟ لم يعد لأحد أن يستبعد ذلك في ضوء ما شهدته السياسة الخارجية الأميركية من تقلبات خلال السنوات الأخيرة.
بعد ما يناهز العشرين عاماً على إطلاق واشنطن الحرب العالمية على الإرهاب، لا تزال هذه الحرب من دون أفق يحدد الى أين وصلت وما إن كانت حققت أهدافها حتى الآن. فتنظيم “القاعدة” لا يزال نشطاً برغم تصفية عدد كبير من قادته. بل إن الفكر العقائدي لـ”القاعدة” تطوّر وأنتج “متحوراً جديداً” اسمه تنظيم “داعش”، هو أكثر شراسة وخطورة. وبرغم حملة عسكرية كلفت الكثير مالياً وبشرياً، لا يزال هذ التنظيم في سوريا والعراق ومناطق أخرى في أفريقيا وحتى أفغانستان. ولا تزال أميركا بعيدة جداً عن تأمين الاستقرار في أفغانستان والعراق اللذين اجتاحتهما عسكرياً تحت لواء الحرب على الإرهاب. فنفوذ حركة “طالبان” يتوسع يوماً بعد يوم، وبات يهدد الحكومة الأفغانية، كما أن المجموعات الإرهابية والميليشيات تهيمن على أجزاء كبيرة من العراق. وتواجه الإدارة الأميركية أسئلة صعبة من مواطنيها عن جدوى بقاء قوات أميركية في كل من العراق وأفغانستان ومتى يمكن أن تحقق أهدافها وتعود الى الوطن. ولقد قام ترامب بتقليص عديدها قبل خروجه من البيت الأبيض، فهل يعيد بايدن نشر ما سحب منها؟
وبينما كانت أميركا منهمكة بالحرب العالمية على الإرهاب استفاقت هي والمجتمع الدولي على ما يسميه الإعلام الأميركي “الإرهاب المحلي،” المتمثل بمجموعات لليمين المتطرف تتبنى الأفكار العنصرية والفاشية والطائفية. ولقد شكلت هذه المجموعات رأس الحربة في الهجوم على مبنى الكونغرس الأميركي في 6 كانون الثاني (يناير) الماضي، وتتم ملاحقة عناصرها وتوقيفهم اليوم.
ولقد شهدت أميركا خلال السنوات الأخيرة هجمات عدة مميتة نفذها عناصر ينتمون الى فكر هذه المجموعات. وعليه، فإن أميركا باتت اليوم تحارب الإرهاب وبأشكاله المختلفة على الجبهتين الداخلية والخارجية، ولا يبدو أنها تعرف كيف ومتى ستنتهيان، وما هي معايير النصر فيهما. فالانقسام السياسي الداخلي في أميركا أوجد مساحة تسمح لهذه المجموعات بالظهور والعمل، مستفيدة من قوانين حرية الرأي والفكر وحمل السلاح وحتى الترشح لمناصب حكومية. وبناءً عليه، هل يمكن لأميركا أن تقود العالم في حرب ضد الإرهاب؟
لقد شاركت دول عدة حول العالم وفي المنطقة بالحرب العالمية على الإرهاب، بخاصة ضد المجموعات الأصولية الإسلامية. وهناك برامج وأنشطة عدة أطلقتها هذه الدول ومراكز الدراسات فيها للتعامل مع ما يسمى بالتطرف العنيف. يجب إعطاء دور أكبر لنشر أفكار ومبادرات تحارب الفكر والعقيدة المتطرفة لهذه المجموعات ومنع انتشارها بين الشباب. فلا العمليات العسكرية وحدها كافية لإزالة هذه المجموعات المتطرفة وخطرها، ولا عمليات التصنيف العشوائية والسياسية التي تقودها واشنطن تؤتي ثمارها. وما عمليات اغتيال المفكرين والناشطين ضد الفكر المتطرف في دول عدة ومنها أفغانستان وسوريا والعراق ولبنان، وآخرهم لقمان سليم، سوى أمثلة على مدى قوة وفعالية الحرب الفكرية المضادة، بحيث إن المجموعات الإرهابية استشعرت مدى تأثيرهم على بيئتها الحاضنة. فالحرب على الإرهاب يجب أن تستمر، إنما بأساليب أكثر واقعية وفعالية، ومن دون تأثير المزاج السياسي في أميركا الغارقة في وحول مشكلاتها الداخلية.
المصدر: النهار العربي