نهى محمود
نفذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أول عملياتها العسكرية، ردا على الهجمات الأخيرة على الطاقم الأميركي وقوات التحالف في العراق، لكن الضربة التي وصفتها وزارة الدفاع (البنتاغون) بـ”المحسومة” لم تمس العراق هذه المرة.
واستهدفت الغارات الجوية نقطة مراقبة حدودية في شرق سوريا، تستخدمها جماعات مسلحة عراقية موالية إيران، بينها كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء.
وفي هذا الإطار قال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري، لموقع “الحرة”: “الضربات استهدفت موقعا حدوديا مباشرا بين العراق وسوريا؛ هو معبر غير شرعي، يستخدمه الإيرانيون لنقل شحنات أسلحة”.
وبحسب المرصد السوري، فقد أسفرت الضربات عن مقتل العشرات من مقاتلي “الحشد الشعبي وكتائب حزب الله”، وتدمير ثلاث شاحنات ذخيرة قادمة من العراق إلى النقطة الحدودية جنوبي مدينة البوكمال السورية.
وذكر أنه “رصد بعد منتصف ليل الخميس – الجمعة استهدافا جويا جديدا طال الميليشيات الموالية لإيران في منطقة غربي الفرات، حيث استهدف طيران حربي أميركي شحنة أسلحة للميليشيات الموالية لإيران من الجنسية العراقية لحظة دخولها إلى سوريا قادمة من العراق عند الساعة 01,00 (23,00 ت غ) عبر معبر غير شرعي جنوب مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي”.
وتبعث الضربات الجوية الأميركية برسالة، وصفها المتحدث باسم البنتاغون جيمس كيربي بأنها “بالغة الوضوح: الرئيس بايدن سيتحرك لحماية الجنود الأميركيين وقوات التحالف”.
ويقول عبد الرحمن إن العملية سوف تُقلق القوات الموالية لإيران داخل الأراضي السورية، مضيفا “الرد باختيار هذا المعبر هو لحماية القوات الأميركية داخل سوريا”.
وبحسب تصريح سابق لكيربي، فإن العسكريين الأميركيين المنتشرين في شمال شرق سوريا، وعددهم حاليا حوالي 900 عسكري، “هم هناك لدعم المهمة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا”.
عدم إحراج الكاظمي
والاثنين الماضي، سقطت صواريخ بالقرب من السفارة الأميركية في بغداد، بينما استهدف قصف، السبت الماضي، قاعدة بلد الجوية العراقية الواقعة إلى الشمال، مما أدى إلى إصابة موظف عراقي في شركة أميركية مسؤولة عن صيانة طائرات “إف-16”.
وفي 15 فبراير، أصابت صواريخ قاعدة عسكرية تتمركز فيها قوات التحالف الغربي في مطار أربيل (شمال). وقُتل شخصان أحدهما مقاول مدني أجنبي يعمل مع التحالف.
لكن الضربة الجوية الأميركية التي ردت على هذه الهجمات استهدفت سوريا دون العراق. ويرجح نظير الكندوري، الكاتب العراقي، أن إدارة بايدن أرادت ألا “تسبب إحراجا لحكومة (مصطفى) الكاظمي” بالنظر إلى أن الغارات استهدفت قوات عسكرية تابعة لهيئة الحشد الشعبي المرتبطة بالقوات الأمنية العراقية رسميا.
وإذا كانت الضربة وقعت في العراق فكان من شأن ذلك إضعاف موقف الكاظمي “أمام الأطراف السياسية الموالية لإيران، وربما الضغط عليه للانسحاب من الحوار الاستراتيجي القائم بين العراق والولايات المتحدة حاليا، الأمر الذي لا تريده واشنطن”، بحسب الكندوري.
وكان بايدن والكاظمي ناقشا، خلال اتصال هاتفي، الثلاثاء الماضي، الهجمات الصاروخية الأخيرة على القوات العراقية وقوات التحالف، واتفقا على ضرورة محاسبة المسؤولين، بحسب البيت الأبيض.
ووقعت هذه الهجمات التي نُسبت إلى مجموعات مسلحة موالية لإيران في وقت تسعى الإدارة الأميركية إلى إحياء الاتفاق النووي الذي نقض في عهد الرئيس دونالد ترامب عام 2018.
تأثير على نووي إيران
وعما إذا كانت ضربات البوكمال ستؤثر على الجهود الأميركية الرامية إلى إقناع إيران بالتفاوض على عودة الجانبين إلى الامتثال بالاتفاق النووي، قال الكندوري: “حاولت إدارة بايدن بشدة تجنب أي عمل يمكن أن يؤثر على جهودها للتوصل لاتفاق مع إيران يتعلق ببرنامجها النووي وتطويرها للصواريخ الباليستية ونفوذها المتزايد في دول المنطقة”.
لكن إيران ستفسر الرد بالغارات على أنه عدم رغبة أميركية للمواجهة مع إيران، حسبما يرى الكندوري، مضيفا “حاولت طهران من خلال ضرباتها عبر وكلائها بالعراق، أن تضغط على الإدارة الأميركية للحصول على تنازلات على طاولة المفاوضات التي ستجلس عليها طهران في النهاية”.
وبعد ساعات من الضربات الجوية الأميركية، أجرى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اتصالا هاتفيا بنظيره السوري، الجمعة.
وقال موقع دولت دوت آي.آر إير الحكومي إن “الجانبين أكدا ضرورة التزام الغرب بقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا”.
وفي هذا السياق، يقول الكندوري: “كان من الممكن أن تنجح طهران في استراتيجيتها بالضغط على واشنطن لو لم يكن هناك رد أميركي على ضربات الميليشيات.
إلا أن إيران تتعامل بمبدأ فصل الملفات في سياساتها الخارجية، وبالتالي فإن الضربات الأميركية ستكون عبارة عن رسالة أميركية موجهة إلى طهران التي ستُبقي على مطالبها الحالية المرتفعة طالما أن الهجوم لم يمسها مباشرة”.
ويعتقد الكندوري أن إيران تستخدم الميليشيات “كأوراق تفاوضية” مع واشنطن.
خطر التصعيد
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الضربات هي رد فعل “صغير للغاية” تمثل في “إلقاء قنبلة على مجموعة صغيرة من المباني على الحدود السورية العراقية تستخدم لعبور مقاتلي الميليشيات والأسلحة داخل وخارج البلاد”.
ورغم هذا الرد “الصغير للغاية”، لا يستعبد الكندوري خطر التصعيد بين القوات الأميركية والميليشيات، خاصة بعد تسريبات بشأن اتفاق بغداد وأربيل على تدويل ملابسات قصف 15 فبراير، وإرسال التحقيقات إلى مجلس الأمن.
ووفقا لهذه التسريبات، يقول الكندوري: “هناك رغبة من حكومة الكاظمي بالاتفاق مع ساسة أكراد، على الضغط على مجلس الأمن لإصدار قرار بتشكيل تحالف عسكري لمكافحة الميليشيات على غرار التحالف الموجود حاليا لمحاربة داعش”.
وأرجع السبب في ذلك إلى “تهديد الميليشيات للبعثات الدبلوماسية والاستثمارات الأجنبية في العراق وأرواح العراقيين”.
وأضاف “سيكون الحسم العسكري هو سيد الموقف في أي صفحة جديدة ستبدأ للعلاقة بين واشنطن والميليشيات الموالية لإيران”.
ورجح أن تتواصل الضربات الحالية خارج الحدود العراقية “لحين الحصول على تفويض من مجلس الأمن لمحاربتهم داخل الأراضي العراقية”، على حد قوله.
المصدر: الحرة. نت