منهل باريش
أطلقت الماكينة الإعلامية الروسية حملة دعائية منظمة يومية، تتهم فيها “جبهة النصرة” بمنع المدنيين من العبور إلى مناطق سيطرة النظام شرق إدلب، واتهمت التنظيم بالتحضيرات لهجوم بالسلاح الكيميائي على إدلب بالمشاركة مع فرق الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”.
وتعتبر الدعاية الروسية هي الأكثر استمرارا منذ آخر الحملات الإعلامية حول إدلب في تموز(يوليو) من العام الماضي. حيث ركزت اتهامات وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين وقتها على “نقل مجموعات متشددة عبوات لأسلحة كيميائية، تحضيراً لاستخدامها في هجوم” و “صد الدفاعات الجوية الروسية هجوما جديدا لطائرات من دون طيار استهدف قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية غرب البلاد”. واتهام “جبهة النصرة بخرق اتفاق وقف إطلاق النار وشنها هجومين على قوات النظام”.
اليوم، تغيب اتهامات قصف القاعدة الجوية الروسية في الساحل السوري (مطار حميميم العسكري) لصالح اتهام جديد هو منع المدنيين من العبور إلى مناطق سيطرة النظام في سراقب، عبر معبر الترنبة. وبثت وسائل الإعلام الروسية التحضيرات اليومية لانتشار الشرطة العسكرية على طريق إدلب-دمشق الذي يربط طريق M4 وM5 ببعضهما وهي وصلة الطريق المحاذية لمدينة سراقب من الجهة الغربية والذي يفصلها عن قرية الترنبة والتي باتت إحدى ضواحي المدينة وأكثر التصاقا بها بسبب انتشار البناء العشوائي في الأراضي الزراعية خارج المخطط التنظيمي، هربا من قصف النظام بالبراميل المتفجرة للمدينة، كما حال أغلب مراكز المدن الريفية التي توسعت أفقيا بشكل كبير بحثا عن الأمن.
واتخذت الشرطة العسكرية الروسية وقوات النظام السوري المسيطرة على سراقب “نقطة استقبال” مزعومة في مدرسة جمعة الحاج حسين المشرفة على طريق إدلب-دمشق والقريبة للمفرق المؤدي إلى بلدة الترنبة.
وأظهرت الصور التي نشرها إعلام النظام السوري لقطات مصورة لعناصر الشرطة العسكرية يقفون خلف “أكياس سكر” بحجم صغير ويافطة كتب عليها “روسيا معكم” معلقة على مدخل بناء الكتلة القديمة في المدرسة. وتفضح الصورة وصور المنازل المجاورة حجم “التعفيش” والنهب الذي قامت به الفرقة الرابعة والفرقة 25- مهام خاصة. حيث تبدو المنازل بلا أبواب أو شبابيك، إضافة إلى حجم دمار هائل بالقرب من المدرسة والطريق.
وكانت القوات الروسية قد أعلنت، الأحد الماضي عن تجهيز معبر الترنبة، وسيتم افتتاحه أمام المدنيين اعتبارا من يوم الاثنين. ويواصل إعلام محور النظام ترديد مقولة أن “الإرهابيين” أو “جبهة النصرة” منعوا المدنيين من العبور بقوة السلاح والتهديد.
وأعلن مركز المصالحة الروسي في سوريا، مساء الاثنين، أن “المتشددين يعرقلون عمل نقاط تفتيش جديدة في إدلب ويمنعون المدنيين من مغادرة منطقة خفض التصعيد تحت تهديد السلاح والاعتقال”. وقال نائب رئيس المركز الروسي لمصالحة الأطراف المتحاربة في سوريا، اللواء فياتشيسلاف سيتنيك: “مقاتلي التشكيلات المسلحة المتطرفة يعرقلون عمل نقاط التفتيش ويمنعون السكان المحليين من الانتقال إلى المناطق الخاضعة لسيطرة سلطات الدولة تحت التهديد باستخدام السلاح والاعتقال”.
واتهم الجنرال الروسي القوات المسلحة التركية أنها “غير قادرة على ضمان سلامة اللاجئين في ممرات الخروج في إدلب، الأمر الذي يفاقم أوضاع السكان المدنيين”. مضيفاً إن “عدم قدرة القوات المسلحة التركية على ضمان سلامة المواطنين في ممرات الخروج يفاقم من أوضاع السكان المدنيين الذين يعانون من نقص الرعاية الطبية المؤهلة والوضع الاجتماعي والاقتصادي الطارئ الناجم عن العقوبات الأمريكية الخانقة”.
وطالب الجنرال الروسي “قيادة القوات التركية المسيطرة على مناطق شمال غرب سوريا بالتحلي بالنزاهة في الوفاء بالتزاماتها، وكذلك ضمان سلامة المدنيين الراغبين في استخدام المعابر” حسب ما نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية.
واتهم النظام السوري هيئة “تحرير الشام” بنصب حواجز عسكرية على جميع الطرق المؤدية إلى المعبر، وبشكل يومي، تواجد محافظ إدلب في حكومة النظام، محمد نتوف، وأمين فرع حزب البعث، أسامة قدور الفضل وقائد شرطة محافظة إدلب في وزارة داخلية النظام العميد ديب ديب وقائد كتائب البعث في المحافظة عبد الخالق سرجاوي في مدينة سراقب، للإشارة إلى مدى جدية النظام في فتح المعبر. كما حضرت وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية في محور حلفاء النظام، والعاملون في الهلال الأحمر السوري. وأشار نتوف إلى أن النظام جهز مركز إيواء مؤقتا للمدنيين في حي السبيل بمدينة حماة. فيما أكد رئيس فرع الهلال الأحمر السوري في إدلب وحماة، “تجهيز ثلاث فرق تابعة للمنظمة لتقييم وضع الأسر العائدة عند الممر وتلبية احتياجاتها الإنسانية، إضافة إلى تأمين وصولها إلى مركز الإقامة المؤقتة بمدينة حماة”.
في اتهامات الهجوم بالسلاح الكيميائي، استبقت وزارة الدفاع الروسية الجولة الـ 15 لمسار استانة باتهام اللواء سينيك لعناصر الدفاع المدني السوري بالتحضير لهجوم بالكيميائي وجلب معدات تصوير الفيديو في بلدة الفوعة في محافظة إدلب بالشراكة مع جماعة “تحرير الشام” حسب تعبيره.
وأصدرت روسيا وتركيا وإيران بيانا ختاميا في نهاية اجتماعاتها في سوتشي، يتألف من 17 بنداً. وأعربت الدول الضامنة لمسار استانة من خلاله على “زيادة نشاط المسلحين” مشددة على ضرورة الوفاء بالاتفاقات الخاصة بدافع خفض التصعيد.
وقال الممثل الخاص للرئيس الروسي بشأن سوريا، ألكسندر لافرنتييف: “درسنا بالتفصيل الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب وأكدنا على ضرورة الحفاظ على الهدوء على الأرض من خلال التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقات القائمة بشأن إدلب”.
وأشار لافرنتييف إلى أن الدول الضامنة عبرت عن “قلقها البالغ إزاء النشاط الإرهابي لجماعة هيئة تحرير الشام (المحظورة في روسيا الاتحادية) وغيرها من المنظمات الإرهابية التابعة لها والمصنفة إرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي والتي تعتبر، كذلك، تهديدا للمدنيين داخل وخارج منطقة خفض التصعيد في إدلب”.
وشدد المبعوث الرئاسي على عزم دول الصيغة على محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره ومعارضة المخططات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها وتهديد الأمن القومي لدول الجوار. وختم “اتفقنا على مواصلة التعاون من أجل القضاء النهائي على داعش وجبهة النصرة وجميع الأفراد والجماعات والمؤسسات والمنظمات الأخرى المرتبطة بالقاعدة أو داعش والجماعات الإرهابية الأخرى”.
ويشير التصعيد الميداني والسياسي والإعلامي في إدلب وخصوصا المتعلق بقضية فتح المعبر إلى اختلاق موسكو حجة جديدة لتوتير الأجواء بالقرب من طريق حلب- اللاذقية/M4. وتذكر أدوات الدعاية الروسية بما حصل في الهجوم الأخير على ريف إدلب الشرقي. حيث أعلنت الخارجية الروسية فتح معبر تل الطوقان أمام المدنيين للخروج من مناطق سيطرة فصائل المعارضة إلى مناطق سيطرة النظام. ورغم عبور عدد كبير من المدنيين أغلبهم من أبناء المنطقة من ملاك المواشي، اعتبر النظام أن “تحرير الشام” منعت خروج المدنيين وكان أحد تبريرات الهجوم الذي حصل.
اللافت أن القيادة العسكرية الروسية قاطعت الدوريات المشتركة مع الجيش التركي على طريق M4 حيث سيرت دوريات شبه أسبوعية على الطريق بحماية “تحرير الشام” التي تشكوا إرهابها دائما والتي منعت الفصائل الجهادية القاعدية من الاعتداء على القوات الروسية عدة مرات. في حين نجحت الأخيرة مرات أخرى باستهداف مدرعات الشرطة العسكرية الروسية، سواء بتفجير سيارة مفخخة مسيرة أو باستهداف العربات بحشوات قاذف الأر بي جيه، أو استهداف الطريق بقذائف الهاون.
على صعيد آخر، لا يبدو أن روسيا وحدها هي من تسعى للسيطرة على طريقM4 فلإيران مصلحة باستعادة السيطرة على بلدتي الفوعة وكفريا وإعادة أهلها المهجرين منها بصفقة المدن الأربع وإظهار نفسها كحامية للشيعة، والأسد بدوره يسعى للبحث عن نصر يبعد الأنظار عن الوضع الاقتصادي الكارثي في مناطق سيطرته. وبالتأكيد فحصول هجوم على منطقة جبل الزاوية أو على الفوعة وكفريا وقضم بعض المناطق في سهل الغاب أو غرب سراقب سيكون هدفاً لتدشين حملته الانتخابية للرئاسة.
المصدر: القدس العربي