بدأت، في مثل هذا اليوم قبل سبع سنوات، شرارة الثورة السورية، حيث خرج شبابٌ في تظاهرة في سوق الحميدية، يرفعون شعار “الله، سورية، حرية وبس”، الشعار الذي كان رداً على شعار النظام: “الله، سورية، بشار وبس”. ربما كان هذا هو الوعي الذي حكم هؤلاء، والذي حكم النخب أصلاً، وتسرَّب إلى قطاع من الشباب الذي “تسيس”. حيث عبّر عن رد “غريزي” على ممارساتٍ طويلةٍ مارسها النظام. وعن عفوية أخرجتها ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين. وكان هذا الوعي يعبّر عن حاجة فئاتٍ وسطى للحرية، أكثر مما كان يعبّر عن فهمٍ عميق لأزمة سورية. وبهذا، لم يصبح شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” الشعار المركزي، إلا بعد أسابيع عديدة من القمع والاعتقال والقتل.
كان قطاع كبير من الشعب مأزوما بعد انهيار الوضع المعيشي الذي حدث، على ضوء اتباع سياسة اللبرلة التي بلغت أوجها سنة 2007. وعلى الرغم من “الخوف” من بطش النظام، توسّع الحراك في مواجهة سياسة القتل والسحق التي مارسها النظام. ووصلت الثورة إلى معظم مناطق سورية، على الرغم من كل هذه الممارسات. هذا التوسّع الذي حاول الشباب تنظيمه من خلال تنسيقيات، وربطه لكي يكون موحداً في كل سورية، وكذلك بلورة برنامج له، من أجل أن يفضي إسقاط النظام إلى نظامٍ بديلٍ يحقق مطالب الشعب، كان النظام يسعى إلى إبقائه عفوياً، وتعزيز طابعه الغريزي، من خلال سحق كل أشكال التنظيم تلك، ودفع المفقرين إلى حمل السلاح، حيث كان يعتقد أنه الأقدر على سحق ثورة مسلحة. لهذا كان يعمل على نزع كل عقلانية عنها، والتركيز على أسلمتها، وتحويلها إلى “عصابات مسلحة”.
في المقابل، المعارضة التي لم تكن تثق بأن الشعب السوري سوف يثور، وعوّلت على “عقلنة” النظام أو التدخل الإمبريالي، تكالبت على الثورة، للاستفادة من الحدث، لكي تصل إلى تحقيق طموحها بأن تكون هي النظام، “حتى وإنْ على الدبابة الأميركية”. لهذا اشتغل جزء مهم منها بأسلمة الثورة وتسليحها، وربط الصراع بالدول الإقليمية والإمبريالية. بالتالي، باتت وهي تفعل ذلك كله ضد الثورة ذاتها، وعنصر تفكيك للقوى التي نشأت في الصراع تعبيرا عن الثورة، ومحلل ارتباط هذه القوى بالدول الإقليمية. اهتمت بإسقاط النظام، وبأن تكون بديله، ولم يكن لديها درايةٌ بالوضع العالمي وتحولاته، ولا اهتمت بمصير الشعب، أو كانت معنيةً بمطالبه التي اختصرتها إلى “إسقاط النظام” فقط.
نجح النظام، نتيجة ذلك كله، بمساعدة المعارضة ودول إقليمية ودولية، إلى تحويل الثورة إلى صراع مسلح، ثم بأسلمة المجموعات المسلحة، وتدعيم وجود التنظيمات “الجهادية” والسلفية وتقويته، حيث باتت هي الأقوى، وباتت في تصارع فيما بينها كذلك، وكلها مارست سحق الشعب في المناطق التي سيطرت عليها، بحيث بات الحراك الشعبي يقوم في مواجهتها، وبات في صراعٍ مزدوج، ضد النظام من طرف، وضد هذه المجموعات من طرف آخر، على الرغم من أن بعضها كان يقاتل النظام. في هذه الوضعية غطى على الثورة صراعٌ متعدّد الأشكال، من المجموعات الإرهابية، ومن مجموعاتٍ سلفيةٍ مرتبطةٍ بدول إقليمية، ومن كتائب باتت تخضع لسياسات دولٍ إقليمية وعالمية. بعد ذلك، بات الصراع مع روسيا وإيران اللتين أنقذتا النظام من السقوط، ومع “الجهاديين” الذين يخضعون لسياسات هذه الدول، ودول أخرى. وأصبح “التدمير الذاتي” عنصراً خطراً فكّك الكتائب المسلحة، وسمح بتسيُّد المجموعات السلفية و”الجهادية”. لنصل إلى أن نهاية الصراع باتت مرتبطةً بتوافق دولي، حيث تسيطر أميركا على الشرق السوري، وتركيا على الشمال الغربي، وروسيا على ما تبقى خارج سيطرة الكتائب المسلحة.
باتت كل هذه الصراعات تكبت الثورة، وتريد سحقها. لكن بعد سبع سنوات، وكل ما أشرت إليه، لم ينته الصراع، صراع الشعب من أجل إسقاط النظام لم ينته. وعلى الرغم من أن سورية باتت بحاجة إلى الحرية من الاحتلالات التي باتت أمراً واقعاً، لكن الشعب يريد التغيير الحقيقي.
أحمد مظهر سعدو بدأ اعتصام الكرامة في الشمال السوري منذ الأول من شهر يوليو/ تموز الفائت، تضامناً وتعاضداً مع انتفاضة...
Read more