أحمد طه
لا شك أن النظام السوري هو العدو الرئيسي للشعب بشكل عام، وللثورة بشكل خاص، وهو سبب كل المآسي التي حلت بسوريا الدولة، وسوريا الوطن والشعب، فعلى مدى أزيد من خمسة عقود وهي فترة حكم الأب ومن ثم الوريث القاصر، تصحرت فيها الحياة السياسية وأُفرِغ المجتمع من السياسة، هذا التصحير وذاك الإفراغ كانا وبدون شك جريمة أخرى تضاف إلى سلسة جرائمه التي ارتكبها ضد الشعب السوري.
لكن الفرق بين جرائم القصف العشوائي والكيماوي والطيران، وجريمة إفراغ المجتمع من السياسة، أن الأولى طالت الأرواح والممتلكات والبنى التحتيه للمجتمع وشردت أكثر من نصف سكان سوريا، أما الثانية فقد طالت بنية المجتمع الفوقية، وبتعبير أدق انعكست جريمه إبعاد السياسة عن المجتمع ورواسب حكم الفرد وعدم القبول بالرأي الأخر المخالف على بنية المجتمع وتماسكه، بل على بنية الأسرة ذاتها، حتى أنها ذهبت أكثر من ذلك فقد انعكست على ذواتنا وعلى تكوين شخصياتنا من الناحية النفسية، فأصبحت الصراعات بيننا صراعات صفرية، يسعى فيها كل طرف إلى إقصاء الطرف الآخر بل إلى إلغائه تماماً، وهذا بالضبط ما فعلته المعارضة، أيضاً، بغالبية تلويناتها سواء السياسية أو العسكرية التي لم تكن تسمع إلا صوت نفسها، فخاضت العسكرية منها صراعات دموية ضد بعضها البعض، أما السياسية فقد تخاصمت وتنازعت وتشاتمت، كل ذلك في سبيل مناصب كرتونية في محاكاة تراجيدية لنظام الأسد المجرم، الذي يملك كرسياً ولا يملك حكماً، وتحولت وسائل التواصل من فيس بوك وتويتير ووتس أب وتلغرام … إلى ساحات لمعارك دونكيشوتية- كلٌ يدعي وصلاً بليلى- كلٌ يظن أنه الحق والحقيقة المطلقة، أما الآخرون فهم مارقون وكفرة وغير وطنيون، كلٌ يدعي النظرة الثاقبة والموضوعية والآخرون سطحيون وأغبياء ولا يرون أرنبة أنوفهم، طبعاً لا داعي لتذكير القارئ بمعارك من قبيل هل بداية الثورة في 15 أم 18 آذار؟، ولكن يبدو أن شعارات جديدة تعبر عن احتفالية الثورة قفزت إلى الواجهه لتأخذ وضعية القتال، ولمّا تغب بعد معركة المدعو إياد الغريب.
وهل من المعقول أن يتخندق أصحاب بروفايل ” تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة ” في طرف وأصحاب بروفايل ” ثورة سوريا ” في طرف آخر وتنشب بينهما معركة فيسبوكية وكلاهما يعبران عن الثورة ضد الأسد؟؟؟
هل من المعقول أننا وبعد 10 سنين مضت على الثورة لم نحّسن إدارة اختلافاتنا، ولم نقتنع أن وجهات النظر المتعددة تعطي فهماً أدق ورؤية أعمق لأي قضية، كما أنها عامل إيجابي ومفيد، بينما أن نكون نسخة واحدة عن بعضنا هو أقرب ما يكون للكارثة؛ وأن في الوطن متسع للجميع طالما لم تتلوث أيديهم بالدماء أو جيوبهم بالفساد.
لا بد لنا من وقفه نقدية مع ذواتنا؛ أين أخطأنا؟ وأين أصبنا؟ كيف تعاملنا مع الآخر؟ سواءٌ كان هذا الآخر خصماً سياسياً، أو امرأة تطالبُ بحقٍ سُلب منها في عصر الأسد أو عصر الذكورة.
لا بد من وقفة نقدية مع مؤسساتنا، لأن النقد هو الطريق الوحيد للفهم والاستيعاب والتجاوز، وبدونه فإننا ندفن 10 سنوات من الثورة ونخذل مئات الآلاف من الشهداء، والمعتقلين!
لا بد لنا من وقفة نتعلم فيها كيف نختلف؟ وكيف ندير اختلافاتنا؟
ليس لي عدو سوى الأسد ومن تلوثت أيديهم بالدماء وجيوبهم بالفساد، أما بقية السوريين فهم شركاء لي في هذا الوطن؛ نختلف نعم، ولكن لا بد أن نتعايش مع اختلافاتنا، ونتجاوز خلافاتنا بالحوار والحوار والمزيد من الحوار..
المصدر: الحرية اولا