بعد سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق واسعة في سوريا، في العام 2014، وبدء التدخل الروسي من أجل دعم النظام في الحرب الأهلية، في العام 2015، اعتبرت إسرائيل أن “نافذة الفرص لإسقاط النظام واستبداله بجهة صديقة أُغلقت”، بحسب تقرير للمحلل العسكري في موقع “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي، الأحد.
واستعرض بن يشاي النقاش الذي دار في إسرائيل في بداية الحرب في سوريا حول إسقاط نظام بشار الأسد. ونقل عن وزير رفيع في الحكومة الإسرائيلية قوله إن “إسرائيل أخطأت عندما لم تعمل من أجل إسقاط الأسد ونظامه عندما كان ذلك ممكنا”، معتبراً أنه في السنوات الخمس الأولى للحرب كان بالإمكان التسبب بفقدان النظام للحكم، “وبذلك قطع الذراع المركزية وأنبوب الأكسجين العملاني واللوجستي للأخطبوط الإيراني وأذرعه”.
وبحسب الوزير الإسرائيلي نفسه، فإنه لو قررت الحكومة الإسرائيلية مساعدة “المتمردين السوريين غير السلفيين” وعملت بنفسها من خلال قنوات سرية، قبل بدء التدخل الروسي، لسقط النظام، “وكانت النتيجة أن وضعنا الأمني في الجبهة اللبنانية والسورية مقابل المحور الشيعي الراديكالي أفضل بكثير مما هو اليوم”.
وتابع الوزير الإسرائيلي أنه “لو أسقطنا الأسد، كان سيحل مكانه في دمشق نظام جديد مدعوم من الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، وبالإمكان التوقيع على اتفاق سلام معه من دون الانسحاب من الجولان”.
ووصف بن يشاي في مقاله والذي ترجمه موقع “عرب 48″، هذا الوزير بأن لديه خبرة أمنية وسياسية كبيرة، وأنه سعى إلى إقناع الحكومة “بضرورة التدخل في سوريا، منذ المرحلة الأولى للحرب الأهلية”. وخلال هذا النقاش، “كان هناك معسكر في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أيّد مبادرة إسرائيلية لإسقاط الأسد ونظامه” وفقاً لبن يشاي.
في المقابل، أشار بن يشاي إلى أنه كان هناك معسكر آخر وكبير في قيادة الجيش الإسرائيلي عارض إسقاط الأسد، أو التدخل في الحرب السورية. وشدد هذا المعسكر على أنه “لا أحد بإمكانه ضمان أن الجهة أو تحالف المنظمات والجهات السياسية التي ستصعد إلى الحكم مكان الأسد ستكون أقل عدائية وخطورة من إيران تجاه إسرائيل. على العكس، البديل السلفي الذي كان ظاهراً في تلك الفترة في سوريا بدا أنه ليس أقل تهديداً من آيات الله الإيرانيين”.
وأشار بن يشاي في هذا السياق إلى التجربة الإسرائيلية الفاشلة في لبنان، “عندما حاول وزير الأمن الإسرائيلي أرييل شارون، بعد غزو لبنان في العام 1982، تنصيب زعيم الكتائب بشير الجميل، رئيساً في لبنان، وبعد ذلك توقيع اتفاق سلام. وفشلت خطة شارون هذه بعد اغتيال الجميل. وفي موازاة ذلك، تأسس حزب الله كذراع مقاومة للاحتلال الإسرائيلي وسيطر على لبنان”.
وبحسب بن يشاي، فإن المعسكر المؤيد لإسقاط الأسد سعى إلى ذلك من خلال دعم الجيش السوري الحر. وأضاف أن قسماً من الميليشيات والتنظيمات المسلحة في سوريا تعاونت معه. لكن المنظمات السلفية أقصت الجيش السوري الحر “المعتدل” جانباً وقادوا التمرد ضد النظام.
ورأى المعسكر المعارض لإسقاط الأسد حينها، أن “الانقسام وغياب قيادة واضحة بين المتمردين كان يضمن أمراً واحداً إذا سقط النظام، وهو الفوضى وعدم القدرة على الحكم التي ستستمر لسنوات بعد انتهاء التمرد، وحروب الثأر بين المتمردين أنفسهم وبينهم وبين العلويين”.
وأضاف بن يشاي أن “خطورة التهديد الإيراني كانت ستتراجع، لكن وضعاً كهذا يمتّص إلى داخله جهات فتّاكة تنمو في ظروف انعدام القدرة على الحكم. والخطر الماثل على إسرائيل من الجهاد العالمي الدموي والإخوان المسلمين ليس أقل خطورة، وربما أكثر خطورة، من التآمر الإيراني”.
ورأى بن يشاي أن الدول الغربية والعربية التي دعمت المعارضة المسلحة والدعم الروسي والصيني للنظام لم تكن ستسمح لإسرائيل بأن تبلور الوضع في سوريا وفقاً لمشيئتها.
خطوط حمراء
تبنى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تقريراً استراتيجياً أعده الجيش الإسرائيلي بشكل سري. ومع مرور الوقت أضيفت مركبات إلى هذه الإستراتيجية وألغيت مركبات أخرى. والمركب الأساسي في هذه الاستراتيجية هو أن “إسرائيل لن تبادر إلى عملية عسكرية أو حرب من أجل إسقاط النظام في سوريا، ولن تتدخل استراتيجياً من أجل ترجيح كفة أحد الجانبين أو اللاعبين في الحرب السورية”، وفقاً لبن يشاي.
وقررت الحكومة الإسرائيلية العمل استراتيجياً وعسكرياً واستخباراتياً وسياسياً “من أجل فرض خطوط حمراء أعلنت إسرائيل أنها عنصر مهم لأمنها القومي. وليس أقل أهمية من ذلك، تنفيذ العمليات الهجومية هذه بنجاعة ومن دون جرّ إسرائيل إلى حرب في سوريا أو لبنان”.
وأشار بن يشاي إلى أن “الخطوط الحمراء” الإسرائيلية تغيرت قليلاً خلال السنوات العشر الأخيرة، لكن صيغتها الأحدث كالتالي:
– أي استهداف للسيادة الإسرائيلية وأمن مواطنيها سيقابل برد مؤلم هدفه ردع المنفذين، وخاصة مرسليهم ومن يمنحهم رعاية ومنطقة للعمل منها.
– منع استخدام سوري لأسلحة غير تقليدية (كيماوية) ومنع نقل أسلحة كهذه إلى لبنان.
– منع أو تشويش بالقوة لنقل أسلحة نوعية من إيران إلى سوريا ولبنان، ومنع نقل أسلحة نوعية من الجيش السوري وصناعاته العسكرية إلى لبنان.
– منع إقامة جبهة إيرانية ضد إسرائيل في سوريا، تكون شبيهة بالجبهة التي أقامها “حزب الله” في لبنان بمساعدة إيران.
– منع تموضع لجيوش “إرهابية” معادية لإسرائيل، جهادية سنية وأذرع شيعية لإيران، بالقرب من الحدود مع إسرائيل بشكل يسمح لها بممارسة إرهاب حدودي وعابر للحدود بشكل مفاجئ.
– منع وتشويش إقامة واستخدام ممر بري من إيران، مرورا بالعراق وسوريا، إلى لبنان ويخدم الاستعدادات واللوجستية والعملانية الإيرانية وأذرعها في حرب ضد إسرائيل.
وأشار بن يشاي إلى التعاون بين إسرائيل وروسيا في سوريا، الذي يستند على ألا يستهدف أحد الجانبين الآخر. “لكن علينا الاعتراف بأن الوجود الروسي في سوريا يقيد حرية العمل الإسرائيلية هناك، وسنضطر أن نكون حذرين جدا أثناء الحرب. فروسيا، التي حولت الحرب الأهلية السورية إلى ميدان تجارب لصواريخ وأنواع ذخيرة من صنعها، تزود الجيش السوري بأسلحة حديثة، وقسم منها يتسرب إلى حزب الله في لبنان”.
وأضاف أن “القرب الجغرافي بين إسرائيل ومنشآتها الحساسة وبين القوات الروسية في سوريا، يسمح للروس بجمع معلومات استخباراتية عن إسرائيل، وربما ينفذون عمليات سايبر هجومية ضد إسرائيل بسهولة أكبر أيضاً”.
المصدر: المدن