أمين العاصي
تستخدم روسيا مسألة المعابر الإنسانية لإدخال مساعدات أممية إلى الداخل السوري كورقة لتعزيز سلطة النظام وإنعاش اقتصاده، مع عرقلتها مساعي من قبل الأمم المتحدة لإعادة افتتاح ثلاثة معابر كانت معتمدة، لتخفيف معاناة ملايين السوريين الخارجين عن سيطرة النظام في شمال سورية وشمالي شرقها.
وفي جديد هذا الملف، برز كلام لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، خلال زيارته إلى ولاية هاتاي التركية، أول من أمس السبت، مبدياً أمله في أن يزيد مجلس الأمن عدد المعابر لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الداخل السوري. وتفقد المسؤول الأممي خلال الزيارة مركز نقل المساعدات الإنسانية في بلدة ريحانلي “الريحانية” التابعة للولاية في جنوب تركيا. وفي معرض حديثه للصحافيين، أشار بوزكير إلى أن شمال غربي سورية يحتضن نحو 2.7 مليون سوري نازح يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، موضحاً أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ناقشت الملف السوري 3 مرات. وأضاف: “للأسف لدينا بوابة واحدة مفتوحة من أصل 4، لإيصال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سورية، وأتمنى أن يرفع مجلس الأمن عدد هذه البوابات في أقرب فرصة”. وأعرب بوزكير عن دعمه لمناشدات ومساعي المجتمع الدولي في هذا الإطار، مشدّداً على أنه سينقل انطباعاته وملاحظاته التي تلقاها في الميدان إلى كل أعضاء الأمم المتحدة، متعهداً ببذل كل الجهود من أجل دفع مجلس الأمن الدولي لتغيير قراره، والسماح برفع عدد بوابات إيصال المساعدات الأممية إلى سورية.
وكانت الأمم المتحدة قد اعتمدت في عام 2014 آلية لتوزيع المساعدات التي تقدمها جهات ومنظمات دولية إلى السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عبر 4 معابر، تشرف على عملية التوزيع عبرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وقوّضت روسيا والصين جهوداً أممية لتخفيف معاناة السوريين في مناطق سيطرة المعارضة، واستخدمتا منتصف العام الماضي حق النقض ضد مشروع قرار بتمديد التفويض الدولي للأمم المتحدة بإدخال المساعدات إلى سورية من دون إذن النظام عبر منفذين حدوديين مع تركيا، هما باب الهوى وباب السلامة. وكانت الدولتان استخدمتا حق النقض أيضاً في ديسمبر/كانون الأول 2019 بشأن مشروع قرار قدمته ألمانيا وبلجيكا والكويت، يدعو لتمديد توزيع مساعدات من الأمم المتحدة إلى 4 ملايين سوري لمدة عام.
وكانت تستخدم قبل هذا التاريخ أربع نقاط عبور لإيصال المساعدات: باب الهوى وباب السلامة، ونقطة الرمثا عبر الأردن ونقطة اليعربية عبر العراق. وتحاول موسكو استخدام ورقة المعابر إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لتعزيز موقفه السياسي، في ظلّ محاولته إنعاش اقتصاده. وتتذرع موسكو بـ”السيادة السورية” لإغلاق المعابر الخارجة عن سيطرة النظام: باب الهوى، وباب السلامة بيد فصائل المعارضة، واليعربية بيد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وفشلت روسيا الشهر الماضي في إقناع الجانب التركي بفتح معابر بين مناطق النظام والمعارضة في الشمال والشمال الغربي من سورية، في مسعى لم يُكتب له النجاح لتنشيط الحركة التجارية، كي يستفيد النظام من النقد الأجنبي ليوقف انهيار الليرة السورية. لذلك من المتوقع أن تعرقل موسكو تجديد آلية المساعدات الأممية عبر معبر باب الهوى، التي تنتهي في 11 يونيو/حزيران المقبل. مع العلم أن المساعدات الأممية تدخل أيضا إلى مناطق النظام السوري عبر معبر المصنع مع الجانب اللبناني.
وتعهد مانحون دوليون أواخر الشهر الماضي بجمع قرابة 6.6 مليارات دولار أميركي لمساعدة اللاجئين والنازحين السوريين في قطاعات مختلفة، في مقدمتها الصحة والتعليم والإغاثة الإنسانية. وسيكون جزء كبير من هذه المخصصات ضمن المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود، والمهددة بتعطيل آلية التجديد لها من خلال روسيا في مجلس الأمن منتصف العام الحالي.
وأشار الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات خالد تركاوي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن التعنت الروسي إزاء فتح المعابر الإنسانية “يأتي في سياق مواصلة حصار المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري”، مضيفاً أن “الروس يريدون التحكم بالأموال والمساعدات الإنسانية لتوزيعها كيفما يريدون لمصلحة النظام”.
من جهته، رأى المحلل العسكري العميد مصطفى الفرحات، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الموقف الروسي إزاء الملف السوري برمته “واضح”، مضيفاً: “لو تمكنت موسكو لأخضعت كل الجغرافيا السورية مرة أخرى للنظام الأسدي”. وأضاف أن “أي شيء يضغط على السوريين الخارجين عن سيطرة النظام لإجبارهم على العودة إلى سلطة الأسد لن تترد موسكو في استخدامه، والمعابر الإنسانية جزء من الضغوط الروسية”. وكشف أن الجانب الروسي “يضغط من أجل إعادة السوريين إلى مناطق النظام”، مضيفاً: “لم يتوان الروس عن استخدام كل أصناف الأسلحة في قتل السوريين. منذ أيام قليلة تم استهداف سيارة تقل مدنيين بقرية الناجية في ريف إدلب الغربي ما أدى إلى مجزرة بحق عائلة كاملة، وسبق هذا الحادث استهداف الروسي لمشفى في بلدة الأتارب في ريف حلب الغربي”.
ونوّه الفرحات إلى “المعابر التي يُعلن فتحها من وقت إلى آخر لعودة السوريين من الشمال إلى مناطق النظام، لم يعبر منها أحد، لذلك يحاول استهداف كل أسباب الحياة في الشمال السوري”. وذكر الفرحات أن الجانب الروسي “يريد وضع يده على كل المعابر الحدودية السورية”، مشدّداً على أن “الروس يحاولون استغلال المساعدات الإنسانية الأممية لإسعاف النظام الذي يختنق بسبب العقوبات الدولية عليه نتيجة جرائمه ضد السوريين”. ورأى أن موسكو “فشلت فشلاً ذريعاً في سورية، فلم تستطع إخضاع السوريين عسكرياً وسياسياً، لذلك يحاول السيطرة على المعابر، لأنها الشريان الذي يمكن أن يعيد جانباً من الحياة إلى مناطق سيطرة النظام الذي يتعرض اقتصاده لانهيار متواصل”.
المصدر: العربي الجديد