سامي جمعة
لم يعد خفياً على أحد تصاعد حدّة الصراع والتنافس الروسي – الإيراني في مناطق سيطرة النظام السوري، ومحاولة كل طرف الاستيلاء على الحجم الأكبر من كعكة الاستثمارات السورية، التي تتناسب طردا مع إمكانية كل طرف فرض سيطرته ونفوذه وإقصاء منافسيه عن رقعة الشطرنج السوري.
وبات دور “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” في حكومة النظام -إلى جانب رفع أسعار السلع والمنتجات بشكل دوري- يقتصر على تصديق وإقرار تأسيس شركات إيرانية ولبنانية للعمل داخل سوريا وأحيانا بمشاركة مستثمرين سوريين من الدائرة المقربة للنظام.
وتختلف طبيعة ونطاق عمل هذه الشركات لتشمل مناحي ومفاصل الاقتصاد برمته، لكن تحاول غالبيتها أن تركز على مجال البناء وتجارة مستلزماتها ومعدات الإكساء والحفارات وغيرها من متطلبات عملية الإعمار، من تصميم المشاريع السكنية والصناعية وشراء وبيع وتأجير العقارات، وإدارة مشاريع في مجالات الهندسة المعمارية والهندسة الداخلية والهياكل والتركيبات الميكانيكية والكهربائية، وفي مجالات التحديث وإعادة الإعمار.
وحصل موقع تلفزيون سوريا على نسختين لتراخيص شركات تعود ملكيتها لرجال أعمال إيرانيين ولبنانيين، اللبنانية تعمل في مجال الصناعات الغذائية، والإيرانية تنشط في مجال الاستيراد والتصدير.
وأكد مصدر مسؤول في غرفة تجارة دمشق، لموقع تلفزيون سوريا، أن الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد السوري سيشمل أيضا طبقة رجال الأعمال المقربة من النظام، فبعد أن كان رامي مخلوف وغيره من أعوان النظام يقاسمون التجار والصناعيين أرباحهم، ذهبت هذه “الإتاوات” إلى إيران، حيث لا يتمكن أي تاجر من الحصول على ترخيص جديد من دون ضوء أخضر من إيران، والعلاقة الخاصة والمميزة بين وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك مع السفير الإيراني في دمشق وجدت لهذا الغرض.
ويرى المحلل الاقتصادي يونس الكريم أن التراخيص الجديدة لإنشاء شركات داخل سوريا يتم منحها لصغار التجار من الأطراف الداعمة لنظام الأسد في روسيا وإيران، وكذلك رجال الأعمال الداعمين لحزب الله في لبنان، و”تحاول إيران عبر هذه التراخيص إيصال رسالة للداخل الإيراني أن هناك استثمارات داخل سوريا ولا يقتصر النشاط الاقتصادي وجني أرباح التدخل على مؤسسات الحرس الثوري الإيراني”.
ولفت الكريم في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن ادعاءات إيران في هذا الخصوص تجافي الحقيقة، إذ إن كل التراخيص الضخمة والسيادية تنحصر داخل مؤسسات الحرس الثوري الإيراني، وأن هذا النوع من التراخيص يستفيد منها النظام الإيراني وكذلك السوري للترويج بأن البيئة الاستثمارية باتت آمنة ومناسبة لمنح تراخيص لشركات جديدة”.
إيران تركت الفتات لشركات وأخرى لغسل الأموال والتمويه التجاري
وأكد رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا الدكتور أسامة القاضي، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن إيران لن توفر أي فرصة للتغلغل في جسم الاقتصاد السوري على كل المستويات الأفقية والعامودية، فالعقود الضخمة التي وقعتها إيران مع النظام السوري تقدّر بأكثر من 30 اتفاقية وعقدا تشمل كل مناحي الاقتصاد السوري، أما بالنسبة للعقود التي تعود لأفراد وشركات الخاصة كما في العقود التي حصلنا عليها، فالغاية منها إنشاء شركات تكون واجهة إما لغسيل أموال وإما لتجارات غير شرعية وتشكل طريقة للتهرب وتفادي الظهور العلني للشخصيات الرسمية والحكومية الإيرانية”.
وأضاف الدكتور القاضي “أنه لو أتيحت لنا الفرصة للحصول على مزيد من العقود والتراخيص لتبين لنا بأن النظام السوري منح الشركات الإيرانية واللبنانية مئات الشركات التي تسجل على أنها شركة خاصة لكنها في الحقيقة هي أداة لتنفيذ أجندات إيرانية وتغسل أموالاً إيرانية ولبنانية”.
خطر مستقبلي يضرب كامل الاقتصاد السوري
وشدد الدكتور القاضي على الخطورة طويلة المدى التي تشكلها هذه التراخيص على الاقتصاد السوري برمته، وخصوصا القطاع الخاص، وقال: “تتمدد هذه الشركات داخل الجسد السوري لتقترب أكثر من مفاصل الاقتصاد السوري، وهذا يشكل خطورة بالغة على القطاع الخاص المهدد بالدمار بعد أن أجهزت إيران على ما تبقى من مؤسسات للقطاع العام، وبالتالي هذا التغلغل سيصل إلى تفاصيل الحياة المعاشية في المستقبل، وبالتالي ووفقا لأي صيغة حل سياسي قادم سيكون هناك طريقة للتعامل مع هذه الشركات وربما حل سياسي غير مُرضٍ للشعب السوري، لتزداد خطورة هذه الشركات في المستقبل”.
مطلع العام 2019 بدأت اللجنة السورية- الإيرانية العليا المشتركة أعمالها، وتم إطلاق المصرف السوري- الإيراني المشترك بإسهام 60% من الجانب الإيراني، وشهدت كل من دمشق وطهران معارض اقتصادية واستثمارية، استقطبت شركات عاملة في مجال البناء وإعادة الإعمار، وكان أبرز تلك الفعاليات معرض دمشق الدولي وشاركت فيه إيران بنحو 60 شركة تعمل أغلبيتها في مجال الإعمار كأكبر الأجنحة المشاركة في المعرض.
ومن هذا المنطلق يرى المحلل الاقتصادي الكريم أن واحداً من أهداف هذا النوع من التراخيص يتمثل بتحقيق أهداف معنوية، لإيصال رسالة مفادها أن الطبقة التجارية في إيران راضية عن التدخل العسكري في سوريا وتنوي الاستثمار بشكل أوسع في سوريا، وأن السوق السورية سوق واعدة وهذه نقطة هامة جدا، وكأن هذه الشركات تتحصل على “فتات” ما تركه الحرس الثوري من بقايا، وكذلك لإيصال رسالة بأن التدخل الإيراني جنى فوائد اقتصادية جمّة.
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وتدخل كل من إيران وروسيا فيها إلى جانب النظام السوري، بدأ تأكيدهما أن العلاقة التي تجمعهما مع النظام هي علاقة “تعاون” في مجالات مختلفة منها الاستثماري، لكن ملامح الصراع بين روسيا وإيران ظهرت منذ سنوات كـ “حرب باردة”، فتم تقسيم مقدرات البلاد من مرافئ وثروات باطنية بين الدولتين، وكذلك النطاق الجغرافي حيث تعد محافظتا درعا والقنيطرة في جنوبي البلاد ومناطق في ريف دمشق وكذلك مناطق في شرقي الفرات، مناطق نفوذ لإيران حيث تنتشر فيها ميليشيات إيرانية، في حين تعد مناطق الساحل وجزء كبير من مناطق وسط البلاد (محافظتي حمص وحماة) وبعض المناطق في الشمال وأجزاء من ريف دمشق مناطق، نفوذاً لروسيا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا