فايز هاشم الحلاق
سَأَلْتُ النَّفْطَ في وَطَني:
لمَ اسْوَدَّتْ لَيالِيْنا
فأَمْسَى العِيسُ خُفاشًا،
وصارَ الفَأْرُ تِنْينا.
(2)
سَأَلْتُ الرَّمْلَ في الصَّحْراءِ:
لمَاذا نَحْنُ في عُقْمٍ؟
وهَلْ جَفَّتْ سَواقِينا
وَماتَ النَّخْلُ مَقْهورا.
(3)
رَجَوْنا الغَيْثَ يُسْقينا
لِكَيْ نُحْيِي أَمانِينا،
لَعَلَّ تُرَابَنا الغالي،
يُزَهِّرُ أَرْضَنا البورا،
فَتُعْطِيْنا رَياحينا.
نِساءُ البَدْوِ والحَضَرِ:
أَلنْ نُنْجِبْ مَيامينا؟
وَلَو شِبْلًا يُذَكِّرُنا،
بِسَيْفِ الله يَحْمِيْنا.
(4)
سَأَلْتُ النِّيْلَ والدَّلْتَا:
فَكَمْ يَبْكي وَكَمْ أَبْكَى
وَكَمْ عانَى مِنَ الفَوْضَى،
بِأَفْكَارٍ وَلا مَعْنَى،
وَقَدْ صَبَّتْ لَنا كَأْسًا،
فَأَسْقَتْنا لِتُسْكِرْنَا،
وَعادَتْ عَرْبَدَتْ فِيْنَا،
وَهَزِّتْ مَنْ بِلا شَرَفٍ
فَظَنَّ الصُّلْحَ يُجْدِيْنَا،
وَزَارَ الضَّبُّ كُوهِيْنَا،
فَكَانَتْ حَيَةٌ تَسْعَى
وَكادَ السُّمُّ يُعْمِيْنَا.
(5)
رِياحُ الجَهْلِ تَغْزُونا،
وَتَنْخُرُ في مَمالِكِنا.
طَرَقْنا بابَ دَاوودٍ،
فَقَدْنا كُلَّ عِفَّتِنا،
دِماءُ العُرْبِ نَسْكُبُها،
عَلَى الأَقْدامِ نَبْتَهِلُ،
قُرَيْشٌ كلُّها ذُبِحَتْ.
لِيَرْضَى ثُمَّ يَسْقِيْنَا،
زُلالًا مِنْ سَوَاقِيْنا.
وَعُدْنا نَحْنُ لا نَدْري
مُلوكًا أَمْ صَراصِيْرا.
(6)
سَأَلْتُ النَّقْدَ والمَصْرَفْ،
وشَعْبًا كانَ قَدْ سَلَّفْ.
لمَاذا المَالُ يَهْجُرُنَا؟
فَهَرَبْنا قَنَاطِيْرا.
لَعَلَّ الفَقْرَ يَهْوَانا،
أَمَا كُنَّا حَرَقْنَاهُ؟
بِزَيْتٍ مِنْ صَحَارِيْنا.
(7)
بِلادُ الثَّلْجِ مُتْخَمَةٌ،
فَكَمْ فاضَتْ عَطايانا،
بِعِلْمٍ ضاعَ في سَفَرٍ،
لِجِيْلٍ تاهَ في المَنْفى
فلا نَسَبٌ ولا ذِكْرى،
مَحى مِنْ ذِهْنِهِ وَطَنا
وَمَنْ بِالأَمْسِ مَزَّقَنا
إلى قِطَعٍ وَأَشْتاتٍ
وَأَمْتارٍ مُدَوّلَةٍ
يَعوْدُ اليَوْمَ سَيِّدُنا
يُوَاسِي دَمْعَنا المَهْدورَ،
بِجُرْحٍ كَانَ أَهْدَانا،
وَيَفْرِكُ خَاتَمًا سِحْري،
لِنَرْضَى سِلْمَ أَعْدانا
(😎
سَأَلْتُ الرَّمْزَ وَالمَعْنَى،
وَسَطْرًا يَدْخُلُ اللَّيْلَ،
فيظْلِمُ حَوْلَهُ الفَهْمُ.
أَساطيْرٌ وَهَلْوَسَةٌ،
فلا لُغَةٌ ولا نَغَمُ،
تُخادِعُنا مَعارِفُنا،
فَتُنْسِيْنا مَواجِعَنا،
وَحَتَّى الضَّادَ نُهْمِلُها،
(لِعَشْتار) قَصائِدَنا،
فلا (سِيْزِيْفَ) خَلَّصَنا،
وَلا (تَمُّوزَ) يَحْمِيْنا،
وَلَمْ يَمْسَحْ مَدامِعَنا
كَسَرْنا النَّحْوَ والوَزْنا،
وَكَلُّ هُمُومِنا أَنَّا،
لِسانُ (إِلْيُوتَ) قَلَّدَنا.
(9)
سَأَلْتُ الحِبْرَ وَالقَلَما:
مَتَى يا عُرْبُ تَجْمَعُنا،
قَرَاطِيْسٌ بِها مَعْنَى؟
لِشَخْصِ الحاكِمِ الأَرْعَنْ،
تَرَبَّعَ فَوْقَ كُرْسيٍّ
وقالَ: اللهُ سَخَّرَني،
إِلَهُ النَّاسِ في الأَرْضِ.
عَبَدْنا وَجْهَهُ الأَعْلى،
جَعَلْنا رَسْمَهُ القِبْلَة،
وَصَلَّيْنا وَلا جَدْوَى
فَأَهْلَكَنا وَفَتَّتَنا،
وَفي البَيْداءِ شَرَّدَنا،
دُروبُ الخُبْزِ تُعْمِيْنا،
وَسَيْفِ الجُوعِ يُدْمِيْنا.
فَرَغْمَ الظُّلْمِ نَهْواهُ،
وَنَرْكَعُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ،
وَأَقْدامِ عَشيْرَتِهِ،
نُقَبِّلُ كُلَّما نَصْحو
كِلابًا في قَبِيْلَتِهِ.
وَعادَ اليَوْمَ يَأْمُرَنا:
بِصُنْعِ العَرْشِ مِنْ عَظْمٍ،
لِيَعْلو مَجْدَهُ الزَّاهِي،
جَدارًا مِنْ جَماجِمَنا.
(10)
سَأَلْتُ العُشْبَ وَالمَرْعَى،
وَنوقًا أَصْبَحَتْ صَرْعَى،
لِمَاذا الكَلْبُ وَالرَّاعي،
ذِئابٌ في مَرَاعِينا؟
(11)
رَجَوْتُ النَّفْطَ في وَطَني:
لَعَلَّ النَّفْطَ يَشْفِيْنَا!َ
وَباءٌ قَدْ سَرى فِيْنا،
شَرِبْنَا الكَأْسَ بِالحَنْظَلْ،
عَلَى أَمْجادِ ماضِيْنا.
وَباتَ الحُلْمُ تَجرِيْحا،
لَقَدْ صِرْنا تَمَاسِيْحا
وَلَنْ نَرْجِعْ كَما كُنَّا.
فَيا جَزَّارُ لا تَرْحَمْ،
وَإِنْ فاضَتْ مَآقِيْنا.