د. عبد الناصر سكرية
اتساقًا مع مجريات الأحداث في بلاد الشام، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وإحتلال العراق، وبخاصة ما حصل فيها من تهجير سكاني وتغيير ديمغرافي وتخريب وتدمير وقتل للبشر والحجر وإغتيال الكفاءات.
هل تستطيع قوى النفوذ الإقليمي والعالمي إستغلال أحداث ألإنتفاضة الشعبية الفلسطينية الرائعة والراهنة، لتنفيذ سياقات مشابهة في فلسطين؟ سيما وان بندا رئيسا في المخطط الصهيوني – الأمريكي، ينص على مثل هذا التهجير والتدمير، متلاقيا في ذلك مع المشروع الإيراني الفارسي، للسيطرة على المشرق العربي وبلاد الشام ؟ الأمر الذي قطع شوطا بعيدا بتعاون وتسهيل وتواطؤ أطراف عديدة، بينها “عرب”؛ وصولا إلى تغيير هوية المنطقة العربية وإحلال هويات دينية او عرقية معادية..
كان إحتلال العراق، بداية إنطلاقة صاروخية لمشروع تدمير المشرق العربي، وتخريبه وتهجير سكانه.. وبسرعة قياسية مخططة ومحضرة مسبقا جرى إغتيال مئات العلماء والكفاءات العراقية الوطنية المتنوعة الإختصاص، وفي ذات الوقت، بدأت عمليات التهجير والتدمير السكاني والتحريض المذهبي والتحشيد الشعوبي المذهبي، فيما تولت قوات الإحتلال العسكري الأمريكي، ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية العامة لتأمين سيطرة حلفائها، أو بالأحرى صنائعها من مؤيدي المشروع الإيراني.. بعضهم ممّن جلبتهم معها محمولين على دباباتها العسكرية، وبعضهم ممن يتبعون النظام الإيراني مباشرة.
وحينما تصاعدت وتيرة المقاومة الوطنية العراقية، كانت ميليشيات إيران المستحدثة، هي الأداة العسكرية الأساسية لمواجهتها وتغليفها بطابع مذهبي “إرهابي”، إلى أن تمكنت من تأمين إستقرار النظام الممسوخ المشوه المأجور الذي أعده الأمريكيون بعناية..
إن كل الدعم الإيراني للميليشيات والمنظمات العراقية، لم يجعل منها أدوات وطنية لإنقاذ العراق، وحل مشكلات أبنائه المعيشية والحياتية. بل العكس كانت تكريسا لتسلطها وفسادها، وتآمرها على وحدة المجتمع العراقي وهويته العربية.
وحينما إنتفض الشعب السوري المقهور، خرج إلى العلن تدخل إيراني سافر، كانت مهمته الأساسية – ولا تزال – تهجير مناطق سكانية بعينها، وإطلاق عمليات تغيير ديموغرافي كان يمارسها من دون ضجيج منذ ثمانينات القرن العشرين،
وعلى الرغم من إنتهاء القتال في كثير من المناطق التي يسيطر عليها النظام حاليا، إلا أن ميليشيات إيران لم تسمح لأهالي الكثير من المدن والقرى بالعودة إلى بيوتهم؛ إمعانا في تنفيذ ما هو مطلوب منها بتغيير طبيعة البلاد وهويتها التاريخية..
وعلى إعتبار أن “حماس”، تحتفظ بعلاقة طيبة مع نظام إيران الديني، وتتلقى منه الدعم، فإلى أي مدى تستطيع الإحتفاظ بمسافة عن المشروع الإيراني الخاص، ورؤيته للمنطقة العربية كلها؟ إلى أي مدى تستطيع أن تبقى فلسطينية، فلا تسمح لأي طرف وتحديدا إيران، من إستثمار بطولاتها العسكرية وصمود أبناء غزة الأبطال؟
إلى أي حد تستطيع الإلتحام أكثر بنبض الشارع الفلسطيني، لتكون تعبيرا عن ضميره الوطني، متجاوزة هويتها الحزبية وطرحها الديني المباشر؟
إلى أي مدى تستطيع “حماس”، الإقتراب من قضايا الشعوب العربية، فلا تسمح لأي طرف بإستخدامها غطاء لأهداف إقليمية أو معادية لأي شعب عربي؟
هل تستطيع “حماس”، تصحيح الوضع الوطني الفلسطيني، بعد أن فشلت السلطة ومعها كل إتفاقيات أوسلو، وما نتج عنها؛ وإحياء مؤسسات وطنية فلسطينية، تتولى جمع الطاقات وتوحيد العمل الشعبي الفلسطيني في مواجهة المحتل وأعوانه؟
هل تتجاوز ذاتيتها الحزبية لتكون الوعاء الوطني الجامع؟ وهل بإمكانها أن تدعم صمود الإنسان الفلسطيني في الداخل، وتأمين مقومات حياتية أفضل له، تمكنه من الصمود والمواجهة أطول فترة ممكنة؟
هل ستكون أداة لتدعيم وحدة وطنية شعبية، مطلوبة في أي مواجهة مع دولة الإحتلال ومستوطنيه الغاصبين؟
هل بوسعها الحفاظ على الإستقرار الإجتماعي الوطني لأبناء فلسطين، بعيدا عن أي مشاريع فئوية أو مذهبية ومحاور إقليمية، تعمل لصالحها الخاص، حتى وهي ترفع شعارات تاييد فلسطين؟
هل درست “حماس”، تجارب العمل الوطني الفلسطيني، وتعلمت منها، مطورة الأساليب مبتعدة عن كل ما يسيء إلى القضية ووحدة الصف والهدف والموقف والعمل؟
أسئلة كثيرة برسم قيادات “حماس”، تحديدا، ومعها “الجهاد الإسلامي”، وهي تخوض مواجهات ضارية تدفع غاليا ثمنا لها كما الشعب الفلسطيني الصامد البطل..
إن إقتراب “حماس”، من مؤسسات العمل الوطني، التي أسستها جهود ونضالات الشعب الفلسطيني، عبر نضاله الطويل؛ دليل على مدى إستعدادها للبقاء في إطار العمل الوطني، بعيدا عن الغرور، ومحاولة الإستئثار بتوجيه المسار الوطني، من دون مشاركة حقيقية.. فتكون قد وقعت فيما وقع فيه مَن سبقوها، مما أوصلهم إلى طريق مسدود..
وحده إلغاء “أوسلو”، وإحياء وتجديد وتنشيط منظمة تحرير فلسطين، ومؤسساتها الثقافية والاقتصادية والإعلامية والإجتماعية، يضمن توظيف الإنتفاضة والتعاطف الشعبي العربي والعالمي العارم معها، لصالح قضية فلسطين، ومصالح الشعب الفلسطيني، وليس لصالح أي أطراف أخرى.
المصدر: خاص “المدارنت “