أمين العاصي
لا يتردد نظام بشار الأسد في استخدام كل الوسائل لدفع السوريين في مناطق سيطرة النظام، على تنظيم ما يسميه بـ”الفعاليات الشعبية” الداعمة للانتخابات الرئاسية المقررة في 26 مايو/أيار الحالي، بما في ذلك المليشيات المحلية والإيرانية، التي لطالما أرهبت السوريين.
وحول ذلك تكشف مصادر محلية في مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، أن مليشيا “لواء القدس” التي تضم مسلحين من مخيمات اللجوء الفلسطيني في سورية، تفرض على العائلات في عدة أحياء في المدينة، ومنها مخيم حندرات للاجئين الفلسطينيين، دفع مبالغ من 15 إلى 25 ألف ليرة سورية (تتراوح بين 5 إلى 10 دولارات أميركية) من أجل إقامة خيم يُطلق عليها النظام اسم “خيم الوطن” تنظّم فيها احتفالات وحفلات غناء دعماً لبشار الأسد. وتضيف أن مجموعات تتبع لمليشيات “الدفاع الوطني”، التي تضم ما يُطلق عليهم السوريون اسم “الشبيحة”، تنشط في أحياء تصنف في خانة الفقيرة لإجبار الناس على دفع إتاوات بحجة إقامة فعاليات مؤيدة للانتخابات والأسد. ومن أبرز هذه المجموعات “مليشيا عائلة بري”، ومليشيا “عائلة القاطرجي” ومليشيا “الباقر” التي تضم مسلحين من قبيلة البقارة، وتنشط في أحياء حلب الشرقية، التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية حتى أواخر عام 2016.
وبحسب المصادر “لا تكترث هذه المجموعات بالوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به أغلب السوريين في مناطق سيطرة النظام”، مضيفة: “من لا يدفع يتعرض للمضايقات وربما الاعتقال، لذا يحرص الجميع على تأمين المبالغ بشتى الطرق”. وتوضح أن مجموعات “الشبيحة” تجبر السكان على الذهاب إلى مراكز أقيمت في بلدات ريف حلب الشرقي وبعض القرى في ريف الرقة الغربي، من أجل تنظيم احتفالات شعبية خاصة بالانتخابات.
وفي الأشهر الأولى من انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011، نظّم النظام مؤيديه الأكثر قسوة في التعامل مع المتظاهرين، “الشبيحة”، في جهاز “الدفاع الوطني” الذي استخدمه لإرهاب السوريين. كما سهّل النظام قيام مليشيات ذات أبعاد خاصة مثل “لواء القدس” الذي يضم مسلحين من المخيمات الفلسطينية، والذي سرعان ما أصبح من أكبر المليشيات في سورية، وبات يتلقى دعماً مزدوجاً من روسيا وإيران. وأنشأ النظام مليشيات “كتائب البعث” في كل المحافظات السورية، التي تضم أعضاء من حزب “البعث” الحاكم، وكان لها دور في قمع المتظاهرين، والقتال إلى جانب قوات النظام.
وتنشط هذه المليشيات اليوم من أجل إجبار السوريين على الذهاب إلى صناديق الانتخاب يوم الأربعاء المقبل. وأغلب الخيم التي انتشرت في المدن والبلدات السورية يشرف عليها هذا الحزب من خلال كتائبه، إذ يحضر قياديون في “البعث” كل الفعاليات التي تُقام فيها. كما تملك هذه المليشيات سطوة كبيرة في الجامعات السورية، وتجبر الطلاب على حضور أي فعالية تقيمها تأييداً لبشار الأسد ونظامه. وإضافة إلى المليشيات المحلية، يستند النظام إلى عشرات المليشيات الإيرانية التي تنتشر في عموم مناطق سيطرته، وتؤدي دوراً في دفع السوريين على المشاركة في الفعاليات التي تسبق الانتخابات.
وفي محافظة دير الزور، شرقي البلاد، التي يتقاسم النظام والمليشيات الإيرانية السيطرة عليها، تتولى مليشيا “الدفاع الوطني” الذي يتزعمها منذ تأسيسها في عام 2014 المدعو فراس الجهام والمعروف بـ”فراس العراقية”، مهام الترويج للانتخابات. وتكشف مصادر محلية لـ”العربي الجديد” أن للجهام سلطة واسعة في محافظة دير الزور، وهو يستخدم كل أساليب الترهيب لإخضاع المدنيين في المدينة وريفها. وتنوّه إلى أن الجهام كان قبل الثورة السورية “من أكبر المروجين للمخدرات والدعارة في مدينة دير الزور”، موضحة أنه “يفرض على الناس الحضور إلى الفعاليات التي يقيمها تأييداً لبشار الأسد في الانتخابات”. وتشدّد على أن “لا أحد بوسعه التغيب. مليشيا الدفاع الوطني يمكن أن تفعل كل شيء”.
وفي ريف دير الزور الذي تسيطر مليشيات إيرانية على أجزاء واسعة فيه، فمن المتوقع أن يُجبر من تبقّى من سكان هذا الريف على المشاركة في انتخابات 26 مايو. وتفصح مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن المليشيات الإيرانية اعتقلت أشخاصاً في دير الزور، بتهمة التحريض على مقاطعة الانتخابات.
وعن ذلك، يقول الباحث في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان، في حديث مع “العربي الجديد”، إن نظام الأسد “يمارس كل الطرق غير القانونية لإثبات حالة الديمقراطية المفتعلة”، مضيفاً: “هذا الأمر لا يقتصر على الداخل، بل حتى في بلدان الاغتراب وما جرى في لبنان منذ أيام خير دليل، إذ جرى الضغط على سكان المخيمات للمشاركة في الانتخابات”. ويضيف: “يحاول النظام إظهار حالة تفاعل شعبي مع الانتخابات، لذا يضغط على السوريين بشتى السبل للمشاركة في مهزلته بعد عشر سنوات من الإجرام”.
ويلفت علوان إلى أن نشاط المليشيات التابعة للنظام بما يخص الانتخابات “ينصرف جلّه إلى المناطق التي كانت خارجة عن سيطرة النظام” قبل إخضاعها، مضيفاً أن “هناك تركيزاً من وسائل إعلام النظام على نقل الفعاليات الشعبية التي يُجبر السكان على المشاركة فيها، خصوصاً في مدن وبلدات الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق”. ويشير إلى أن “هذه المليشيات تعتمد سياسة التخويف والترهيب للمدنيين في حال عدم التفاعل مع ما يجري وعدم رفع صور بشار الأسد وعلم نظامه”، مضيفاً أن “المليشيات الرسمية، مثل الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، أو الحرس الجمهوري، أو الرديفة لها من مجموعات الدفاع الوطني وغيرها، تلجأ إلى الأساليب في التخويف من حجز الممتلكات أو الاعتقال أو المضايقة”. ويضع ذلك في سياق التخويف الممنهج. ويتوقع علوان أن تكون نسبة المشاركة في هذه الانتخابات متدنية جداً على الرغم من كل هذه الضغوط، مشيراً إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات التي جرت يوم الخميس الماضي في لبنان على سبيل المثال، لم تتعدَ نسبة 2.2 في المائة من عدد السوريين الموجودين في هذا البلد.
المصدر: العربي الجديد