بيتر بينارت*
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
بالتركيز على سلوك القادة العرب، تميل المؤسسة اليهودية إلى تشتيت الانتباه عما عنتهُ النكبة للناس العاديين. وربما يكون ذلك مقصودًا، لأنه كلما واجه المرء الخسائر البشرية للنكبة أكثر، أصبح من الأصعب تبرير ما حدث في ذلك الوقت، ومعارضة تطبيق العدالة على قضية اللاجئين الفلسطينيين الآن. في غضون 18 شهرًا تقريبًا، طردت القوات الصهيونية ما يزيد على 700.000 فرد، أي أكثر من نصف السكان العرب في فلسطين الانتدابية. وأفرغت أكثر من 400 قرية فلسطينية من أصحابها وأخلت الأقسام الفلسطينية من العديد من المدن والبلدات الإسرائيلية-الفلسطينية المختلطة. وفي كل مكان من هذه الأماكن، عانى الفلسطينيون أهوالا ظلت تطاردهم لبقية حياتهم.
في نيسان (أبريل) 1948، أطلقت أكبر قوة صهيونية مقاتلة، “الهاغاناه”، عملية “بيور هامتز” (تنظيف عيد الفصح)، والتي تهدف إلى الاستيلاء على الأحياء الفلسطينية في حيفا، التي كانت معنويات سكانها قد أُحبِطت مسبقاً بسبب هروب النخب الفلسطينية المحلية. واتهم ضابط استخبارات بريطاني قوات “الهاغاناه” بمهاجمة الميناء بـ”بقصف عشوائي تماماً بنيران المدافع الرشاشة ونيران الهاون والقناصة”. وقد أثار ذلك الهجوم ما وصفه أحد المراقبين الفلسطينيين بـ”اندفاع جنوني إلى الميناء” حيث “داس الرجل على أخيه” في محاولة يائسة للصعود على متن القوارب التي تغادر المدينة، والتي انقلب بعضها. وسعى العديد من الذين تم إجلاؤهم إلى ملاذ على الساحل في عكا. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، شنت “الهاغاناه” هجمات بقذائف الهاون على تلك المدينة أيضًا. كما قطعت إمدادات المياه والكهرباء عن عكا، ما أسهم على الأرجح في تفشي مرض التيفود، وهو ما أدى بدوره إلى تسريع هروب السكان.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) من ذلك العام، دخلت القوات الإسرائيلية قرية عيلبون في الجليل ذات الأغلبية الكاثوليكية والأرثوذكسية اليونانية. ووفقًا للمخرج الفلسطيني هشام زريق، الذي اعتمد على التاريخ الشفوي والوثائق الإسرائيلية وتقرير مراقب من الأمم المتحدة لإعادة بناء الأحداث، فقد استقبل الجنودَ قساوسةٌ يرفعون علمًا أبيض. وردَّ جنود من لواء غولاني على ذلك بجمع القرويين في ساحة البلدة، وأجبروا الجزء الأكبر من سكان عيلبون على الخروج من القرية والتوجه شمالاً، فأصبحوا بذلك بمثابة دروع بشرية للقوات الإسرائيلية التي كانت تتقدم وراءهم في حال كان الطريق ملغّماً. وبعد إجبار القرويين على المشي طوال اليوم مع القليل من الطعام والماء، سلبَهم الجنود أشياءهم الثمينة وحمَّلوا القرويين في شاحنات نقلتهم عبر الحدود اللبنانية. وبحسب شاهد عيان، قُتل نحو 12 رجلاً كان قد تم احتجازهم وإبقاؤهم في ساحة البلدة، في مجموعات من ثلاثة.
وفي الدوايمة، في جبال الخليل، حيث ذُكِر أن القوات الإسرائيلية قتلت ما بين 80 و100 من الرجال والنساء والأطفال -و، في إحدى الحالات، أجبرت امرأة مسنة على دخول منزل ثم قامت بتفجيره- قال جندي إسرائيلي لصحفي إسرائيلي إن “القادة المثقفين المهذبين” كانوا يتصرفون مثل “قتلة أصليين”. وبعد أن طردت القوات الإسرائيلية ما يصل إلى 70 ألف فلسطيني من اللد والرملة في تموز (يوليو)، شبّه ضابط استخبارات إسرائيلي الحدث بـ”مذبحة” أو بـ”نفي إسرائيل” الروماني. ولم تتم مناقشة عمليات الاغتصاب التي ارتكبها الجنود الصهاينة بالقدر نفسه من الانفتاح. وفي كتابه، “مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين” The Birth of the Palestinian Refugee Problem Revisited، سجل بن موريس “عشرات عدة من الحالات” -لكنه أقر لاحقًا بأنه نظرًا لأن مثل هذه الحوادث لم يتم الإبلاغ عنها عمومًا، فمن المحتمل أن يكون هذا الرقم “مجرد قمة جبل الجليد”.
وحتى الناجين الذين تجنبوا الإصابة الجسدية الدائمة لم يعودوا هم أنفسهم مطلقاً. سارت نظمية الكيلاني على ساقها المكسورة، بطفل بين ذراعيها وآخر مقيد إلى مئزرها، إلى ميناء حيفا، حيث استقلت قاربًا إلى عكا. وفي خضم هذه الفوضى، فقدت الاتصال بزوجها ووالدها وشقيقها وشقيقاتها، الذين تم ترحيلهم جميعًا من البلاد. وعلى مدار نصف القرن التالي، إلى أن تعقبت ابنتها الراشدة أشقاءها إلى سورية، لم تكن تعرف ما إذا كانوا أحياء أم أمواتًا. وبحسب إلياس سروجي، الذي أُجبر على السير من قريته الجليلية إلى الحدود اللبنانية، “كان المشهد الأكثر إثارة للأسى هو القطط والكلاب، وهي تنبح وتواصل المسير في محاولة للحاق بأسيادها. وقد سمعت رجلاً يصرخ بكلبه: ارجع! أنت على الأقل يمكنك البقاء!”، (قد يسمع اليهود الذين يعرفون الطريقة التي تتخيل بها نصوصنا المقدسة الطرد صدى خافتًا لهذا. ويسجل التلمود أنه عندما تم تدمير الهيكل الأول، “حتى الحيوانات والطيور تم نفيها”).
بشكل عام، جاء النهب والسرقة في أعقاب الإخلاء. في حزيران (يونيو) 1948، أعرب بن غوريون عن أسفه لأعمال “النهب الجماعي الذي كانت جميع قطاعات الجالية اليهودية في البلاد طرفاً فيه”. في طبريا، طبقًا لمسؤول في الصندوق القومي اليهودي (المنظمة المسؤولة عن حيازة الأراضي للدولة الجديدة)، جاءت قوات الهاغاناه “في السيارات والقوارب وحمَّلت جميع أنواع البضائع (مثل) الثلاجات (و) الأسرَّة”، فيما كانت مجموعات من المدنيين اليهود “تجوب الشوارع وتنهب المنازل والمتاجر العربية”. وفي دير ياسين، لاحظ ضابط عسكري أن مقاتلين من ميليشيا “ليتشي” اليمينية الصهيونية “كانوا يتجولون في القرية وينهبون ويسرقون كل شيء: الدجاج، وأجهزة الراديو، والسكر، والنقود والذهب وغير ذلك”. وعندما قامت قوامت الهاغاناه بتطهير قرية الشيخ بدر في القدس الغربية من سكانها، بحسب موريس، “نزل يهود حي نخلوت المجاور إلى قرية الشيخ بدر ونهبوها”. وأطلقت قوات الهاغاناه النار في الهواء لتفريق الغوغاء، وحاولت الشرطة البريطانية فيما بعد حماية المنازل الفلسطينية التي تم إخلاؤها. ولكن بمجرد مغادرة هاتين القوتين، عاد سكان نخلوت، و”أحرقوا ونهبوا ما تبقى”.
وسرعان ما نظمت السلطات الإسرائيلية عملية النهب. في تموز (يوليو) 1948، أنشأت إسرائيل منصب “الوصي على الممتلكات المهجورة”، والذي منحته سلطة توزيع المنازل والأراضي وغيرها من الأشياء الثمينة التي تركها اللاجئون وراءهم. ويشير المؤرخ ألون كونفينو إلى أن مسؤولي الكيبوتسات “صرخوا مطالبين بالأراضي العربية”، وأن الحكومة الإسرائيلية أجَّرت لهم الكثير من هذه الأراضي في أيلول (سبتمبر)، باستخدام “الصندوق القومي اليهودي” كوسيط. وفوق قرى فلسطينية سابقة أخرى أنشأ الصندوق حدائق وطنية. وفي المناطق الحضرية، وُزعت منازل الفلسطينيين على المهاجرين اليهود الجدد. واستحوذت مكتبة إسرائيل الوطنية على ما يقرب من 30 ألف كتاب مسروق من منازل الفلسطينيين، والتي ما يزال الكثير منها موجوداً هناك حتى اليوم.
في تشرين الثاني (نوفمبر) 1948 أجرت إسرائيل تعداداً للسكان. وبعد شهر، مرر الكنيست “قانون أملاك الغائبين”، الذي قرر أن أي شخص لم يكن يقيم في ممتلكاته أثناء التعداد فقد حقه في امتلاكها. ولم يكن هذا يعني منع الفلسطينيين خارج حدود إسرائيل من استعادة منازلهم وأراضيهم فحسب، ولكن حتى الفلسطينيين النازحين داخل إسرائيل، الذين أصبحوا مواطنين إسرائيليين، فقدوا ممتلكاتهم بشكل عام لصالح الدولة. وفي عبارة تليق بأعمال أورويل، أطلقت عليهم الحكومة الإسرائيلية اسم “الغائبين الحاضرين”.
كان نطاق سرقة الأرض مذهلاً. عندما أقرت الأمم المتحدة خطة التقسيم في تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، كان اليهود يمتلكون ما يقرب من 7 في المائة من أراضي فلسطين الانتدابية. وبحلول أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كانت حوالي 95 في المائة من أراضي إسرائيل مملوكة للدولة اليهودية.
* *
بما أن الأمر تطلّب طرد الفلسطينيين لإنشاء دولة يهودية قابلة للحياة، يخشى العديد من اليهود -ولسبب وجيه- من أن الاعتراف بهذا الطرد وتصحيحه سيشكل تحديًا ليهودية الدولة نفسها. وغالبًا ما يتم التعبير عن هذا الخوف بعبارات عددية: إذا عاد عدد كبير جدًا من اللاجئين الفلسطينيين، فقد لا يعود اليهود يشكلون أغلبية. لكن القلق يذهب أعمق من ذلك. لماذا يدرِّس هذا العدد القليل من المؤسسات اليهودية عن النكبة؟ لأنه من الصعب النظر إلى النكبة في العين وعدم التساؤل، بشكل خفي على الأقل، عن أخلاقيات إنشاء دولة يهودية عندما يتطلب ذلك إجبار أعداد كبيرة من الفلسطينيين على ترك منازلهم.
لماذا تحاول القليل جداً من المؤسسات اليهودية تصوُّر العودة؟ لأن القيام بذلك يتعارض مع أركان الدولة اليهودية: على سبيل المثال، حقيقة أن “مجلس أراضي إسرائيل”، الذي يسيطر على 93 في المائة من الأرض داخل حدود إسرائيل الأصلية، يحتفظ بما يقرب من نصف مقاعده لممثلي “الصندوق القومي اليهودي”، الذي يعرِّف نفسه كـ”وصي نيابة عن الشعب اليهودي”. ويتطلب تصوُّر العودة اقتلاع الهياكل الراسخة عميقاً للتفوق اليهودي والتبعية الفلسطينية. إنه يتطلب تصور نوع مختلف من البلاد.
لقد جادلت سابقًا بأن اليهود لم يكن يمكنهم البقاء على قيد الحياة فحسب، وإنما الازدهار أيضًا في بلد يستبدل الامتياز اليهودي بالمساواة بموجب القانون. وتشير ثروة من البيانات المقارنة إلى أن الأنظمة السياسية التي تمنح كل فرد صوتًا في الحكومة تثبت عمومًا أنها أكثر استقرارًا وأكثر سلامًا للجميع. ولكن، بالنسبة للعديد من اليهود، لا يمكن لأي قدر من البيانات المقارنة التغلب على الخوف العميق من أنه في عالم ما بعد الهولوكوست، يمكن فقط لدولة يسيطر عليها اليهود أن تضمن بقاء اليهود. وحتى في أفضل الظروف، قد يجد العديد من اليهود التحوُّل من دولة كهذه إلى دولة تعامل اليهود والفلسطينيين على قدم المساواة مزعجاً بطريقة صادمة. إنه سيتطلب إعادة توزيع الأراضي والموارد الاقتصادية والسلطة السياسية -وربما بالقدر نفسه من الألم، إعادة النظر في الأساطير العزيزة عن الماضي الإسرائيلي والصهيوني. وفي هذه المرحلة من التاريخ، من المستحيل معرفة كيف يمكن أن يحدث مثل هذا التحول الأساسي، أو ما إذا كان سيحدث في أي وقت على الإطلاق.
لضمان عدم تحقق هذا التصوّر أبدًا، قدمت الحكومة الإسرائيلية وحلفاؤها اليهود الأميركيون مجموعة من الحجج القانونية والتاريخية واللوجستية ضد عودة اللاجئين. وتشترك كل هذه الحجج في شيء واحد: إذا تم تطبيقها على أي مجموعة أخرى من الناس غير الفلسطينيين، يغلب أن يرفضها القادة اليهود أنفسهم باعتبارها غير أخلاقية ولا منطقية.
خذ الادعاء بأن اللاجئين الفلسطينيين ليس لهم الحق في العودة بموجب القانون الدولي. من النظرة الأولى سيظهر أن هذا الادعاء خال من أي منطق أو معنى. ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إليه”. ويعالج قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، الذي صدر في العام 1948 وأعيد تأكيده أكثر من 100 مرة منذ ذلك الحين، مسألة اللاجئين الفلسطينيين على وجه التحديد. ويؤكد أنه “تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم”.
لدى معارضي عودة الفلسطينيين ردود مبتكرة على هذه الوثائق. إنهم يجادلون بأن قرارات الجمعية العامة ليست ملزمة قانونًا. وهم يدّعون أنه بما أن إسرائيل أنشئت فقط في أيار (مايو) 1948، ولم يكن اللاجئون الفلسطينيون من مواطنيها أبدًا، فإنهم لن يكونوا بذلك بصدد العودة إلى “بلدهم”. لكن هذه التكييفات القانونية خالية تماماً من المحتوى الأخلاقي. في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، طورت الهيئات الدولية التي تشرف على اللاجئين مبدأ أخلاقيًا واضحًا: يجب السماح للأشخاص الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم بالقيام بذلك. وعلى الرغم من أن وتيرة العودة إلى الوطن قد تباطأت في الأعوام الأخيرة، فقد كان عدد اللاجئين الذين عادوا إلى بلدانهم الأصلية منذ العام 1990 يقارب تسعة أضعاف أولئك الذين تم توطينهم في بلدان جديدة. وكما يوضح تقرير العام 2019 الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، فإن إعادة التوطين لا تكون مفضّلة إلا عندما يكون موطن اللاجئ خطيرًا لدرجة أنه “لا يمكنه توفير الحماية والدعم المناسبين له”.
عندما لا يكون اللاجئون فلسطينيين، فإن القادة اليهود لا يقبلون هذا المبدأ فحسب، بل إنهم يناصرونه ويمجدونه. تنص “اتفاقية دايتون” للعام 1995، التي أنهت أعواما من الحرب بين صربيا وكرواتيا والبوسنة، على ما يلي: “يحق لجميع اللاجئين والمشردين العودة بحرية إلى ديارهم الأصلية” و”استعادة ممتلكاتهم التي جُرِّدوا منها في سياق الأعمال العدائية”. ولم يكن موقف “اللجنة اليهودية الأميركية” (AJC) -التي طالب رئيسها التنفيذي، ديفيد هاريس، بأن يبدأ اللاجئون الفلسطينيون “من جديد” في “الأراضي التي يقيمون فيها”- تأييد اتفاقية دايتون فحسب، بل إنها حثت القوات الأميركية على تطبيق بنودها بالقوة. وفي العام 2019، أشادت “لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية” (إيباك) -أقوى جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة- بالكونغرس لفرضه عقوبات تهدف إلى إجبار الحكومة السورية على أن تقوم، من بين أمور أخرى، بالسماح بـ”عودة آمنة وطوعية وكريمة للسوريين النازحين بسبب الصراع”. وفي العام نفسه، استشهد “الاتحاد من أجل إصلاح اليهودية”، في تبرير دعمه لتقديم تعويضات للأميركيين السود، بقرار الأمم المتحدة الذي يعرّف التعويضات على أنها تشمل الحق في “عودة المرء إلى مكان إقامته”.
كما يؤيد القادة اليهود على حق العودة والتعويض لليهود الذين طُردوا من الأراضي العربية. في العام 2013، قال رونالد لودر، رئيس “المؤتمر اليهودي العالمي”: “لقد اعترف العالم منذ فترة طويلة بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ولكن من دون أن يعترف بالجانب الآخر للقصة –الـ850 ألف لاجئ يهودي من الدول العربية”. وجادل بأن اليهود العرب يستحقون “المساواة في الحقوق والمعاملة بموجب القانون الدولي”.
بالنظر إلى أن القانون الدولي يفضل بقوة عودة اللاجئين، فإن المعنى الضمني المنطقي لكلمات لودر هو أنه ينبغي السماح لليهود العرب بالعودة إلى بلدان أجدادهم. ولكن، بطبيعة الحال، لا يريد لاودر ولا غيره من القادة اليهود ذلك؛ إن هجرة جماعية لليهود من إسرائيل ستقوض التسويغ المنطقي للدولة اليهودية. إن ما يريده هؤلاء القادة حقاً هو أن يعترف العالم بحق اللاجئين اليهود العرب في العودة والتعويض حتى تتمكن إسرائيل من التنازل عن هذه الحقوق مقابل تنازل اللاجئين الفلسطينيين عن حقوقهم. وكما أشار ريكس برينين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماكجيل، فإنه خلال عملية السلام في أوسلو، اعترف المفاوضون الإسرائيليون في أحاديث خاصة بأنهم كانوا يستخدمون هروب اليهود العرب “كورقة مساومة، تهدف إلى موازنة المطالبات الفلسطينية”.
تعبر المعايير المزدوجة التي تصبغ الحجج اليهودية المؤسسية ضد حق العودة للفلسطينيين عن نفسها بشكل صارخ في الجدل الذي يُثار حول من هو الذي يُعد لاجئًا. غالبًا ما يزعم القادة اليهود أن الفلسطينيين الذين طُردوا هم أنفسهم هم الذين يستحقون فقط هذا التصنيف، وليس أحفادهم. وهي حجة حرية بالازدراء: لم تكن الأجيال اللاحقة من الفلسطينيين لتحتاج إلى وضع اللاجئ لو أن إسرائيل سمحت لآبائهم أو أجدادهم المطرودين بالعودة في المقام الأول. وهو موقف منافق أيضًا. سوف يسمح التمييز بين الفلسطينيين المطرودين وأحفادهم للقادة اليهود بتغليف معارضتهم بلغة المبدأ العالمي -“لا ينبغي تسليم وضع اللاجئ”- بينما لا يلتزمون أبداً في الواقع بهذا المبدأ عالميًا. في جميع أنحاء العالم، يتم نقل تصنيفات لاجئ بشكل متكرر من جيل إلى آخر، لكن المنظمات اليهودية لا تعترض على ذلك في الحالات الأخرى. وكما لاحظت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تقدم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، فإن “لاجئي فلسطين لا يختلفون عن حالات اللاجئين الأخرى التي طال أمدها، مثل تلك التي في أفغانستان أو الصومال، حيث توجد أجيال متعددة من اللاجئين”.
وإضافة إلى ذلك، فإن القادة اليهود نفسهم الذين ينتقدون وضع اللاجئ متعدد الأجيال عندما ينطبق على الفلسطينيين يحتفلون به عندما ينطبق على اليهود. في العام 2016، عندما عرضت إسبانيا والبرتغال الجنسية على ما يقرب من 10.000 من أحفاد اليهود الذين طُردوا من شبه الجزيرة الأيبيرية منذ أكثر من 500 عام، أعلن المدير التنفيذي المساعد لـ”الجنة اليهودية الأميركية”: “إننا نشعر بالاحترام والإجلال للالتزام والجهود التي تبذلها كل من البرتغال وإسبانيا من أجل التصالح مع ماضيهما”. (يُتبَع)
*Peter Beinart: (من مواليد 1971): كاتب، صحفي، ومعلق سياسي أميركي. محرر سابق لصحيفة “ذا نيو ريبابليك”. كتب في “التايم”، و”النيويورك تايمز” و “ذا نيوريوك ريفيو أوف بوكس” من بين العديد من الصحف والمواقع والدوريات. وهو أستاذ الصحافة والعلوم السياسية في كلية كريغ نيومارك للدراسات العليا للصحافة في جامعة مدينة نيويورك، وهو حالياً محرر متجول لموقع “تيارات يهودية”، ومسهم في صحيفة “ذي أتلانتيك”، ومعلق سياسي لشبكة “سي. إن. إن”، وزميل في مؤسسة السلام في الشرق الأوسط. له ثلاثة كتب.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: A Jewish case for Palestinian refugee returnd
المصدر: (الغارديان) / الغد الأردنية