د- عبد الناصر سكرية
الفرق بين عبدالباسط الساروت الثائر المتمرد المتجرد من الذاتية تماما وبين أرنستو تشي غيفارا أن الأخير توفرت له ماكينة تنظيمية وإعلامية عالمية جعلته ثائرا أمميا بارزا..وهو ما لم يتوفر للساروت الذي زخرت حياته بمعطيات ثورية حرة ربما تتجاوز معطيات حياة غيفارا الثورية..
الساروت استشهد كما غيفارا غدرا من قبل أعداء الشعوب وثوراتها..
قضى الساروت ضحية تشتت العمل الوطني السوري مما أفقده الإهتمام بعلاجه حينما أصيب..
بقي عبدالباسط الثائر الغض الجميل ينزف ويتألم وينقل من مكان إلى آخر طلبا للعلاج ولم تتوفر له رعاية صحية سليمة فقضى نتيجة الإهمال وعدم توفر العلاج الاستشفائي اللازم..
كان يستحق أن تعلن حالة طوارئ وطنية لأجل اسعافه وإنقاذ حياته وهو القائد الميداني الذي شكل مركز تعبئة ثورية فذة وقلعة نشاط ثوري متنقل من موقع لآخر ..فضلا عن أناشيده التعبوية الزاخرة بالروح الثورية والمعاني الوطنية الجميلة..
وهل يهمل مثل هذا الرمز ؟
ألم يكن متاحا نقله ولو بطاىرة خاصة إلى أهم مستشفيات العالم لإسعافه وعلاجه ؟؟
وهل يسقط من حساب مئات القيادات التي تستحوذ على امكانيات هائلة ، الإهتمام بمثل عبدالباسط الساروت ؟؟
وهل تنجب الثورة كل يوم مثيلا أو رديفا أو خلفا للساروت ؟؟
يا لخسارة الأرواح الجميلة الطيبة العذراء .
الساروت شهيد الثورة الذي إغتالته يد الغدر وقضت عليه أياد الإهمال غير اللائق بل المشين !!!…
وهل إستفاد المعنيون من الدرس ومن مرارة فقدان الساروت وأمثاله لتدارك كل خطئ أو نقص أو إهمال فيما يخص غيره ممن لا يزالون يكافحون العدوان والإحتلال والإجرام بحق شعب سورية الأبي ؟؟
أوليست الثورة مستمرة واستنزاف الشباب بالإغتيال والإعتقال والتغييب القسري قائما فيما تشهد سورية كلها تغييرات سكانية وديمغرافية جسيمة ؟؟
أين هي إذن تلك القوى الوطنية الثورية التي تواجه كل هذا ؟؟
أين هي تلك الجبهة التي توحد القوى الوطنية ومعها كل الجهود المخلصة التي لا تزال مشتتة دون برنامج واضح للعمل والمواجهة ؟؟
أليس هذا ما يشبه الضياع الذي يفقد الشعب كل مقدرة على إفشال مشاريع مرعبة ترتسم أمام حاضره ومستقبله ؟.
وهل كل تلك الحوارات في أمور الثقافة وانظمة الحكم وشكل الدولة وقوانينها ؛ تنقذ من يموتون ويقتلون ويعذبون ويدفعون أثمانا باهظة من أرواحهم وحياتهم ثمنا لمواقفهم الوطنية الثورية ؟؟
استشهد الساروت ولا يزال غيره من أحرار سورية يدفعون ثمن غياب هيكل موحد للعمل الوطني من مهماته رعاية وحماية وتنشئة القيادات الميدانية الحرة الشابة المخلصة عوضا عن المرتزقة والمنافقين والماجورين ممن فرضوا في واجهة ما يسمى المعارضة فرضا بقوة التدخلات الدولية رغما عن ارادة الاحرار من ابناء الشعب..
أصبح إيلاء العمل الوطني الميداني لضبط وتنظيم الصفوف والإمكانيات أكثر من ضرورة ملحة جدا تتوجب على كل ناشط سوري وكل حر سوري أينما كان ومهما تكن إمكانياته وتوجهاته السياسية..
في ذكرى آستشاد الساروت وجب على جميع المتنفذين والنخب اللامعة ذات الأسماء اللماعة وقف إستجداء الحلول من أية قوة أجنبية..وهي الحلول التي لن تأتي ولن تكون إلا على حساب سورية وشعبها..
أما العمل الثقافي الذي يهدف إلى نشر الوعي فليس – على أهميته – إلا ترفا فكريا قد يكون لتغطية كسل أو عجز أو تقاعس وربما أشياء أخرى..
في ذكرى إستشهاد الساروت وغيره من أبطال الثورة الكثيرين فليرتفع الجميع إلى مستوى المسؤوليات الوطنية الجسام وتوحيد العمل الوطني والترفع عن كل أنواع الحسابات والتباينات والتوجهات وإلا فالثمن سيكون مرهقا جدا بل قاضيا على الجميع..فلا يتخيلن أحد أنه سيكون ناجيا أو في مأمن أو أن حماية دولية ستشمله برعايتها…
عسى ألا يفوت الأوان فنقضي جميعا دون أن يلتفت أحد لرثائنا ..