إيلي عبدو
يتجنب معارضون سوريون الدقة في تصريحاتهم حيال أوضاع النظام وغيرها من القضايا، وينفصل ما يقولونه عن المعطيات وموازين القوى، وغالبا ما ينفصل كذلك عن السياسة نفسها، لينحو منحى التقديرات والأمنيات والصراعات الشخصية.
والتصريح، الذي يتبدى، لدى نخب المعارضة، جزءاً من دعاية لقضية على خطى الأيديولوجيات والحزبيات البائدة هو، في أصله، جزء من عمل سياسي، يتعلق بتظهير السياسات والاستراتيجيات، التي تصنع وتمارس عبر آليات ومؤسسات، وإشهارها إلى العلن، وتعريف الرأي العام بها، خطوة بخطوة، ليراقب ويحاسب، ما يعني أن انفصال التصريح عن وظيفته، المنضبطة بما يخطط له مؤسساتياً، يفتحه على الأخطاء والزلات والشخصانيات والوعود والأوهام.
الأهم من التصريح إذن، آليات صنع السياسة التي تسبقه، وهذا ما يبدو شبه منعدم لدى معظم المعارضين السوريين، الذي بنوا مؤسساتهم من مجلس وطني وائتلاف وسواها، لهدف مواجهة النظام، وليس تمثيل الناس. وإن كانت هذه المؤسسات حظيت في بدايتها، بشبه تفويض من قبل جمهور المنتفضين، فإن ذلك حصل بشروط عاطفية، ترتبط بالتعلق بأي بديل ممكن، وليس بشروط سياسية كالانتخاب مثلا. صحيح أن فكرة الانتخاب تبدو طوباوية، قياسا بالعنف الذي كان يمارس، وفوضوية الأوضاع وتشتتها بين داخل وخارج، وصعوبة العمل التنظيمي، لكنها ترتب نتائج شديدة الأهمية، تتعلق بتعامل المعارضة مع مؤيديها، إذ اتسعت الفجوة تدريجياً بين الطرفين، بحيث بقي من تظاهر وانتفض في ممارسات المعارضة وسلوكها، أقرب إلى اللحظة العاطفية، التي ترجمت في التظاهرات، وليس مجموعات متنوعة لها خيارات واتجاهات تسعى لمن يوصلها، ويبلورها في السياسة ويحولها إلى فعل. ونزع السياسة عن المنتفضين هو نتيجة، لعدم امتلاكها لدى المعارضين، الذين جعلوا أولويتهم إحداث التغيير في السلطة، وليس توفير شروط هذا التغيير في المجتمع، لاسيما المعارض منه، بمعنى آخر، صنع توافقات عبر تمثيل الناس وتنوع ميولهم، بآليات ديمقراطية. لقد فُهم التغيير بوصفه إسقاطاً للسلطة، وبات آلية شعاراتية تجري ممارستها عبر وسائل الإعلام بشكل يومي. وهذا الفهم جمّد أي إمكانية للعمل نحو التغيير فعلاً، عبر الارتباط بطالبي التغيير، وخلق سياسات تلبي ما يريدون.
انفصال التغيير عن السياسة وممارستها، يجعل من السهل فهم تلك الارتجالات التي يقوم بها المعارضون السوريون، في تصريحاتهم التلفزيونية الكثيفة، والتي غالبا ما تكون وعوداً بتغير سريع أو بانقلاب تام للأوضاع، يعيد الناس إلى ديارهم، إذ إن هذه التصريحات، ليست وليدة سياسات واستراتيجيات تُصنع لتمثيل مصالح ناخبين، بل هي ترتبط بمصالح وأجندات الدول التي ما تزال ترعى المعارضة، وترتبط كذلك بأهواء وميول صاحب التصريح نفسه، وطبيعة المعارك الشخصية الضيقة التي يخوضها. وبالنتيجة، فإن المعارضين السوريين، لا تترتب عليهم أي مسؤولية حين يطلقون التصريحات والوعود، فالسياسي غالبا ما يحسب ألف حساب لكل تصريح يقوله في وسائل الإعلام، انطلاقا من المحاسبة التي ستأتي من قاعدته الانتخابية، أو قاعدة حزبه، والتي ستترجم في الانتخابات، وأيضاً انطلاقا من السياسات والاستراتيجيات المرسومة. ولأن، المعارضة السورية متحررة تماما من الرقابة، وآليات تمثيل الناس، وصناعة السياسات، فهذا يجعل، تصريحات قادتها ورموزها والفاعلين فيها، عن التغيير وتحويله عبر التكرار، لخطاب وشعار جامد، تغطية على فشل صنع آليات، لتحقيق هذا التغيير، تضمن إشراك المجتمع، وليس استبداله بأجندات الدول الحاضنة والممولة.
*كاتب سوري من أسرة “القدس العربي”
المصدر: القدس العربي