عمر كوش
سيكون مجلس الأمن على موعد مع مواجهة جديدة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في العاشر من يوليو/ تموز الجاري، لدى مناقشة تمديد التفويض الأممي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2533 الذي ينصّ على السماح بإدخالها إلى الشمال السوري، عبر معبر وحيد هو “باب الهوى” الحدودي بين تركيا وسورية.
وتقرّ كل الاتفاقيات والأعراف الدولية بأن تكون مسألة المساعدات الإنسانية حيادية في الحروب والنزاعات المسلحة وفوق أي اعتبار سياسي، كونها موجّهة إلى الضحايا والمدنيين، وتتعلق في الحالة السورية بأكثر من 4.8 ملايين شخص، يعتمدون على المساعدات الغذائية من البرنامج الأممي من أجل بقائهم على قيد الحياة، حسب تقارير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فضلاً عن أن تقارير الأمم المتحدة تفيد بأن أكثر من 11.7 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية داخل سورية، لكن ذلك كله لم يمنع روسيا من تحويلها إلى مسألة سياسية ووسيلة ضغط، وتسعى، من خلالها، إلى ابتزاز المجتمع الدولي، بغية تحقيق مكاسب لها، والدفع نحو إعادة تأهيل نظام الأسد واسترجاع الشرعية الدولية المفقودة له.
ويبدو أن حدّة المواجهة آخذة في التصاعد بين روسيا والولايات المتحدة بشأن ملف المساعدات الإنسانية وكيفية إدخالها إلى سورية، كونه يشكّل مناسبة لاستعراض قوة كل من الطرفين واختبارها، لذلك ركّز ساسة الدولتين على حشد تأييد واسع لمواقف بلادهم، حيث سعت الولايات المتحدة إلى حشد دعم دولي واسع للملف الإنساني، فأوفدت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إلى تركيا التي تعدّ من الدول الأكثر تضرّراً في حال إغلاق المعابر الإنسانية مع سورية، ثم تمكّنت، في اجتماع روما بشأن سورية، من جمع وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الكبرى، والمجموعة المصغّرة حول سورية، وتركيا وقطر وممثلين عن الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، إضافة إلى مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، للضغط على موسكو.
في المقابل، لا يكفّ الساسة الروس عن إرسال إشاراتٍ وإطلاق تصريحاتٍ باستخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع تجديد قراره رقم 2533، وقامت موسكو بعدد من الخطوات السياسية والدبلوماسية لمواجهة تزايد المطالب الدولية والأممية بضرورة الحفاظ على آلية إدخال المساعدات الإنسانية وتوسيعها، وذلك بإعلانها عن موعد انعقاد جولة جديدة لاجتماعات أستانة في السادس من شهر يوليو/ تموز الجاري في العاصمة الكازاخية نور سلطان، بغية التفاهم مع كل من تركيا وإيران قبل انعقاد جلسة مجلس الأمن، وأوفدت المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، إلى دمشق. وفي السياق، اجتمع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، في مدينة أنطاليا التركية لحشد التأييد التركي للموقف الروسي.
وعلى الرغم من التحذيرات الأميركية لروسيا من مغبة استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، إلا أن الوزير لافروف لم يخفِ في أنطاليا موقف بلاده الرافض مشروع قرار جديد، طرحته من قبل النرويج وإيرلندا في مجلس الأمن، يقضي بتمديد التفويض لإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى الحدودي بين تركيا وسورية، ويطالب بإعادة فتح ممر اليعربية بين العراق وسورية الذي تم إغلاقه بفيتو روسي في يناير/ كانون الثاني 2020. وجدّد لافروف المطلب الروسي بإيصال المساعدات إلى جميع المناطق السورية عبر المنافذ التي يسيطر عليها النظام السوري، بحجّة ضرورة احترام السيادة السورية، واعتبر أن الأزمة الإنسانية في سورية سببها العقوبات وقانون قيصر الأميركي، والاستيلاء غير المشروع على الأصول السورية في المصارف الغربية بطلب من واشنطن. وتمادى في ابتزازه المجتمع الدولي، عبر تحميل الدول الغربية المسؤولية عن المأساة الإنسانية في سورية، بل اشترط أن يعترف الغرب بمسؤوليته عنها كي تتعاون بلاده.
وأمام تباعد المواقف الأميركية الروسية حيال آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية إلى سورية، فإن كيفية المواجهة بينهما قد تأخذ أكثر من منحى، إذ تتحدّث الإدارة الأميركية عن إمكانية بناء جسور للثقة والتعاون بينهما، في حال استجابة موسكو لفتح المعابر الحدودية، وبما يفتح المجال أمام مزيد من التفاهمات بينهما بشأن سورية. وأطلقت واشنطن إشاراتٍ استباقية عديدة في هذا المجال، تمثّلت في عدم فرض عقوباتٍ جديدة بموجب قانون قيصر، وتقديم استثناءاتٍ لمواد طبية من العقوبات، في ظل تفشي جائحة كورونا، إضافة إلى السماح بتقديم المساعدات عبر خطوط التماس بين مناطق نفوذ القوى المسيطرة في سورية. وفي حال تجاوب موسكو، ستعمل الإدارة الأميركية على زيادة المساعدات الطبية إلى المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، والسماح بتقديم المساعدة للمنظمات الإنسانية في تلك المناطق، وتسريع الموافقة على تراخيص المواد الإنسانية.
وفي حال إصرار موسكو على رفض التمديد للقرار الأممي باستخدام الفيتو لتعطيل تمديد التفويض الخاص بإيصال المساعدات إلى سورية، فإنها ستفقد ورقة ابتزاز وضغط، وستثير ردود فعل سلبية كثيرة ضدها، كونها ستضع نفسها في تحدّ سافرٍ أمام المجتمع الدولي بأكمله في مسألة إيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين في المناطق التي لا يسيطر عليها نظام الأسد، وقد يدفع تحدّيها الإدارة الأميركية إلى مزيد من التعاطي والانخراط في القضية السورية. ومع ذلك، لا تبدو الخيارات الأميركية حياله كثيرة، ولن تخرج عن ممارسة مزيد من الضغط وزيادة العقوبات على النظام السوري بواسطة قانون قيصر، وربما تلجأ الولايات المتحدة إلى التفاهم مع تركيا وشركائها من الدول المانحة والمنظمات الإنسانية لإيجاد آلية بديلة.
لن يوافق الساسة الروس على فتح المعابر الحدودية مع سورية أمام المساعدات الإنسانية من دون مقابل، وسيحاولون الحصول على تنازلات كثيرة من الولايات المتحدة في سورية مقابل ذلك، لكنهم قد لا يغامرون باستخدام الفيتو ضد مشاريع تمديد التفويض للقرارات الأممية. وبالتالي، لن يفوّتوا الفرصة كي يحصلوا على مكاسب لقاء ذلك، من خلال اتباعهم المواربة والظهور بمظهر المنفتح على الحوار مع الولايات المتحدة. لذلك، ستشكّل المواجهة الأميركية الروسية حيال المعابر السورية اختبار قوة للسياسية الأميركية، ومدى قدرتها في التأثير على الأزمات الدولية، وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط.
المصدر: العربي الجديد