السهام التي تطلقها من كنانتك نحو شخصٍ داعمٍ لقضيتك لمجرّد الاختلاف معه، يسبّب لك خسارتَين كبيرتين: نقصاً في سهامك وقت الحاجة إليها، ونقصاً في دعم قضيتك يضرّ بها وربما يكسرها!
نحن لسنا مسؤولين عن الآخر من حيث معتقده ومذهبه ومشربه، لكننا مسؤولون عن تعريف الآخر بقضيتنا ومحاولة كسبه في سبيل نجاحها. فماذا يعنينا من الإنسان سواء كان غربياً أو شرقياً، مسلماً أو غير مسلم؟ في الحياة عامة وفي صراع الوجود خاصة؟ دينه؟ أم علمه؟ أم موقفه الإنساني والأخلاقي؟
سوف ندرك حقيقة موجعة عند الإجابة الصادقة على هذا السؤال المهم؛ وهي أنّ سلوكنا في واد والمصلحة في واد آخر؛ وأنّ الكثير منا كان محامياً هزيلاً في مرافعته عن أكبر وأهمّ قضية إنسانية عادلة في عصرنا الحديث.
وسوف ندرك أبعاد هذه الحقيقة المرة بل الاستراتيجية الضرورية التي تغيب عن الأذهان في أحلك الظروف! يا سادة، إنّ بعضَ الشرّ أهون من بعض، وإنّ بعض الإلحاد خيرٌ من بعض التديّن، وبعض الجهل خيرٌ من بعض العلم! لستُ أمدح الإلحاد قطعاً، لكنه أشرف من تديّن يُشرّع لطغاة ملحدين! ولستُ أمدح الجهل يقيناً، لكنه أشرف من علمٍ يصطفّ وراء الظلم والقتل والتهجير! سوف ندرك عند استقصاء الحقيقة المجرّدة أنّ قيمة الدين أصلاً مستمدّة من الموقف الأخلاقي، وأنه بدون الأخلاق يصبح الدين شكلاً من أشكال المهانة والارتزاق.
وأنّ قيمة العلم تأخذ بعدها الأهم من الموقف الإنساني، فإذا ما خلا العلم من الإنسانية أصبح كالأعشاب السامة الجميلة تخدع الأبصار بجمال مظهرها وتستبطن الأذى والضّرر!
إنّ الملحد الذي أبى أن يبيع (دنيا) فانية، لا شكّ أنه خيرٌ من عمائم وصُلْبان تبيع (الآخرة) الباقية. والجاهل الذي اصطفّ مع الحق المستضعَف المخذول وخاطر برزقه وحياته، خيرٌ من علماء ومفكرين اصطفّوا مع الطغاة والمجرمين استبقاءً لحفنة من دنيا رخيصة! نماذج متناقضة جداً!
يُقال أنّ (بن كارسون) أشهر جراح أعصاب في العالم، والذي أُنتِجَ فيلمٌ عن حياته في حياته (the gifted hands)، هذا الجراح الشهير يرى اللاجئين السوريين كلاباً مسعورة! أمّا البروفيسور الفرنسي فابرس بالانش الأستاذ في جامعتين كبيرتين (ليون) في فرنسا و (ستانفورد) في أمريكا، يرى أنّ قتل وتهجير سبعة ملايين سوري لا يكفي! يجب أن يبلغ العدد عشرة ملايين من أهل السّنة لتصبح الخارطة السكانية مقبولة! (قناة فرانس ٢٤) بالمقابل فإنّ عالم الفيزياء (الملحد) ستيفن هوكينغ الذي اختلفنا حوله ببلاهة وسذاجة؛ رفض حضور مؤتمرات علمية في اسرائيل وهاجم سياساتها العنصرية، كما السياسة الأمريكية في أكثر من صحيفة رسمية.
أمّا نجم ريال مدريد الشهير (رينالدو) على بعده مكاناً وحالاً واهتماماً عن سوريا، لكنه كان قريباً كانسان من مأساة الشعب السوري أكثر من بعض السوريين، وظلّ يبعث رسائل مصبّرة لأهل الغوطة ويعلن وقوفه معهم على صفحته الرسمية، تارةً بالكلمات وتارة بالصوت والصورة! وفي عالمنا العربي يتجلّى التناقض في أشدّ صوره تبايناً وافتضاحاً! لقد تهافتتْ عمائم وأقلام كبيرة في نار الظلم والطغيان، كالفراش المتهافت على اللهب؛ ولقد جاءت المواقف العظيمة من حيث لا نحتسب!
فتجد الفنان اللبناني (فضل شاكر) يعتزل الشّهرة والأضواء والمعجَبين والمتابعين، ويقف مع الثورة السورية في فنّ جديد وموقف فريد جعل حياته في مرمى النار!
بالمقابل تجد الداعية الدمشقية (عابدة العظم) تخلو صفحتها من وقفة معنوية أو رسالة إنسانية لأهل الغوطة في أشدّ وأحلك مأساة عرفتها دمشق!
والخلاصة! ما قيمة دينك إن خذلتَ أخاك في أوج احتياجه إليك.. ما قيمة علمك أو شهرتك أو دعوتك إن استخدمك الظالمون كما يستخدمون الحذاء حتى الاهتراء..
هنا، وهنا فقط، يكون وفاء الجاهلين، وإنسانية العصاة والملحدين؛ أشرف من خيانة المثقفين ومهانة الدعاة والمفكرين.