عدنان علي
بعد أكثر من عشر سنوات على انطلاق الثورة في سوريا ضد نظام الأسد، ووصول الحلول السياسية التي طرحت خلال ذلك إلى طريق مسدود، بسبب عدم رغبة النظام وحلفائه في الانخراط في أية حلول ذات معنى، فإن الأجواء في المنطقة باتت كما يبدو تميل إلى طرح مخارج من الوضع الراهن المستعصي، بأي ثمن، أو بدون ثمن، باعتبار ما يجري في سوريا تحول إلى صداع لدول المنطقة، حيث الجميع (باستثناء إسرائيل)، يريدون الخروج من هذا الوضع الذي تسبب لهم بالضرر الاقتصادي وكلفهم تحمل أعباء اللاجئين السوريين، كما حال الأردن ولبنان والعراق، فضلا عن المخاوف الأمنية من امتداد الشرر إلى بلدانهم، إضافة إلى شعورهم بـ”الإحراج” أمام شعوبهم بسبب تقصيرهم في مساعدة الشعب السوري أو الحد من معاناته طوال هذه السنين.
وفي هذا الإطار تأتي ما دعيت بمبادرة الملك عبد الله التي حملها إلى واشنطن وملخصها إعادة تعويم نظام الأسد عربيا ودوليا، بحكم أنه باق كأمر واقع ولا يمكن التخلص منه، ولا بد تاليا من إعادة التأقلم مع وجوده، بوصف ذلك “المخرج الوحيد” المتاح بعد أن تعذرت إزاحته بالقوة، بسبب الوقوف الحاسم معه من جانب حلفائه الروس والإيرانيين.
ومن دون التطرق إلى حقيقة أن القوى الكبرى التي تدخلت في الشأن السوري، بما فيها التي تناهضه علنا مثل الولايات المتحدة، لم تكن في أية لحظة جادة في العمل على إزاحة النظام، فإن ما حمله ملك الأردن إلى واشنطن، إنما يعكس تململ بعض دول المنطقة من الوضع الراهن للقضية السورية حيث لا تلوح في الأفق أية حلول سياسية، بينما نظام الأسد، وبرغم وضعه الداخلي المترهل، يعتبر نفسه منتصرا، ويطالب بالتعامل معه كذلك. وهذا بالضبط جوهر “مبادرة” الملك الأردني، أي التعامل مع الطرف المنتصر بوصفه الحل الوحيد المتاح، من دون التطرق، على الأقل في الشق المعلن من هذه المبادرة إلى مطالب الشعب السوري في الحرية والديمقراطية.
والواقع أن الأفكار التي طرحها الملك عبد الله لا يمكن اعتبارها مبادرة سياسية مكتملة، ذلك أن الأردن بحجمه الصغير، غير مؤهل لطرح مبادرة لحل قضية معقدة تنخرط فيها دول كبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، وليس لدى الأردن نفوذ يذكر بشأن ما يجري في سوريا، لا على النظام ولا المعارضة.
كما أن إدارة جو بايدن، كما الإدارة الأميركية السابقة، ليست معنية وفق ما صدر عن العديد من مسؤوليها بالانخراط الواسع في عملية سياسية معقدة في سوريا تتطلب كثيرا من الوقت والجهد، وهي قضية ليست أولوية لدى هذه الإدارة التي قالت إنها معنية فقط بالجوانب الإنسانية وبمحاربة تنظيم داعش. وفضلا عن ذلك، يستشف من التصريحات الأميركية، بما فيها تصريحات الرئيس بايدن، بأن هذه الإدارة لا يمكنها الانخراط في أية عملية سياسية تقوم على تعويم نظام الأسد، ومنحه الشرعية مجددا، وإن ظلت تقول إن سياستها لا تقوم على تغيير النظام، بل دفعه إلى تغيير سلوكه، لكن في الحالة السورية، فإن كلا الأمرين هما شيء واحد تقريبا، لأنه بمجرد أن يقوم النظام أو يدفع إلى تغيير سلوكه، سيكتب نهايته بيده، ذلك أنه نظام قائم على القمع والأحادية، وغير قابل للإصلاح السياسي.
ويبقى القول إن أية مبادرة أو أفكار تهتم فقط بمصالح وحسابات الدول الإقليمية والدول الكبرى، دون الأخذ بعين الاعتبار مطالب الشعب السوري، أو الجزء الأكبر من الشعب الذي ثار على النظام قبل عشر سنوات مطالبا بالحريات والديمقراطية وإنهاء دولة القمع والمخابرات والفساد، لا يمكن أن يكتب لها النجاح. وما لم تتشكل جبهة ضغط دولية حقيقية على نظام الأسد، تجبره على الانخراط في حل سياسي حقيقي، يقوم على المشاركة السياسية، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، فإن أية تحركات هنا أو هناك، سوف تندثر دون أية ثمار، حيث لا يمكن اختزال قضية الشعب السوري التي كلفت ملايين القتلى والجرحى والمعتقلين والمهجرين، بمصالح ورغبات هذه الدولة أو تلك، كما لا يمكن مكافأة نظام أوغل في الإجرام، بإعادة تعويمه، وكأن شيئا لم يكن.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا