د- عبد الناصر سكرية
قرابة قرن مضى على اقتطاع بريطانيا لإقليم الأحواز العربي من العراق وإلحاقه بدولة إيران الفارسية التي كانت خاضعة للوصاية الإنجليزية وتدور في فلك السياسة الإستعمارية المعادية للأمة العربية.
حصل هذا سنة ١٩٢٥ بالتزامن مع اقتطاع فرنسا الإستعمارية لأجزاء كبيرة من شمال سورية وإلحاقها بتركيا التي كان يحكمها نظام أتاتورك الموالي للسياسة الغربية المعادية أيضًا للأمة العربية. ( إقتطعت أورفا ومرسين وغازي عنتاب وديار بكر وجزيرة عمر وغيرها سنة ١٩٢٣.ثم الحقتها بلواء الإسكندرون سنة ١٩٣٩ ).
تم هذا في الوقت الذي كانت التحضيرات لاغتصاب فلسطين وتأسيس كيان صهيوني معاد للامة أيضًا ؛ قائمة برعاية إنجليزية وغربية عامة.
لم يكن خافيا أن هذه الإجراءات الإستعمارية إنما كانت تهدف إلى حصار البلاد العربية ومنع العرب من التحرر والوحدة والتقدم.
تحتل الأحواز مساحة ٣٨٠ الف كيلو متر مربع ( تقريبًا ) هي كامل الضفة الشرقية للخليج العربي..وهي غنية بالنفط والغاز والمياه وخصبة زراعيا فيما سكانها العرب يتجاوزون العشرة ملايين نسمة بقليل جميعهم من العرب المسلمين الذين إستقروا في الأحواز منذ مئات السنين حتى منذ ما قبل الإسلام وتربطهم روابط قربى عائلية مع اهل العراق وباقي الجزيرة العربية.(غالبيتهم من المذهب الشيعي).
وعلى الرغم من أن الأحوازيين العرب أيدوا ثورة الشعب الإيراني ضد نظام الشاه المحمي أميركيا على أمل الحصول على إستقلالهم بعد انتصار الثورة إلا أن الوقائع اللاحقة خيبت ظنهم..فقد إستولت القوى الدينية على النظام الجديد وإستفردت بالسلطة بعد إزاحة كل القوى الشعبية التي شاركت فيها..واستمرت في سياسة التنكيل بشعب الأحواز وبشكل أكثر حقدا وضراوة من نظام الشاه..فكانت سياستها وتعاملها مع شعب الأحواز إستمرارا لسياسة الشاه الإمبراطورية القمعية..
ومع أنها صنعت خطابها السياسي والوطني على أساس أنها ضد سياسة الإستكبار والإضطهاد والتنكيل بالشعوب التي تنتهجها قوى الإستكبار العالمي بزعامة الولايات المتحدة الاميركية ؛ إلا أنها في تعاملها مع شعب الاحواز استخدمت ذات الأساليب القمعية الإجرامية التي تستخدمها أميركا مع شعوب العالم..ففقدت كل مصداقية في نظر الأحوازيين مما دفعهم إلى إستئناف إنتفاضاتهم المطالبة بالإستقلال والحفاظ على هويتهم العربية.
وهم لم يصلوا إلى الثورة – الإنتفاضة الحالية إلا بعد أن شهدوا من التنكيل والإضطهاد والقتل والإغتيال من قبل السلطة الإيرانية الحالية ما دفعوا بسببه مئات الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين الأمر الذي جعلهم هذه المرة يوسعون إمتداد ثورتهم وإحتجاجاتهم لتعم كثيرا من الأنحاء الإيرانية والعاصمة طهران..
وقد بلغت شدة احتجاجاتهم درجة أخافت النظام ما دفع المرشد الديني لولاية الفقيه بالتدخل العلني في محاولة لامتصاص النقمة الشعبية وحصارها في نطاق بعض المطالب المعيشية البسيطة فيما هي ثورة وطنية طلبا للحرية والإستقلال..
وعلى الرغم من أن إنتفاضات الاحواز ضد السلطة الإيرانية لم تتوقف منذ الإحتلال الإيراني ؛ إلا أن الإنتفاضة الراهنة تبدو أكثر شمولا وإستعدادا عما سبقها من إنتفاضات..مصحوبة هذه المرة بإهتمام إعلامي شعبي عربي واسع النطاق تضامنا مع الاحوازيين العرب الذين لم يتركوا مناسبة عربية قومية مصيرية إلا وكانت لهم مشاركاتهم فيها وفي مقدمتها قضية فلسطين..
وإذا كان مفهوما ان يلجأ نظام الشاه الامبراطوري إلى إجراءات قمعية ومحاولات لطمس الهوية العربية للأحواز إنطلاقا من خلفيته المرتبطة بالأطماع الغربية الاستعمارية المعادية للعرب؛ فإنه من غير المفهوم أبدا لجوء نظام الملالي الذي يطرح شعارات الإسلام إلى إجراءات أشد فتكًا وأكثر خبثا ليس للسيطرة فقط وإنما لتغيير الهوية العربية وتهجير السكان وتغيير ديمغرافية الأحواز واستقدام مجموعات بشرية غير عربية وإسكانها في المنطقة ؛ حتى منع تعلم اللغة العربية وتغيير الاسماء العربية بأخرى فارسية ؛ على الرغم من ان جميع الاحوازيين من العرب المسلمين..فهذا النهج الإجرامي إنما يدلل على الطبيعة الشعوبية للنظام الإيراني الذي يتغطى بالاسلام لتخريب البنية المجتمعية للمنطقة العربية وليس فقط للأحواز؛ وما يجعل المشروع الإيراني موجها فقط للقضاء على العروبة والإسلام معا بشعاراته المزيفة المخادعة….وهو ما صار جليا واضحا في كل بلد عربي إمتدت إليه يد العبث الإيراني الحاقد الخبيث..وهذا درس للعرب ينبغي استيعابه جيدا لوضع حد للعبث الإيراني بقضية فلسطين العربية وتسخيفها لفكرة المقاومة الأصيلة..
وعلى الرغم من وفرة الموارد الطبيعية وتنوع البيئة الجغرافية للأحواز وكثرة المياه العذبة والأنهار إلا ان شعب الأحواز محروم حتى من موارد أرضه حيث تقوم السلطات الإيرانية باستغلال تلك الموارد وإستخدامها في بقية المناطق وحرمان أهلها منها وتركهم يواجهون متطلبات الحياة بمشقة وصعوبة..والهدف الاول دفعهم إلى الهجرة وترك بلادهم لتسهيل عمليات تغيير هويتها وطبيعتها السكانية.
وككل الإنتفاضات الشعبية العفوية يبدو أن إنتفاضة اهلنا الأحوازيين تحتاج الى رعاية ودعم وتأييد اوسع من نطاق أرضهم وبلادهم..
ولما كان الخطر الأكبر يتمثل في الحرب على هويتهم العربية ؛ فإنهم بإنتفاضتهم الحالية المتزامنة مع الإنتفاضات الشعبية العربية في اكثر من بلد عربي في العقد المنصرم ؛ إنما يعبرون عن وحدة المصير العربي مما يستوجب على كل الحركات الشعبية العربية مساندتهم وتمكينهم من الصمود والاستمرار حتى الإنتصار والإستقلال..
واول خطوات المساندة تتمثل في نشر المعلومات وتوسيع نطاق التفاعل الشعبي العربي مع قضيتهم..ثم إفادتهم بما لهم من خبرات تنظيمية وتعبوية متراكمة..
إننا في ملتقى العروبيين ومن هذا المنطلق المصيري الواحد نتوجه الى اخوتنا الأحوازيين بالافكار والإقتراحات التالية لما نراه من أهميتها وضرورتها الملحة:
١ – ينبغي إنجاز بناء جبهة وطنية أحوازية وبأسرع وقت؛ تضم كل الفصائل والتنظيمات والفعاليات والمرجعيات الثقافية والاجتماعية؛ على أساس الأهداف الوطنية الاساسية الجامعة لكل الشعب الاحوازي..تقود المواجهة وتحميها وتدرأ عنها مواطن الخلل والضعف والزلل..
٢ – الإبتعاد التام عن كل ما يثير الخلافات أو الحساسيات فيما بينكم والإرتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية الدقيقة جدًا للمرحلة التي تعيشونها..
٣ – إعداد برنامج مرحلي مطلبي متدرج يأخذ بالإعتبار امكانياتكم وكافة الظروف المحيطة بقضيتكم والمترابطة معها ..فلا تكن المطالب اعلى مما تسمح به قدراتكم المتوفرة في متناولكم..
٤ – عليكم أن تعلموا ان الولايات المتحدة الأميركية ومعها اوروبا إنما ترعى النظام الإيراني ولا تعاديه..فهم بحاجة إليه في مشروع محاصرة الامة العربية وتفجيرها من الداخل..فلا تصدقوهم ولا تنتظروا منهم أي موقف مساند او مؤيد..
٥ – ليس في الوضع العربي الراهن ما يفيد في إمكانية تشكيل قوة داعمة مؤثرة لقضيتكم..ففي كل بلد عربي من القضايا الداخلية والمشكلات الحدودية ما يستنزف طاقات الجميع في معارك هامشية فرعية..فلا تنتظروا الكثير من النظام الرسمي العربي فاعتمدوا على أنفسكم أولًا وثانيًا وثالثًا..
٦ – إحذروا المتسلقين والمنافقين والمندسين في صفوفكم وقد يكونوا من أبناء شعبكم ممن يبتغون ظهورا أو دورا نرجسيا أو مصالح أو ممن يرتبطون بأجهزة معادية لكم سواء إيرانية أو غيرها..
٧ – إحترسوا جدا على أمنكم الشخصي فلا تهملوا أمر حماية الناشطين والقيادات المحركة الميدانية والإعلاميين وكل من له دور واضح في تحريك قضيتكم اعلاميا وجماهيريا..وعدوكم خبيث وله من الاذرع الخفية ما يمكنه من الإغتيالات حتى في اوروبا التي تتعاون أجهزتها الامنية مع الاجهزة الامنية الايرانية لتعقب الناشطين منكم ومن كل حركة شعبية تحررية..وما إغتيال الشهيد ناهض المولى إلا تاكيدًا على ذلك..
٨ – تجنبوا استفزاز الإيرانيين المعارضين لنظام الملالي لا سيما الذين لا يكنون عداء لقضيتكم او يقفون موقفا محايدا..
٩ – تواصلوا وتفاعلوا مع المكونات الإيرانية غير الفارسية ولا سيما أؤلئك المتضررين من الهيمنة الفارسية والمتمسكين بهوياتهم القومية.
١٠ – إعملوا على توفير وإمتلاك مقومات الصمود والقدرة على الإستمرار لاطول فترة ممكنة..وعليكم التحلي بنفس نضالي طويل المدى قادر على الإستفادة من كل المتغيرات والإمكانيات..
اخوتنا الاعزاء ..
إن إنتصاركم مرهون بوحدتكم..فإذا بقيتم فصائل متفرقة فلربما لن تستطيعون تحقيق أية مكاسب ذات أثر..
إن التشتت الفصائلي هو نقطة الضعف الأخطر في أي حراك ثوري تحرري..
تقدمًا لصنع وحدتكم التنظيمية الجبهوية لحماية ثورتكم أولا وللصمود والإستمرار ثانيا وللانتصار ثالثا..فإن لم تفعلوا فأذنوا لأنفسكم بمواجهات متعددة لإختراقكم وبث الفتنة بينكم وتصعيد منافقين وأزلام على ظهوركم يتحدثون ويفاوضون بالنيابة عنكم فيبيعون قضيتكم ومطالبكم العظيمة…
نكرر ونشدد ونعيد ونؤكد عليكم إنجاز جبهتكم الوطنية الموحدة بأسرع وقت..الفرصة مؤاتية هذه المرة فعدوكم يعاني من مشكلات داخلية وخارجية كبيرة تجعلكم في وضع قوي…
الامر متوقف على مقدراتكم التنظيمية التي تحشد قواكم في إطار عمل موحد يضع استراتيجية للمواجهة وبرنامجا مرحليا للمطالب..
عليكم الاستفادة من تجربة الثورة السورية فتتجنبوا سلبياتها وخصوصا ثغراتها التنظيمية والجبهوية…
وكان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه..
تجاوزوا ذاتياتكم وتمايزاتكم السياسية والعقائدية والشخصية والعشائرية فهي لن تنفعكم يوم يستفرد بكم عدوكم إذا لم تكونوا يدا واحدة..
واعلموا أن انتصار ثورتكم سوف يفتح الطريق واسعًا لانتفاضات شعب العراق وسورية في مواجهة الاحتلال الأجنبي والظلم الإيراني والإستبداد الرسمي.