يعتقد مستشار رئيس منظمة حماية البيئة الإيرانية بهرام طاهري أن أزمة المياه صارت مشتركة بين إيران ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والخروج منها لن يكون إلا بجهود وبرامج عمل مشتركة
وقد اندلعت مظاهرات شعبية منذ عدة أيام في بعض المدن الإيرانية على خلفية نقص المياه والجفاف. وبحسب وزير الطاقة رضا أردكانيان، فإن الصيف الحالي هو الأكثر حرارة في 50 سنة الماضية بالبلاد.
عام 2015، حذّر عيسى كلانتري، وزير الزراعة السابق والرئيس الحالي لمنظمة حماية البيئة، من وصول الجفاف إلى نقطة تتعرض فيها حياة البلاد وحضارتها للتهديد، مما قد يدفع حوالي 50 مليون مواطن (60% من السكان) إلى الهجرة في المستقبل القريب.
في هذه المقابلة، تعرض الجزيرة نت إجابات لأسئلة عديدة حول أسباب الجفاف ومشكلة المياه في إيران، من زوايا مختلفة، يقدمها بهرام طاهري مستشار رئيس منظمة حماية البيئة الإيرانية، مستشار وزير الطاقة السابق، رئیس مرکز “إتش إس إي” (HSE) إدارة الصحة والسلامة، مركز تكامل المياه والطاقة البيئية في جامعة أمير كبير بطهران، رئيس القسم الثالث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المشاركة العالمية من أجل التربة بمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) مدير مجموعة عمل تغير المناخ في المنظمة.
- ما هي أهم التحديات البيئية في إيران الوقت الحالي؟
لا تختلف القضايا والتحديات البيئية في إيران كثيرا عن التحديات العالمية والإقليمية. وأهم تحدّ هو ضعف ملاءمة الإنسان مع بيئته الطبيعية، بسبب قوة التكنولوجيا والطاقة الأحفورية.
وبالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بالتغيّر المناخي، فإننا نواجه في إيران مشاكل بيئية مثل استدامة ومرونة موارد المياه والتربة والطاقة.
- ما مدى خطورة أزمة المياه في إيران؟ وهل يجب أن نقلق؟
أزمة المياه في إيران خطيرة للغاية. أصبحت الآن درجة الحرارة أكثر دفئًا بنحو 1.2 درجة مئوية عن المتوسط السابق، مما يعني أننا بحاجة إلى حوالي 11 مليار متر مكعب من المياه الإضافية للزراعة. ومع ارتفاع درجة الحرارة في العديد من المناطق، سينخفض هطول الأمطار وإمكانية الوصول إلى المياه.
- ما أسباب أزمة المياه برأيك؟
هناك عدة أسباب لذلك، حيث أدى النمو السكاني، والتنمية الحضرية، والتغيرات في أسلوب حياة الناس، إلى زيادة استخدام المياه والموارد الطبيعية. وكذلك هدر المياه في طرق النقل والتوزيع، بالإضافة إلى تغيّر المناخ، وارتفاع درجات الحرارة، وسوء إدارة الموارد المائية في البلد.
والأهم من ذلك، في كل من إيران ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا يوجد الاعتبار والاهتمام الكافي للتوازن بين القطاعات الرئيسية الثلاثة للاقتصاد (الزراعة، الصناعة، الخدمات). وعلى سبيل المثال يبلغ معدل الناتج المحلي الإجمالي من الزراعة في العالم بحدود 6.4%، وعلى الرغم من حقيقة أن إمكانية الوصول إلى المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أقل بـ 3 إلى 4 مرات من المتوسط العالمي، ويجب أن يكون الضغط على القطاع الزراعي لإنتاج الناتج المحلي الإجمالي أقل، ولكن الأمر الواقع مختلف.
ونلاحظ، مثلا أن الناتج المحلي الإجمالي من الزراعة في مصر هو 11.7%، وفي إيران 9.6%، ولكن في الولايات المتحدة 1.12%. وتنخفض النسبة إلى 0.8% في الدول الغنية بالمياه مثل ألمانيا، و 0.7% في إنجلترا، و1.9%في فرنسا.
- ما أكبر مصادر المياه في إيران وأين يتم إنفاقها؟
المصدر الرئيسي لإمدادات المياه في إيران هو الآبار الجوفية، وأكبر مستهلك للمياه هو القطاع الزراعي. وبحسب وزارة الطاقة، فإن نحو 90% من مياه إيران تستخدم في الزراعة. ولكن تعتقد وزارة الجهاد الزراعي أن هذه النسبة هي حوالي 70%. وتستخدم الصناعة حوالي 2.5% من المياه، ويُقسم الباقي بين الخدمات البلدية والاستهلاك المنزلي.
وتُستخرج 70% من المياه اللازمة للزراعة من الآبار الجوفية، و30% من المياه السطحية.
- إذا استمر النموذج الحالي لاستهلاك المياه، ولم تتغيّر سياسات الدولة المائية، كيف تقيم المستقبل؟
عندما تخلق أزمة ما في أي سياق، لا يمكن استمرار المسار بنفس الطريقة، لأن الآليات وردود الأفعال ستكون مختلفة وبالتالي ستتغير السلوكيات. وأنا أعتبر الوضع المائي في إيران هو التوتر الحقيقي، وإذا استمر على هذا النحو، فمن المؤكد أن البلاد ستواجه أزمة مياه على نطاق واسع. لكنني على يقين من أنه، قبل ذلك، سيحدث تغيير قسري في نمط الحياة وسياسات البلد.
تهطل سنويا على إيران ما يعادل 100 إلى 140 مليار متر مكعب من الأمطار، وبسبب وجود سلاسل الجبال، فإن الرطوبة التي تأتي من السهول والأراضي المنخفضة، ينزل جزء منها في إيران والجزء الآخر يمر عبرها ويتحول إلى مطر في جبال الهيمالايا وكشمير.
لذلك فإن الخطر الأكبر على المياه الزراعية في السهول والبلاد المسطّحة، وخاصة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأود أن أحذر أصدقاءنا في هذه البلدان ليكونوا أكثر حساسية بالنسبة لتغير المناخ.
- ما أسباب ضعف إصلاح السياسات المائية السنوات الماضية؟
صنع السياسات في البلدان هو مزيج من الأخطاء التي يمكن السيطرة عليها والأخطاء التي لا يمكن السيطرة عليها. وعندما نقوم بتقليص قطاع الخدمات، الذي يمثل 55% من الناتج المحلي الإجمالي لإيران (9.6% الزراعة و35.5% الصناعة) بسبب العقوبات المصرفية والاقتصادية، فإننا مضطرون للضغط على الزراعة والصناعة لضمان الرفاهية الوطنية.
ولذلك، وفي القسم الأول لم يتم تعديل جزء من السياسات المائية، وهي تندرج تحت الأخطاء التي يمكن السيطرة عليها. وفي القسم الثاني الذي يندرج في فئة الأخطاء التي لا يمكن السيطرة عليها، ضغطت العقوبات على إيران على مواردنا المائية السنوات الأخيرة.
- ما السبل والوسائل المناسبة للخروج من هذا الوضع؟ وهل السيطرة على الأزمة في يد الشعب أم الحكومة؟
إن الطريق الرئيس للخروج من أي أزمة، دائمًا، في أيدي الشعب. ولكن يجب أن يتكامل دعم الشعب مع السياسات الصحيحة للحكومة.
أهم مخرج هو معالجة عجز الميزانية وانخفاض قيمة العملة الوطنية. لأنه، مع زيادة التضخم وانخفاض القوة الشرائية للناس، لا يمكن رفع أسعار أهم الموارد الضرورية للبقاء مثل الماء والغذاء والطاقة، حتى تتمكن أضعف شرائح المجتمع من استخدامها. إلى جانب تثقيف الناس والساسة، هي خطوة أخرى تلعب دورًا مهمًا في التغلب على الأزمات.
- ما المناطق الأكثر عرضة للخطر المائي في إيران وما مصيرها؟ وهل تدفع الأزمة سكانها للهجرة؟
بسبب تغيير المناخ ستحدث بالتأكيد تحولات وتنقلات في العالم ولاسيما في إيران، لتأثيرها على حصص المياه.
تعد المناطق الوسطى (يزد-كرمان)، وشرق إيران (بلوشستان وخراسان) أكثر عرضة للخطر في هذا الصدد. بخلاف جنوب إيران، وبسبب وجود الخليج وبحر عُمان يمكن تحلية المياه للاستخدام المنزلي أو الصناعي أو للزراعة الدفيئة. وستكون هناك أیضا مياه في الشمال بسبب وجود بحر قزوين وسلسلة جبال البرز، وكذلك غرب إيران بسبب وجود جبال زاغروس وهطول الأمطار.
- ما التوقعات للمرحلة القادمة؟
رغم التوتر الذي تعانيه إيران حاليا على خلفية أزمة المياه، إلا أننا لم ندخل مرحلة أزمة المياه على المستوى الوطني. وعلى الرغم من أن أزمة المياه حدثت في بعض المناطق، لكن يمكن تصحيح ذلك من خلال التخطيط الصحيح والإدارة الجيدة. ووفقا لذلك ستكون البلاد قادرة على إدارة قضايا المياه لمئات السنين.
وفي النهاية، من المهم القول إن هذه المشاكل ليست حكرا على إيران، بل تشمل كل المنطقة التي باتت في نفس القارب. ولن يكون الخروج من هذه الأزمة ممكناً إلا بالتعاون بين دول المنطقة والجامعات والمؤسسات ذات الصلة فيها.
المصدر: الجزيرة. نت