عبدالله سليمان علي
بالتزامن مع مظاهر التصعيد العسكري الذي تعيشه مدينة درعا جنوب سوريا منذ أسابيع عدّة بهدف تغيير اتفاق التسوية لعام 2018 وإعادة بنائه على أسس جديدة، كانت محافظة السويداء الجنوبية أيضاً على موعد مع تطور سياسي/عسكري تمثّل بالإعلان عن تأسيس حزب “اللواء السوري”، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات كثيرة حول خلفيات هذه التطورات وأهدافها، لا سيما أنها جاءت متزامنة مع دعوة ملك الأردن عبدالله الثاني الى الحوار مع النظام السوري.
وكشفت أحداث درعا التي لا تزال متواصلة ولم تصل إلى محطتها الأخيرة بعد، عن ثغرة هائلة في التنسيق بين روسيا وإيران، بل ذهبت بعض التحليلات إلى الحديث عن تضارب مصالح بين الدولتين في درعا متهمةً إيران بالتسبب في الأزمة الأخيرة بهدف العمل على توسيع نفوذها وترسيخ وجودها في المحافظة الحدودية مع الأراضي االتي تحتلها إسرائيل. وقد قرأ البعض غياب روسيا عن التصعيد العسكري الأخير وتمسكها بدور الوساطة على أنه مسعى روسي لتلقين إيران درساً في درعا مفاده أنه ليس بإمكانها التقدم على الأرض من دون الغطاء الجوي الروسي. في المقابل رأى آخرون أن ذهاب إيران إلى التصعيد من دون أن تطلب غطاءً روسياً من شأنه أن يكشف عن تفاقم النفوذ الايراني في المنطقة وأنها باتت تشعر بأنها قادرة على العمل بمفردها بعيداً عن الأجندة الروسية التي تكبلها اتفاقات مع كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
وعلى الرغم من أن توزيع الأدوار بين روسيا وإيران ما يزال احتمالاً قائماً وربما الأكثر واقعية، بحيث تتولى إيران دور الشرطي السيء بينما تقوم موسكو بدور الشرطي الجيد للوصول إلى أهداف مشتركة تتقاطع فيها مصلحتا البلدين، فإن الأمر الجوهري هو أن دور إيران في الجنوب بات يشكل محور التصعيد الأخير وبالتالي سيكون له دور في تحديد طريقة حلّه.
في غضون ذلك، أعلن الصحافي السوري مالك أبو الخير المتحدر من محافظة السويداء والمقيم في فرنسا عن تأسيس حزب “اللواء السوري”. ولم يجد مؤسس الحزب حرجاً في الحديث عن مساعيه للحصول على دعم من الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ أهداف حزبه المتمثلة في جانب منها في محاربة الارهاب والقتال ضد خلايا “داعش” في ريف السويداء الشرقي على مشارف البادية السورية. غير أن واشنطن ليست وحدها التي يتواصل معها مؤسسو الحزب الجديد، فقد نقلت قناة “أورينت” عن مصادر خاصة بها أن تمويل حزب “اللواء السوري” يأتي من كل من بريطانيا وقطر.
وجاء في مقدمة البيان الأول الذي أصدره الحزب لتحديد أهدافه وخطواته أنه “بعد توزع القوى في سورية إلى مناطق نفوذ أميركية وروسية وتركية وميليشيات لبنيانية وعراقية تابعة لإيران، وتحول الجنوب السوري ساحة صراع بين أطراف دولية عديدة سعت إيران بالتعاون مع أجهزة الأمن إلى دعم عصابات إرهابية مسلحة وقدمت لهم بطاقات أمنية وكل التسهيلات لتشويه صورة السويداء عبر ضرب تاريخها المشرّف حيث تحولت المحافظة من مكان يحتمي فيه أبناء سوريا من أهوال الحرب إلى مكان لخطفهم وتعذيبهم.. وأغرقت المحافظة بالمخدرات ونشرت الفساد وما نتج منه من فقر وقهر وعجز مالي حول شباب بني معروف مرتزقة تقبل الذهاب إلى ليبيا وغيرها من الدول من أجل تأمين لقمة عيشها”.
وهكذا فإن الهواجس من إيران ومخاطر أدوارها تلوح من جديد في قلب التطورات التي تشهدها محافظة السويداء بالتزامن مع تطورات درعا، فهل هي محض صدفة أم أن المنطقة الجنوبية في سورية باتت تعيش على وقع سيمفونية واحدة يحركها مايسترو واحد يضع الوجود الايراني في سوريا نصب عينيه؟.
قد تكون الإجابة عن هذا التساؤل سابقة لأوانها بخاصة أن المعطيات حول تأسيس حزب “اللواء السوري” وحقيقة أهدافه وتوجهاته لايزال يعتريها الكثير من النقص والافتقار إلى الدقة. فالولايات المتحدة لم تتخذ أي موقف من الحزب الوليد ولم تؤكد أو تنف مزاعم مؤسسه حول تلقيه دعماً أميركياً في إطار التحالف الدولي للقتال ضد “داعش”. لكن هناك معطيات أخرى قد تشي بوجود بوادر لتنفيذ مشروع خارجي في الجنوب السوري يطابق أو على الأقل يقتبس من مشروع “قوات سوريا الديموقراطية” في المنطقة الشرقية، الأمر الذي أثار مخاوف حقيقية من أن يكون الإعلان عن تأسيس الحزب بمثابة إنذار لاستنساخ النزعات الانفصالية في الشرق بهدف العمل على تطبيقها في الجنوب.
ومن أبرز هذه المعطيات وجود علاقة بين مالك أبي الخير وسامر الحكيم أحد متزعمي الجماعات المسلحة في السويداء والمتهم بعلاقته مع “قوات سوريا الديموقراطية”.
وقد حاول الحكيم في شهر شباط (فبراير) الماضي تشكيل مجموعة مسلحة في قرية خازمة في ريف المحافظة الجنوبي الشرقي. وقد نقلت شبكة “السويداء 24” الإخبارية المحلية عن مصادر خاصة أن سامر الحكيم قال أمام وجهاء القرية أنه يسعى الى تشكيل فصيل مسلح بدعم من دول خارجية لم يسمها ويعتزم إنشاء معسكر للتدريب وأن باب الانتساب مفتوح مقابل رواتب شهرية مغرية.
واضاف الحكيم أن “مقاتلات من ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية /قسد سيشرفن على عمليات التدريب وأن الفصيل سيكون نواةً لإنشاء حماية وإدارة ذاتية في المحافظة وسيتولى مهمة محاربة عمليات التهريب باتجاه الحدود الأردنية”، بحسب ما نقلت عنه شبكه “السويداء 24″، علماً ان قرية خازمة تقع على الحدود مع الأردن.
ويبدو أن إخفاق الحكيم في محاولته الأولى اذ طره الأهالي من القرية رافضين مشروعه، دفعه إلى التحالف مع مالك أبي الخير وإعادة تصدير مجموعته تحت مسمى “قوة مكافحة الارهاب” التي تعتبر بمثابة الذراع العسكرية لحزب “اللواء السوري”.
ورغم أن سامر الحكيم كان متهماً بعلاقاته مع أجهزة أمن سورية ومع روسيا، في بعض المراحل، بحسب تقارير إعلامية معارضة، فإنه على ما يبدو قرر نقل بندقيته إلى الكتف الأخرى، وهو ما استدعى أن يقوم “الدفاع الوطني” بتهديد قوة مكافحة الارهاب معتبراً أي حاجز لهذه الميليشيا في السويداء أو في المنطقة الشرقية من المحافظة هدفاً مشروعاً، بحسب ما جاء في بيان نشره “الدفاع الوطني” قبل أيام. ووصف البيان حزب “اللواء السوري” بأنه “دواعش جدد” و”عملاء إسرائيل والمخابرات الفرنسية”.
المصدر: النهار العربي