صالح ملص
يدرك السوريون كلفة إفلات مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من العقاب، وعدم تقديمهم للعدالة، فذاكرة الناس ممتلئة بمخلفات المجازر والسياسيات العنيفة منذ الثمانينيات من القرن الماضي في سوريا وحتى اليوم، وعدم المحاسبة يعني السماح لتلك الجرائم بالاستمرار في المستقبل من دون رادع، وتمكين الجناة من الحفاظ على مكاسبهم غير المشروعة من الجرائم.
والعدالة الانتقالية هي نقيض الإفلات من العقاب، التي تؤكد على انتقال سوريا نحو مستقبل مسالم ومستدام، ولكن التهيئة لهذه المرحلة ستكون أبرز التحديات التي تواجهها المنظمات الحقوقية السورية.
خلقت العشر سنوات الأخيرة في سوريا بيئة من التحديات التي يجب تجاوزها للوصول إلى تنفيذ العدالة الانتقالية، أولها تفعيل القرار الأممي رقم “2254” بمواده الـ16، وتطبيق وقف دائم لإطلاق النار من أجل تهيئة عبور السوريين إلى فترة حكم انتقالي جامع في غضون ستة أشهر.
فمع استمرار النزاع المسلح في سوريا، لا إمكانية لوجود عدالة انتقالية، إنما هناك ما يمكن إنجازه ضمن هذا النزاع الطويل إلى حين إعلان توقفه، مثل توثيق الجرائم والانتهاكات، التي يمكن من خلالها أن تقطع شوطًا طويلًا يمهد الطريق لنجاح مرحلة العدالة الانتقالية.
عدالة متوازنة
يقول مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة” محمد العبد الله في حديث إلى عنب بلدي، إن “آليات العدالة الانتقالية يجب اختيارها بعد إجراءات وطنية عامة، تشمل جميع شرائح الشعب السوري وتتيح الفرصة لسماع صوت الناس. العدالة الانتقالية ليست عدالة بحتة، وإنما هي تعامل مع الماضي، وذكرى شاملة لمجتمع كامل”.
ففي مرحلة ما بعد النزاع في سوريا هناك عدد كبير من الأهداف المهمة التي يجب تحقيقها، لأن الذين هُجروا بسبب النزاع سيحاول بعضهم العودة إلى مناطقه الأصلية، والذين فقدوا أقربائهم في المعتقلات سيبحثون عن مصيرهم، وأولئك الذين فقدوا مصادر رزقهم أو ملكياتهم سيحرصون على بدء إعادة بناء أنفسهم اقتصاديًا.
وبالتالي فإن قضايا السوريين متعددة، “يجب على العدالة أن تكون متوازنة، لا تركز فقط على مساءلة الجناة، أو تعويض الضحايا، بل يجب أن يتوزع تركيزها على إصلاح القطاع الأمني، مثل إقالة المتورطين من مؤسسات الدولة، لأن العقوبة لوحدها لا تضمن عدم تكرار الجريمة التي ارتكبت بحق مجموعة واسعة من الأفراد”، وفق ما يراه العبد الله.
وهناك حاجة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة، لاستعادة الخدمات التي يتوقعها السكان من حكومتهم، من أجل تقديم علامة صريحة لسيادة القانون، واستعادة ثقة المجتمع بتلك المؤسسات.
و”تأتي العدالة الانتقالية بالضرورة بعد مشاورة وطنية واسعة النطاق، من خلال مراجعة للأحداث والانتهاكات التي تعرضها لها الشعب السوري، وإعطاء الناس فرصة لتبادل تجاربهم وتوقعاتهم، والبحث في جدوى هذه العدالة وتأثيرها”، بحسب ما أضافه العبد الله.
والتواصل بين مجتمعات الضحايا من كافة الأطراف أمر مهم في تأسيس شرعية العدالة الانتقالية، كونها تشعر الأفراد كلهم بأنهم مشمولين في هذه العملية، ويساعد ذلك في تسليط الضوء على التوقعات التي يمكن تلبيتها نظرًا لوجود قيود لا مفر منها خلال المرحلة الانتقالية.
و”من الصعب أن نختار آليات العدالة الانتقالية”، وفق ما يراه العبد الله، لأن هناك أهدافاً كثيرة ستُحدد من قبل السوريين أنفسهم بالاستناد إلى نقاش عام ودراسة واعية لتلك الآليات.
بموجب تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول “سيادة القانون والعدالة الانتقالية” عام 2004، تعرّف “العدالة الانتقالية” على أنها “كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي واسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة. وقد تشمل هذه الآليات القضائية وغير القضائية على السواء، مع تفاوت مستويات المشاركة الدولية (أو عدم وجودها مطلقًا) ومحاكمات الأفراد ، والتعويض، وتقصي الحقائق، والإصلاح الدستوري، وفحص السجل الشخصي للكشف عن التجاوزات، والفصل أو اقترانهما معًا”.
أكثر من مليون وثيقة
أبرز معالم العدالة الانتقالية المنشودة في سوريا هو محاكمة الأشخاص الذين يتحملون أكبر قدر من المسؤولية عن الجرائم الأكثر خطورة، وقد يتحملون مسؤولية فردية مباشرة عن الجريمة.
وتعتمد الآليات القضائية أو غير القضائية على التحقيق والتوثيق للجرائم والانتهاكات التي حدثت في سوريا بعد 2011، من خلال تقصي الحقائق، والتعويض، والتحري، وتقع مسؤولية هذا الجهد على النشطاء السوريين، والصحفيين، ومنظمات المجتمع المدني، خصوصًا الحقوقية منها، وصانعي السياسات.
وفي 2017، حذفت إدارة موقع “يوتيوب” آلاف المقاطع المسجلة التي توثق العنف في سوريا، إذ صنفت تلك المقاطع على أنها “غير ملائمة” من خلال نظام يعمل تلقائيًا صمم للتعرف على المحتوى المتطرف.
“المركز السوري للعدالة والمساءلة” نجح ـ حسب العبدالله ـ في جمع مليون ونصف مليون مقطع مسجل قبل أن يحذفها (يوتيوب)، بالإضافة إلى جمع وثائق من الأجهزة الأمنية السورية التي وقعت بأيدي أشخاص انشقوا، أو تُركت في مناطق سيطرة عليها قوات المعارضة، حجم هذه الوثائق هي 500 ألف صفحة ورقية، أخرجها فريق الموثقين في المركز بالتعاون مع منظمات حقوقية شريكة أخرجت وثائق أخرى لدينا صور طبق الأصل لها”.
للمساءلة وللتاريخ
ومن أهداف “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، ضمان حفظ قصص ضحايا الانتهاكات في سوريا، ليس فقط من أجل عملية المساءلة إنما للتاريخ أيضًا، وأنجز المركز “أكثر من 300 مقابلة مع ضحايا العنف الجنسي في سوريا”، وفق العبد الله.
هذه المقابلات هي جزء من التاريخ الشفوي الذي يجري من خلاله تجميع الشهادات الشفوية، بوصفها جزءًا من التاريخ المكتوب لهذه الفترة من تاريخ سوريا، وجزء من شهادات على وقائع وحوادث تاريخية عنيفة قد يفيد استخدامها في مسار المساءلة.
إذ للشهادة الشفوية دورها ووظيفتها الكاشفة للأحداث التي يمكن أن تذوب مع الماضي، وبالتالي كل قصة من قصص الضحايا هي صورة مختلفة من أجل حفظ تاريخ عشر سنوات من النزاع، من وجهة نظر من عاشها من الأشخاص العاديين.
وتحتاج المحاكمات إلى وفرة الشهادات، في الوقت الذي تطمس فيه أطراف النزاع الأدلة التي تثبت ضلوعها بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا، وهنا تبرز أهمية الشهادات الشفوية في توفير إفادات وإضافات عن هذه الانتهاكات.
قضية علاء موسى
الوصول إلى قناعة كاملة بإثبات المسؤولية الجنائية لشخص معين عن انتهاك في سوريا، يكون بمقاربة نفس الواقعة الجرمية بطرق أو أساليب مختلفة يجب أن توصل إلى نفس النتيجة، لأن الأدلة المستقاة من مصادر مختلفة يمكن أن تتوافق في النهاية إلى نفس الاستنتاجات وتعززها بشكل كبير لدى مكتب الادعاء العام.
يضرب الحقوقي محمد العبد الله مثالًا توضيحيًا على ذلك، “هناك مقاطع مسجلة على يوتيوب كانت موجودة من عام 2012 تظهر قصف مشفى (البر) في الرستن بالطيران، وهناك مقاطع مسجلة من داخل المسفى تظهر مدنيين تعرضو للقصف، صوّرت من قبل نشطاء، أو صحفيين مواطنين، وبمحض الصدفة بعد عدة سنوات كنا نرتب الوثائق القادمة من قبل الأجهزة الأمنية، عثرنا على وثيقة تقول بشكل واضح إن (هناك مواقع لتحصن إرهابيين بمشفى البر بالرستن، نقترح التشويش على المشفى بالمدفعية والطيران)، ولواء مديرية المنطقة الوسطى بحمص يقول حرفيًا بحسب الوثيقة (موافق)، وهذا يدل على إعطاء أمر، وبهذه الحالة لدينا الأمر ولدينا المقطع المسجل، وربطها تم عبر قاعدة البيانات”.
ويضيف العبد الله، “كذلك الأمر في المقابلات مع الضحايا، إذ يتم ربطها بالانتهاكات عن طريق تطابق التواريخ والأحداث، وتطابقها مع الجهة الفاعلة وأسماء مرتكبي الفعل، وهذه وظيفة قاعدة البيانات بشكل أساسي. فمن دون قاعدة البيانات يستحيل لأي شخص الاعتماد على ذاكرته لتوثيق الأحداث”.
“قاعدة البيانات والوثائق التي يمتلكها المركز ليست جاهزة حتى الآن لاستخادمها في المحاكمات حاليًا، لأن حجم الأدلة أكبر بكثير من إمكانية تحليله بهذه الطريقة”، وفق العبد الله، و”نحن متأخرون بتحليل وربط قاعدة البيانات، حللنا إلى الآن نحو 400 ألف مقطع مسجل من أصل مليون ونصف، وهناك 80 ألف صفحة أساسية من قبل الأجهزة الأمنية، عملنا على ربط وتحليل خمسة آلاف صفحة فقط، أما المقابلات، فقمنا بتحليل 180 مقابلة لها علاقة بالعنف الجنسي حتى الآن”.
و”لدينا معلومات كافية لخدمة جهود العدالة التي تحصل في بلدان العالم، وتخدم (لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا) التابعة للأمم المتحدة، في عملها ببناء ملفاتها التي لها علاقة بالانتهاكات، إذ قدمنا إليها خمسة آلاف صفحة من الوثائق، بالإضافة إلى تقديم هذه الوثائق إلى اتحاد الشرطة الأوروبية (يوروبول)”، وفق العبد الله.
وفي 19 من حزيران 2020، ألقت السلطات الألمانية القبض على الطبيب علاء موسى، المتهم بتعذيب المعتقلين وحرق أعضائهم التناسلية في أثناء عمله طبيبًا لدى النظام السوري.
و”أُرسلت إفادة الشاهد الرئيسي في هذه القضية لنا من قبل طبيب، وأرسلناها إلى الشرطة الألمانية التي أسهمت باعتقاله وتوجيه الاتهامات له”، وفق ما ذكره العبد الله.
وفي أيلول الحالي، سنطلق “المركز السوري للعدالة والمساءلة” برنامجاً خاصاً في السويد وألمانيا وهولندا، هدفه الأساسي تعزيز التعاون بين الناشطين واللاجئين السوريين، وبين مكاتب الادعاء العام في تلك الدول من أجل مساعدتهم في توفير وجمع بيانات وأدلة للانتهاكات في سوريا، وفق العبد الله، فضلًا عن تأمين معلومات حول التصورات والتوقعات حول العدالة الانتقالية، وسيستمر هذا البرنامج على الأقل سنة ونصف السنة.
جلسة محكمة ألمانية في كوبلنز لمقاضاة الضابطين السوريين أنور رسلان وإياد الغريب بارتكاب جريمة ضد الإنسانية- 23 من نيسان 2020 (AFP)
ضبط التوقعات
يقول العبد الله، إن “توجيه لوائح الاتهام الجنائية لكبار الضباط في سوريا يعزز جهود العدالة الانتقالية، ولكن علينا ضبط التوقعات بخصوص هذا الموضوع، لأن هناك تضخيماً أو مبالغة فيه لعدة أسباب، أولها أن توجيه الاتهامات حصل في قضاء وطني بدول أوروبية ضمن الاختصاص العالمي لحقوق الإنسان (الولاية القضائية العالمية)، وليس داخل محاكمات دولية، والمؤسف أن المحاكمات الغيابية ممنوعة في أوروبا، وبالتالي أقصى ما يمكن التوصل إليه هو تقديم شكوى ضد القيادات العسكرية من أجل إصدار مذكرات توقيف بحقهم”.
ويتابع، “إذا حصل ذلك، فسيتم توجيه الاتهام على أساس مسؤولية فردية بارتكاب الجريمة، وبإدارتها والموافقة على ارتكاب الانتهاك، وليس على أساس مسؤولية حكومة النظام السوري بكاملها، لأن الذين سيحاكمون هم أفراد أعطوا أوامر بارتكاب الجرائم وليس الحكومة، وبالتالي، فإن المحاكمات لن تنزع الشرعية عن عن حكومة النظام، فطالما أن النظام لا يزال ممثلاً للشعب السوري داخل الأمم المتحدة، فهو يتمتع بشرعية سياسية، فإذا لم يحاكم النظام بمحكمة دولية فمن الصعب ربط محاكمة أفراد بنزع الشرعية عن النظام السوري”.
ونوه العبد الله إلى نقطة مهمة في سياق المحاكمات الأوروبية لأشخاص ضالعين بالانتهاكات داخل سوريا، وهي أن “ولاية الاختصاص العالمية” لا تصل إلى محاكمة رؤساء ووزراء الدول، لأن لديهم حصانات دبلوماسية دولية، فلا تستطيع أي دولة من خلال محكمتها الوطنية محاكمة هؤلاء الأشخاص، فـ”إذا حصل هذا الأمر، فكل دولة ستستغل المحاكمات من أجل مصالحها السياسية ضد دولة أخرى، وبالتالي، أقصى ما يمكن الوصول إليه ومحاكمته هم رؤساء الأجهزة الأمنية، وتقتصر على الأشخاص الذين وجدوا على الأراضي الأوروبية”.
وإصدار مذكرات الإحضار الغيابية خلال المحاكمات في أوروبا، يعزز من رواية الضحايا للانتهاكات التي تعرضوا لها، ويثبت إفادات الشهود.
و”كثرة المحاكمات غير مرتبطة بكثرة الضغط السياسي على النظام السوري، هي فقط تزيد من فرصة معرفة عدد وأسماء الجناة”، وفق ما يراه العبد الله، وبالتالي، “ملفات العدالة لا تسقط النظام السوري سياسيًا”.
“فيتو” روسي
المعلومات والبيانات المتوفرة عن انتهاكات النظام، لم تساعد في إحراز تقدم في الجهود الدولية نحو تحقيق العدالة على الجرائم الدولية الماضية والحالية داخل سوريا، لأنها ليست دولة طرفًا في “المحكمة الجنائية الدولية”.
ولذلك، في حال لم تقبل حكومة النظام السوري ولاية المحكمة للنظر في الجرائم التي ارتكبتها خلال السنوات العشر الماضية طوعًا، ستضطر المدعية العامة في هذه المحكمة إلى إحالة الوضع في سوريا إليها من قبل مجلس الأمن، حتى تفتح تحقيقًا هناك.
واستخدمت روسيا حق النقض “الفيتو” ست مرات، اعتراضًا على قرارات لمجلس الأمن كان من شأنها منح المدعية هذه الولاية، الأمر الذي حال دون القيام بأي خطوات على طريق ضمان المحاسبة الدولية لحكومة النظام، في سوريا أو خارجها، ما أسهم في وقوع مزيد من الانتهاكات.
تختص “المحكمة الجنائية الدولية” بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة، بموجب المادة الخامسة من قانون المحكمة، ونظامها الأساسي الذي تقتصر مواده على أشد الجرائم خطورة.
وللمحكمة شخصية قانونية مستقلة، الهدف من إنشائها ملاحقة مرتكبي الجرائم ومعاقبتهم.
في حال أُنشئت محكمة دولية خاصة في سوريا، فإن الاختصاص القضائي الذي ستعتمد عليه “المحكمة الجنائية الدولية” هو نظام روما الأساسي، وستصدر اتهامات حسب طبيعة الانتهاكات التي حدثت، ومنح هذه المحكمة صلاحية النظر بملف الانتهاكات داخل سوريا، وهي بذلك ستنظر في قضايا تعود إلى تاريخ دخول نظام روما الأساسي حيز التنفيذ في 1 من تموز 2002.
ولكن، قام مجلس الأمن بإحالة ملفات إلى “المحكمة الجنائية الدولية” في مناسبتين فقط، ملف إقليم دارفور في السودان في 2005، وملف ليبيا في 2011.
وفشل مجلس الأمن في التحرك بعدة مناسبات مهمة أخرى توفرت فيها أدلة قوية على ارتكاب جرائم خطيرة على نطاق واسع، واحتمالات ضئيلة بوجود محاسبة داخلية وطنية، مثل الملف السوري، ويعني ذلك أن مجلس الأمن يعزز ثقافة الإفلات من العقاب ويترك الضحايا في خيبة أمل بحرمانهم من العدالة.
متظاهر يرتدي قناع وجه رئيس النظام السوري بشار الأسد جالسًا على الأرض داخل قفص الاتهام أمام “المحكمة الجنائية الدولية” في لاهاي غربي هولندا- 7 من حزيران 2011 (ROBIN UTRECHT / ANP / AFP)
متظاهر يرتدي قناع وجه رئيس النظام السوري بشار الأسد جالسًا على الأرض داخل قفص الاتهام أمام “المحكمة الجنائية الدولية” في لاهاي غربي هولندا- 7 من حزيران 2011 (ROBIN UTRECHT / ANP / AFP)
بديل “الجنايات الدولية”
وفي 2013، اقترح مسؤولون أمريكيون إنشاء محكمة منفصلة وخاصة كبديل عملي لـ”المحكمة الجنائية الدولية”، وبذل أعضاء في الكونغرس الأمريكي وخبراء في القانون الجنائي الدولي الجهود لإنشاء محكمة دولية خاصة لسوريا.
وهناك نموذج للمحكمة الدولية القائمة بذاتها، مثل المحاكم التي شُكلت في يوغوسلافيا السابقة ورواندا، وفق ما أوضحه العبد الله.
هذه المحاكم اُنشئت بموجب قرارات من مجلس الأمن وكان القضاة والمسؤولون والعاملون الذين يشكلون هذه المحاكم في العادة من الخبراء الدوليين، وليس من الدول التي وقعت فيها الجرائم.
النموذج الثاني هو النموذج المختلط، بين النظام الوطني والدولي للمحكمة، مثل المحكمة الخاصة بسيراليون، التي اُنشئت خارج نطاق القضاء الوطني، والدوائر الخاصة في محاكم كمبوديا، التي تم إنشاؤها في نطاق النظام المحلي للقضاء.
و”في حال أنشئت محكمة دولية خاصة لسوريا، سيتم تحديد أرضية المحاسبة ضمن هذه المحكمة بموجب ميثاق تأسيس المحكمة، سواء بالاعتماد على القانون الإنساني الدولي أو نظام روما الأساسي، فدائمًا ميثاق تأسيس المحكمة يحدد عدة تفاصيل، مثل الاختصاص الزماني للمحكمة، أي تاريخ الجرائم التي ستنظر فيها المحكمة، التي حدثت بعد 2011 فقط أم قبل وبعد 2011، أيضًا سيحدد اختصاص المحكمة المكاني، أي هل ستنظر في الجرائم التي حدثت في سوريا فقط أم في العراق أيضًا مثل جرائم تنظيم (الدولة الإسلامية)”، وفق ما أوضحه العبد الله.
لكن إنشاء محكمة دولية خاصة لسوريا يواجهه تحديات طول المدة الزمنية المرتبطة بإنشاء مؤسسة معقدة للغاية من لا شيء، كما حدث بالنسبة لمحكمة رواندا الخاصة ومحكمة يوغوسلافيا السابقة الخاصة، والمحكمة الخاصة بسيراليون.
وتعريف إطار عمل قانوني سليم، والعثور على مقرات، واستخدام عاملين مؤهلين وضمان التعاون من الدول، هي أمور تمثل تحديات كبيرة وتتطلب الوقت وكلفة أكبر من تكليف مؤسسة دائمة بالتحقيق والملاحقة القضائية.
وختم العبدالله بأن التأخر في إنشاء آلية قضائية مثل هذه، من شأنه أن يزيل أي رادع في وقف استمرار الجرائم المرتكبة بحق المدنيين في سوريا.
المصدر: عنب بلدي