ينتاب الفلسطينيون خشية وخوفا من “الغموض غير البناء”، الذي تنتهجه الإدارة الأمريكية، في تعاملها مع الاستيطان ونشاطات إسرائيل الاحتلالية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، خاصة وأن غموض السياسة الأمريكية حول هذه المسألة تفهمه حكومة إسرائيل، بأنه يمثل “ضوءا أخضر” لاستمرار نهب الأرض الفلسطينية وسرقتها بما يتعارض مع قرارات الشرعية الدولية، حيث عاودت حكومة الاحتلال لطرح تنفيذ المشروع الاستيطاني الخطير “E1“ الذي يفصل القدس المحتلة عن باقي مناطق الضفة.
لا ضغط أمريكيا
وتبرز هذه المخاوف ما أشارت إليه مصادر عبرية بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لم تضغط على إسرائيل بشأن البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، وذكرت أن إدارة بايدن وعدت بأنها لن تمارس ضغوطا على إسرائيل في هذا الشأن، طالما تعلق الأمر بمخططات ومشاريع كانت مطروحة على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية السابقة.
ووفق التقرير الذي يصدره المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، فإن الوضع الراهن في البناء الاستيطاني “سيستمر كما كان في الحكومات السابقة” وهي مخططات ومشاريع يستغرق تنفيذها فترة لا تقل عن الفترة الزمنية التي يقضيها الرئيس بايدن في البيت الأبيض، كتسوية أوضاع البؤر الاستيطانية وتحويلها إلى مستوطنات، أو إلى أحياء جديدة في مستوطنات قائمة، فيما الطرق الالتفافية الجديدة التي يجري بناؤها على قدم وساق تسمح لسكان المستوطنات في عمق الضفة الغربية وما يسمى المستوطنات المعزولة، من الانتقال إلى الداخل الإسرائيلي دون المرور في مناطق سكنية فلسطينية.
وحين تطرق التقرير إلى آخر مشاريع الاستيطان، قال إنه في ترجمة مباشرة لذلك، لم يكد يمر يومان على لقاء بايدن مع بينت، حتى عادت الحكومة الإسرائيلية لدفع المشروع الاستيطاني “E1” شرق القدس الشرقية المحتلة الى النقاش من جديد في الحكومة كما في الدوائر الاسرائيلية ذات الاختصاص.
ويمتد المخطط على مساحات واسعة من الأراضي يجري التخطيط لإقامة أكثر من 3400 من الوحدات الاستيطانية والفنادق والمناطق الصناعية الإسرائيلية عليها، وفي هذا الاطار تدفع حكومة الاحتلال برئاسة بينيت بشكل حثيث نحو تنفيذ هذا المخطط الاستيطاني على مساحة 12,443 دونمًا من أراضي شرقي القدس المحتلة.
وقد خصص الاحتلال نحو 26 مليون شيكل (الدولار الأمريكي يساوي 3.2 شيكل) لوضع المخططات والتصاميم وإجراء المسح الهندسي الخاص بالمشروع، والذي ينفذ ضمن ما يسمى مشروع “القدس الكبرى”، ويهدف إلى ربط مستوطنة “معاليه أدوميم” بمدينة القدس داخل الجدار الفاصل، ومحاصرة التجمعات البدوية البالغ عدد سكانها 7 آلاف نسمة، والذين يقطنون في البوابة الشرقية بالإضافة لإقامة شوارع وفاصل من المستوطنات لفصل الضفة وإحكام السيطرة على المنطقة الحساسة، والتي تعد أكثر حيوية.
مشروع “E1”
وفي هذا الاطار عادت قضية تهجير سكان قرية الخان الأحمر شرق القدس المحتلة الى الظهور من جديد، حيث لا زالت على أجندة الحكومة الحالية مع وجود معسكرين حاليا في الحكومة بشأن إخلاء الخان، ومن المعلوم بأنه يحيط بالخان الأحمر عدد من المستوطنات، حيث تقع ضمن الأراضي التي يستهدفها الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مشروعه الاستيطاني المسمى E1، ومن شأن تنفيذ الاخلاء أن يؤدي الى طرد سكان الخان الأحمر فهدم القرية من شأنه التمهيد لإقامة مشاريع استيطانية تقسم الضفة الغربية إلى قسمين بما يؤدي إلى القضاء على خيار ما يسمى “حل الدولتين”.
وعلى صعيد آخر أطلقت بلدية الاحتلال في مدينة القدس المحتلة خطة “تسوية الحقوق العقارية” بهدف إنكار العديد من الحقوق الفلسطينية في العقارات، ووضع يد دولة الاحتلال عليها ومصادرتها بحجج عدم وجود إثباتات ملكية كافية أو إعادة تفعيل قانون “حارس أملاك الغائبين” ضمن السياسة العامة الرسمية الهادفة الى تفريغ المدينة من سكانها وتهويدها.
ولهذا الغرض وجهت رسائل من قبل ما يسمى بقاضي تسوية الأراضي، الى مواطنين في القدس الشرقية المحتلة تبلغهم فيها أنه “في الفترة القريبة المقبلة سنبدأ بتسوية الأراضي في المدينة”.
ونقل التقرير الفلسطيني الذي يرصد الاستيطان، تحذير الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس، من أن قرار الحكومة الإسرائيلية البدء بتسوية حقوق عقارية وتسجيل الأراضي في مدينة القدس الشرقية يهدد بمصادرة حوالى 60% من الأملاك في المدينة، وأكد أن “أخطر ما في تسوية الأملاك تفعيل وتطبيق قانون أملاك الغائبين”، حيث تجبر تسوية الأملاك المقدسيين على دفع ضرائب باهظة عند تسجيل الأملاك في ظل غياب وعدم توفر الوثائق اللازمة لإثبات الملكية، الأمر الذي يعني مصادرة الأرض لعدم وجود بيانات أو مسح شامل للأملاك، فضلا عن ما تنطوي عليه تسوية الأملاك من شرعنة صفقات التزييف لبيوعات وتسريب الأملاك، وشرعنة وقوننة الاستيطان في المدينة.
سرقة أراض
وفي موازاة ذلك صادق ما يسمى “مجلس إدارة الصندوق القومي اليهودي”، على خطة تهدف إلى تسجيل وتنظيم الأراضي في القدس الشرقية لصالحه، حيث تسعى إدارة الصندوق لتسجيل عقارات بهدف تنظيمها لصالح اليهود في مجمل مناطق القدس وكذلك الضفة الغربية.
وتبلغ تكلفة تنفيذ الخطة نحو 100 مليون شيكل، ويهدف المشروع للسيطرة على أراضي الضفة والقدس وإخلاء سكانها الفلسطينيين، ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تؤدي في بعض الحالات لإخلاء وتهجير الفلسطينيين المقيمين في بعض تلك المناطق، حيث تغطي هذه الأراضي التي يريد الصندوق السيطرة عليها مساحة تقارب 2500 دونم، وهذه الأصول يديرها ما يسمى “حارس أملاك الدولة” منذ عام 1967، وبحسب تقديرات الصندوق القومي اليهودي، فإن بعض العقارات يسكنها فلسطينيون، وفي الحالات التي يسجل فيها الصندوق ممتلكات يسكنها فلسطينيون، فإن سلطة الأراضي الإسرائيلية التي تدير الممتلكات فعليًا، ستضطر إلى إخلائها، ومنها عقارات في منطقة القدس تقع في أحياء الشيخ جراح وبيت حنينا، وفق ادعاءات الاحتلال.
كان الصندوق القومي اليهودي قد طالب في السابق بإخلاء الأراضي الفلسطينية، فعلى سبيل المثال في 2019 تم إخلاء أحد المقاهي وعائلة فلسطينية في منطقة بيت لحم، وبعد ذلك بوقت قصير تم بناء بؤرة استيطانية، وكذلك في حي سلوان بالقدس فإن عائلة فلسطينية تخوض معركة قانونية منذ 20 عامًا لأن منزلها تم نقله إلى الصندوق القومي اليهودي.
الرئاسة تندد
من جهته قال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، وهو يرد على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت حول التوسع الاستيطاني “إن الاستيطان جميعه غير شرعي، وهو مخالف لكافة القرارات والقوانين الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية”، مؤكدا أن مثل هذه التصريحات الإسرائيلية، واستمرار سياسة فرض الأمر الواقع التي تحاول حكومة الاحتلال فرضها على شعبنا الفلسطيني “لن تنجح، وستفشل كما فشلت سياسة الضم والتوسع الاستيطاني، ولن يكون هناك شرعية لأي مستوطنة إسرائيلية تقام على الأرض الفلسطينية سواء كانت توسعا أو ضما”.
وشدد الناطق الرسمي على أن السلام والاستقرار “يتطلب الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس، وأن استمرار انتهاك إسرائيل للحقوق الفلسطينية وتحديها للشرعية الدولية لن يؤدي إلى أي سلام، بل سيساهم باستمرار حالة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة”.
كذلك انتقدت وزارة الخارجية والمغتربين، الاجتماع الذي عقده بينيت، مع رؤساء مجالس المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين في الضفة المحتلة، رافضة المواقف التي يعيدها بينيت ويكررها بشأن التزامه بدعم الاستيطان، وتأكيداته بعدم وجود أية نوايا لتجميده، وقالت إن هذا اللقاء وتصريحات بينت “استفزازية”، وأنه “تلاعب بالكلمات والألفاظ لخداع الجانب الأمريكي والقادة والمسؤولين الدوليين، وذر الرماد في عيونهم، خاصة وأن بينت وعد قادة المستوطنين بتطوير المستوطنات”.
وأكدت أن “موقف بينت هذا معادٍ للسلام ولحل الدولتين، ويندرج في إطار التصريحات التي أطلقها قبيل لقائه الرئيس الأمريكي جو بايدن في مقابلته مع نيويورك تايمز، والتي رفض فيها أية مفاوضات مع الجانب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية، وأن حكومته ستواصل التوسع الاستيطاني في الضفة المحتلة تحت ذريعة النمو الطبيعي للمستوطنين”.
المصدر: “القدس العربي”