وائل عصام
لم تمض ساعات على تصريح لمسؤول تركي وصف بـ»الكبير» قال إن أردوغان وبوتين اتفقا على»الحفاظ على الوضع الراهن في إدلب» ما اعتبره ناشطون سوريون انفراجة تبعد شبح الحرب المرتقبة هناك، حتى خرج تصريح مناقض تماما للكرملين يقول، إن بوتين وأردوغان أكدا تصميمهما على «تفريغ إدلب من الإرهابيين» وهذا ما يذكرنا بأن التصريحات التركية الرسمية بخصوص سوريا عموما يجب أن «تؤخذ مع قطعة من الملح» كما يقول المثل الإنكليزي، ابتداء من التوقعات الطموحة بالصلاة في الجامع الأموي بدمشق، حتى الخط الأحمر في حلب، وصولا إلى «الرؤوس التي ستخلع من فوق الأكتاف» في إدلب!
علينا أن نتذكر أن التصريحات نفسها كانت تتكرر، بينما تستولي قوات النظام على 3 مناطق خفض تصعيد من أربع مناطق، كان يفترض أنها محمية باتفاق إقليمي تلعب فيه أنقرة دور دولة ضامنة.
قبل نحو عام ونصف العام اضطرت تركيا للقبول بوقف إطلاق للنار بالشروط الروسية، ومن دون تحقيق مطالبها بتراجع قوات النظام من المدن والبلدات التي استولت عليها، وحاصرت فيها نقاط المراقبة التركية، ورغم غضب الرئيس التركي أردوغان بعد مقتل العشرات من جنوده بقصف جوي، وتصريحه الذي بدا حاسما حينها عن «الرؤوس التي ستخلع من فوق الأكتاف» إذا لم تتراجع قوات النظام، لكن من تراجع حينها هو الحكومة التركية، وكأن لقاء بوتين يجب ما قبله، ولم يكن هذا التراجع مفاجئا للمراقب، ولا جديدا، فقبل إدلب، استعاد النظام ثلاث مناطق «خفض تصعيد» لكن هذا لا يعني أن الجانب التركي هو المسؤول عن خسائر المعارضة السورية، بل هي حدود تحركات أنقرة وقدراتها على التأثير في سوريا أمام إيران وروسيا، اللتين قبلت بمشاركتهما في اتفاقية أستانة، ربما ما يؤاخذ عليه الجانب التركي هو عدم الوفاء بتعهداته كدولة ضامنة أعلنت نفسها سابقا حليفا للثورة السورية، وزجت بجيشها عسكريا في سوريا ووضعت نفسها كدولة ضامنة في اتفاق رسمي لحماية مناطق معارضة، قامت بحراستها بقواتها المسلحة، وأدخلت ارتالا كبيرة من قواتها وجيشها إلى نقاط مراقبة تحولت إلى رهينة بيد قوات النظام، بعد محاصرتها لتنسحب في نهاية المطاف في العملية الأخيرة العام الماضي .الكثيرون لم يفهموا حقيقة أن تركيا لم تعد كثيرا معنية بنزاع النظام والمعارضة، بل معنية فقط بحماية حدودها من تدفق اللاجئين السوريين، الذين حظوا برعاية مميزة من أنقرة حتى عام 2015 وبعدها رفعت الجدران على الحدود، ونصبت بنادق القنص على أسوار المراقبة ومنع دخول أي لاجئ سوري للبلاد.
أما القضية الثانية التي تعنى فيها السياسة التركية في سوريا فهي القضية الكردية، وشنت حربا في شمال سوريا، وخاطرت بتوتر علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن من أجل لجم الكيان الكردي الموجود جنوب حدودها، لذلك ليس دقيقا القول إن أنقرة كانت غير قادرة على التدخل أكثر لصالح الثورة، بحكم ميل التوازنات ضدها، بل هي لم تعد تجد في الثورة السورية ذات الصبغة السنية، ضد نظام الأسد العلوي أمراً يخص مصالحها القومية، ربما لأن العلويين في تركيا لا يمثلون تهديدا كبيرا، كما يشكل الأكراد، الذين تخوض أنقرة نزاعا داميا معهم منذ نصف قرن، هذه الحقائق لا يريد أصحاب النظرة الإسلامية السنية الاعتراف بها، لانهم مصرون على النظر لحكم حزب العدالة والتنمية كسليل للعثمانية، ويا ليتهم ما فعلوا، فقد ورطوا مروياتهم عن الحقبة العثمانية، بعد أن فهم سنة سوريا والعراق حقيقة السياسات القومية أولا!
حملة القصف الجوي المتواصلة على إدلب منذ أسابيع، تبدو تمهيدا لعملية برية مقبلة وإن تأجل تنفيذها، لاستعادة الطريق M4 ومن بعدها تصبح إدلب بحكم المحاصرة، ومن المرجح إبقاء شريط حدودي من مخيمات النازحين يمتد من الدانة حتى حارم وصولا لدركوش، بهدف طمأنة الأتراك من قضية دخول مزيد من النازحين، فأنقرة تخشى تقدم النازحين لأراضيها (المهاجرين سابقا) أكثر من تقدم النظام لأراضي المعارضة، وإن حصل هذا السيناريو؛ وترك النظام وروسيا هذا الشريط من مخيمات اللاجئين، فإن أهدافهم ستكون، إضافة لطمأنة أنقرة، ترك بقعة أخيرة لإخراج المقاتلين الجهاديين من مدينة إدلب، فإدلب كانت ملجأ كل المقاتلين الخارجين من مدنهم، وآخرها درعا البلد، فأين سيذهب مقاتلو إدلب ومن لجأ لإدلب؟ الحل المؤقت بالنسبة للنظام هو ترك هذا الشريط الحدودي للمخيمات ليكون منفى مؤقتا للمقاتلين لفترة زمنية ما، وليتركوا لتركيا أمر حراسته وحراسة حدودها من النازحين، ولعل النظام سيجد بذلك أيضا فرصة للتخلص من عبء تحمل مسؤولية إسكان ومساعدة هذا الكم من النازحين، وإدخال المساعدات الإنسانية لآخر بقعة تجمع نازحي مناطق الثورة السورية، باختصار قد يتحول هذا الشريط لغزة جديدة إلى حين!
المصدر: القدس العربي