د. عبد الناصر سكرية
أثارت سلسلة الأحداث المتلاحقة في الشهرين الماضيين في بلاد الشام ومحيط فلسطين المحتلة؛ تساؤلات كثيرة ومتنوعة عن مدى الترابط فيما بينها وصلتها بالمرسوم دوليًا والجاري تنفيذه في هذه البلاد ..فمن أحداث درعا وما صاحبها من تحرك رسمي أردني إلى مؤتمر القمة في بغداد، إلى أحداث لبنان والدخول الهوليوودي الإستعراضي لشاحنات النفط الإيرانية إلى لبنان وصولا إلى التعاقد مع شركة هاليبرتون الأميركية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية اللبنانية.
١ – أحداث درعا :
فجأة ودون مقدمات حاصرت الميليشيات الإيرانية مدعمة بقوات الفرقة الرابعة الرسمية السورية ، حاصرت مدينة درعا البلد وهي قلب منطقة حوران السورية الملاصقة للأردن والتي تشكل الممر الحيوي الإلزامي لأي عبور بري جغرافي بين الأردن وسورية..
وعلى الرغم من اتفاق مصالحة تم قبل ثلاث سنوات بين درعا والنظام السوري ” بضمانة ” المحتل الروسي إلا أن الحصار استهدف تمكين الميليشيات الإيرانية من إحكام سيطرتها الأمنية والعسكرية على تلك المنطقة الإستراتيجية من الجنوب السوري المحادة لشمال فلسطين المحتلة.
علما أنها لم تتوقف ( أي الميليشيات الإيرانية ) منذ المصالحة – الخديعة عن عمليات اغتيالات مدروسة لمئات الشباب الدرعاوي الحر الوطني الذي رفض التعاون معها أو الإنسياق في مخططاتها التخريبية..فضلا عن محاولات إفساد المجتمع والشباب تحديدا بترويج المخدرات والتشجيع على تعاطيها وتوفيرها في الأسواق، كما بترويج وتشجيع الدعارة تحت مسميات مخادعة. وقد توضح الهدف الإستراتيجي من ذلك الحصار على مسارين :
– الأول: سيطرة ميليشيات ايران على الحدود الشمالية لفلسطين وضمان هدوئها ما يعني ضمان أمن العدو الإسرائيلي من جهة جنوب سورية. وهو ما يتحقق في منطقة وحدود الجولان المحتل كما في جنوب لبنان حيث تسيطر وتتحكم ميليشيات إيران وتوفر أمانا تاما لدولة العدو الصهيوني.
ولعل أبلغ توضيح لهذا ما صرح به أمين عام حزب إيران اللبناني بأنه ملتزم بقواعد الإشتباك مع الإسرائيلي وذلك حينما أطلقت قواته عدة صواريخ دعائية في أرض خلاء بوار ردا على صواريخ اسرائيلية أيضا سقطت في أرض بوار خلاء.. وهو اعتراف صريح ومباشر على وجود إتفاق أمني بين الطرفين يضمن أمن الحدود ..ولهذا إستماتت ميليشيات أيران للسيطرة على درعا البلد حتى لا يكون أحد سواها على حدود فلسطين..
وقد كان الطرح السوري الرسمي لأهل درعا بترحيلهم جميعا الى ادلب إذا لم يرضخوا لسيطرة قوات إيران والفرقة الرابعة ..ما يعني إصرارا على ضمان أمن منطقة الحدود تلك ولو إقتضى ذلك تهجير تام لسكان المنطقة الذين يعيشون فيها منذ مئات السنين..
– الثاني: تأمين مرور إمدادات وخطوط الغاز والنفط الآتية من جهة الأردن إلى سورية ومنها إلى لبنان. وهو ما إستدعى تحركا أردنيا رسميا وتواصلا مع الولايات المتحدة الأميركية لإستكشاف المطلوب أو المرسوم أو خوفا من أن يكون على حساب الأردن أو حتى ضمان أن تكون له مصلحة مباشرة في ذلك..
٢ – لبنان :
أما في لبنان فقد تسارعت الأحداث وأسفرت عن تشكيل حكومة لبنانية جديدة بعد سنة من المماطلة والتسويف والتعطيل من أطراف السلطة، فكانت حكومة من أشخاص مرتهنين بالتمام والكمال للنفوذ الأجنبي بمصادره المتعددة..فمن رئيسها المعروف بصلاته الحميمة بالنفوذ الأمريكي ومصالحه، ويشير البعض الى مصالح تربطه بدولة الكيان المصطنع مرورا بعلاقات تجارية واسعة بالنظام السوري وتحديدا برأس النظام منذ ما قبل تسلمه مهام الرئاسة رسميا.
فكان عدد من الوزراء ممن ينتسبون بالولاء لفرنسا وبعضهم لأمريكا وكثير منهم لنظام الملالي في طهران..
كان واضحا للجميع أن حزب إيران هو الذي أشرف على ولادة الحكومة بالأسماء التي ترضيه وتسكت عن تسلطه على الدولة بل وإلغائه لها..وطبعا بالتوافق مع الفرنسي والأمريكي ومن خلفهم الصهيوني..
فقد سمح النفوذ الأجنبي الغربي بتشكيل الحكومة على هوى إيران وحليفها وغطائها العوني فكانت باكورة هذه الرعاية عبر تظاهرة إستقدام صهاريج البنزين والمازوت الإيرانية إلى لبنان عبر الحدود غير الرسمية – الشرعية بين لبنان وسورية أي عبر حدود التهريب غير الشرعية التي تستعملها ميليشيات إيران في لبنان وسورية .
وكانت بمثابة إعلان وفاة الدولة اللبنانية وإستبدالها بدولة ميليشيات إيران وهيمنتها على الحياة السياسية والأمنية والإقتصادية في لبنان.. وقد أعرب رئيس حكومة لبنان عن حزنه لأن تلك الصهاريج النفطية لم تدخل رسميا عن طريق الدولة اللبنانية..بما يعني إستسلام الدولة ذاتها أمام التسيد الإيراني عليها وتسليمها به والموافقة عليه..أما الحزن فليس إلا كلاما في الهواء لا ينفع في تبرير أي موقف..
ولقد جرت عملية الاستقدام هذه في أجواء ما يقال عنه أنه حصار امريكي للبنان ولميليشيات ايران ورموزها الأمنية والإقتصادية..فما معنى هذا الحصار ؟ وكيف يكون الحصار ؟ وهو حصار لإيران ذاتها ولأدواتها في لبنان .. إذا كان هذا هو الحصار فهو ليس إلا حصار الصديق للصديق على طريقة ضرب الحبيب كما أكل الزبيب..أو كمن يرمي وردة على شخص عزيز عليه فيقال ضربه بوردة على خده..
ولقد كانت التغطية الإعلامية العالمية المكثفة والمتعمدة لدخول الصهاريج الإيرانية ؛ بمثابة إعلان عالمي رسمي : أميركي صهيوني فرنسي عن تبني الغرب الاستعماري جميعا لهيمنة حزب ايران على لبنان بعد إلغاء الدولة فيه..
وقد اثارت مسيرة قوافل الصهاريج الايرانية عبر الحدود ، ذكريات ومناظر مسيرات قوات داعش العسكرية عبر الاراضي السورية او العراقية مئات الكيلومترات دون أن يمسها أحد في الوقت الذي تعلن أميركا أنها تحاصر داعش الارهابية وتستهدفها لانها تشكل خطرا على العالم كله..فيما تبين أنها تعمل برعايتها وحمايتها وتوظيفها لها ..وهو الامر ذاته مع التحركات الأمنية والعسكرية لميليشيات ايران في كل بلاد الطوق المشرقي لفلسطين..دولة الإسرائيلي تتفرج على كل هذا ولا تحرك ساكنا..حتى في سيطرة قوات إيران على درعا وحدود سورية مع فلسطين المحتلة !!! فما هي الأثمان التي يجنيها الإسرائيلي مقابل هذه الرعاية للتمدد الإيراني ؟؟
وفي الوقت الذي أبان إستعراض الصهاريج الإيرانية بهذه الطريقة عن الرعاية الاميركية لها خلافا لما يسمى حصارا مخادعا ، كما عن تسليم الدولة اللبنانية لحزب ايران وإستبدالها به ؛ فقد كشفت عن أمرين هامين ينبغي التوقف عندهما :
– الأول: عجز الجيش اللبناني ومعه القوى الأمنية اللبنانية عن ممارسة مسؤولياتهم الرسمية حيال وطنهم لبنان وحيال شعبهم اللبناني..هذا الجيش الذي يتوجب عليه حماية الارض والشعب والدولة ؛ يقف متفرجا مكفوف اليدين عن أي فعل مسؤول..ومما لا شك فيه أن امريكا التي تتمتع بنفوذ هام في الجيش وعليه بسبب ما تقدمه له من مساعدات عسكرية وتقنية وتدريبية وتأهيلية ، هي التي تكبله وتمنعه عن التدخل لصالح الوطن والشعب والمؤسسات بما فيها مؤسسة الجيش ذاتها..وهو ما يشكل ضربة جديدة لآمال اغلب اللبنانيين بتدخل الجيش لوقف الإنهيار والتداعي..
– الثاني: حاجة حزب إيران لكسب ود الشارع الشعبي اللبناني بعدما تراجعت شعبيته كثيرا ولا سيما بعد تفجير مرفأ بيروت ودوره الملحوظ في تخزين المتفجرات واستعمالها سواء في سورية أو غيرها.
فقد أوصلت قوى الهيمنة والأمر الواقع اللبنانيين إلى قاع القرف واليأس والمعاناة بما يجعلهم يهللون للنفط الإيراني نظرا لحاجتهم الماسة الى النفط من اي مصدر أتى..وقد كان الإستخدام الترويجي التفصيلي والدعائي لدخول الصهاريج الى لبنان من قبل اعلام حزب ايران وأتباعه وأذرعه؛ رخيصا الى الدرجة التي يقول فيها أرجوكم انا أنقذتكم فتقبلوني.
إن التململ الشعبي اللبناني من تسلط ميليشيات إيران في تزايد مستمر ومتصاعد ولن تنفع معه حقن تخديرية مفضوحة ومزيفة فاللبنانيون يعرفون أنها هي التي تستولي على المحروقات المدعومة وتهربها الى سورية وتجني منها ارباحا كبيرة تغطي بها عملها الامني..وهو الدعم الذي ما صرفته حكومة حسان دياب – الواجهة الا لتغطية نفقات الميليشيات من جيوب اللبنانيين..
وهي التي تحمي منظومة الفساد وتتشارك معها بالتبادل والتحاصص في كل أنواع الفساد ..
٣ – الدور الصهيوني :
وسط كل هذه الأجواء ينتعش مشروع الهيمنة الصهيونية على القرار المشرقي العربي وعلى المقدرات الإقتصادية أو مجمل العملية الإقتصادية الأساسية..فما الغاز الذي سوف تزود به سورية ولبنان عبر الاردن انطلاقا من مصر إلا غازا ” إسرائيليا ” مطلوب أن يكون هو عصب الحياة اليومية لأبناء هذه الدول فيما تتحكم به وتمسك قراره وتستفيد من تجارته تل أبيب ودولة الكيان الغاصب.
ولقد تكرس هذا التسيد للدور الصهيوني ومصالحه المسترسلة في مؤتمر بغداد وفي زيارة رئيس وزرائه إلى مصر في الوقت الذي تتهاوى فيه الدول الرسمية وتنهار المجتمعات من الداخل ويسقط الانسان في براثن اليأس والعجز والتخلي الإلزامي..كما في سعي محموم برعاية دولية – صهيونية لتطبيع العلاقات مع النظام السوري الحليف الأهم للمشروع الإيراني أو بالأحرى الغطاء الأخطر للتمدد الإيراني في سورية ولبنان وفلسطين.
وقد جاء الإعلان مؤخرًا عن التعاقد مع شركة هاليبرتون الاميركية للتنقيب عن النفط والغاز في مياه اقليمية لبنانية لصالح دولة ” الإسرائيلي ” تأكيدا لذلك التحالف الدولي – الإقليمي على حساب العرب و المصالح العربية..( المعروف ان نجيب ميقاتي حينما كان رئيس حكومة لبنان ، هو الذي مرر مشروع ترسيم الحدود اللبنانية مع ” إسرائيل ” عام ٢٠١١ متنازلا عن مساحة كبيرة من المياه الإقليمية اللبانية (( ١٤٣٠ كلم مربعا )) لصالح دولة العدو..وهو المرسوم ٦٤٣٣ ) .. كل هذا يجري فيما النظام الرسمي العربي مستغرق في مشاكله الداخلية التي تشغله وتستنزفه فلا يعير إهتماما بالمصائر الخطيرة التي تتقرر على موائد التحالف غير المعلن: الصهيوني – الصفوي.
إن كل هذه الأحداث المتلاحقة تضيف أدلة جديدة على تحالف صهيوني أميركي – صفوي إيراني لإلغاء وجود الامة العربية وتخريب مجتمعاتنا العربية وإخضاعها جميعا لهيمنة قد تستمر عقودا طالما استمر غياب الدور العربي.
ولكون الدور الرسمي غائبًا إن لم يكن مسهلا أو متواطئا بالتخلي والتغيب، يبقى الدور الشعبي أساسيا في التوعية والإستنهاض والتصدي لمشروعين متكاملين جوهريًا يهدفان إلى إلغاء هوية الأمة ووجودها ومستقبلها.
المصدر: كل العرب