بعد أن شارف ملف الغوطة الشرقية على نهايته، في ظل تعرض الغوطة لأكبر حملة إجرامية، أدت إلى فرض مسلسل التهجير القسري بحق سكانها، بدأ تحريك ملف مخيم اليرموك، فهل سيكون مصيره مشابهاً لغيره من المناطق السورية !؟ الجواب – كما أعتقد- هو بالنفي، مع التشابه في بعض التفاصيل ، لان ملف مخيم اليرموك هو ورقة تخص المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى، وهي من ترسم سيناريو احداث المخيم في ظل الحرب السورية بالتعاون مع أدواتها وعملائها.
قبل الحديث عمّا سيؤول اليه مخيم اليرموك، لنجري نظرة سريعة على تطور الاحداث فيه، منذ تفجر الثورة السورية وحتى هذه اللحظة. منذ انطلاقة الثورة السورية ونتيجة عقدة الخوف لدى الشارع الفلسطيني من دفع فواتير غالية في العديد من الصراعات العربية، التي كان الفلسطينيون طرفاً فيها، أو وجدوا أنفسهم في أتون لهيبها، كما حصل في الأردن ولبنان والعراق. حاول بعض الفاعلين والنشطاء السياسيين العمل على تحييد المخيمات الفلسطينية منذ اندلاع الثورة السورية، وعلى رأسها مخيم اليرموك، الذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني، لكن هذا الطرح لم يتوافق مع أجندة النظام، فالمخيم ورقة رابحة يستطيع ان يلعب بها، ومن خلالها يستطيع ابتزاز الكيان الاسرائيلي، كحارس لحدوده مقابل السكوت عن جرائمه بحق الشعبين الفلسطيني والسوري. كانت الخطوة الاولى للنظام، بإرساله شباب اليرموك التواق لرؤية بلده فلسطين، الى الحدود مع الجولان في ذكرى النكبة، في 15/5/ 2011، وذلك بعد تصريح رامي مخلوف الذي قال فيه : “إن أمن إسرائيل من أمن النظام” هنا تلقف الكيان الصهيوني الرسالة، وهي أن بقاء النظام والحفاظ عليه، يتم عبر تدمير وقتل وتهجير سكان مخيم اليرموك. وأن قيام النظام بتلك المهمة التي ستحقق نبوءة المقبور شارون عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حين قال: ” لك يوم يا مخيم اليرموك ” وبالفعل بعد مسيرة العودة الثانية في 5/ 6/ 2011، وسقوط شهداء فيها واثناء تشييعهم في اليوم التالي، ردَّ أبناء اليرموك على تلك اللعبة القذرة التي يلعبها النظام وعملائه من تنظيم احمد جبريل والفصائل المؤيدة الأخرى، فاتجهت جماهير المخيم الغاضبة، إلى مقر الخالصة في المخيم، وتعرضت لإطلاق النار من شبيحة القيادة العامة، سقط إثرها شهداء وضحايا في ذاك اليوم الدامي. في تلك الأثناء تطورت وتسارعت الاحداث، وبدأ الجيش الحر بتحرير المناطق المحيطة بمخيم اليرموك، وبات المخيم الرئة التي يتنفس منها سكان الأحياء السورية المجاورة، وبنفس الوقت كانت محاصرة من قوات النظام، وبات المخيم ملجأ لأهالي الثوار من ابناء الحجر ويلدا والتضامن. هنا لعب النظام من خلال تنظيم القيادة العامة لعبة تسليح المخيم بحجة منع اي طرف من دخول المخيم، وقام بتسليح الساقطين والعاطلين عن العمل ومدمني المخدرات، ليقين النظام ان اليرموك بوضعة على الحياد يخدم انتصار الثورة في المنطقة الجنوبية، ولذلك يجب إدخاله طرفاً في الحرب السورية، وعلى الفلسطينيين أن يُهجروا من مخيمهم بعد حصاره وتجويعه وتدميره. أما لعبته الثانية فكانت باختطاف مجندي جيش التحرير الفلسطيني، أثناء عودتهم من معسكر مصياف إلى بيوتهم في مخيمات حلب، وقتلهم والصاق التهمة بفصائل الثورة السورية. هنا تأكد فلسطينيو سورية عامة ومخيم اليرموك خاصة ان النظام يسعى الى توريطهم في الدم السوري، لذلك خرجت تظاهرة كبرى في 13 تموز 2012، كرسالة تحذير للنظام بعدم اللعب وزج الورقة الفلسطينية في صراعه مع شعبه. وقد تعامل النظام مع هذه التظاهرة بعنف شديد، واستشهد فيها 14 شاباً فلسطينياً من مخيم اليرموك، كان اولهم الشهيد إياس فرحات وثلاثة عشر شهيد آخرين. منذ تلك اللحظة وحتى هذا التاريخ؛ دخل اليرموك بشكل عملي ودموي في لهيب الصراع، وبدأت القيادة العامة بمناوشاتها وتحرشها بالجيش الحر في التضامن والحجر، ودفعه للسيطرة على المخيم، وقام النظام من خلال طابوره الخامس بنشر اشاعات الكراهية، بين فلسطينيي اليرموك ونازحي الحجر الاسود، لدق أسافين الفتنة بين سكان المخيم وجواره. كما قام النظام بإدخال عناصره الامنية لقمع مظاهرات الحجر الأسود، وهم يلبسون عصبات حركة حماس، ليوهمهم ان من يقتلهم فلسطينيون، وليسوا عناصر النظام، ولكن وعي الأهالي من الطرفين فوت على النظام الفتنة التي يسعى إلى تحقيقها. انتقل بعدها إلى خطوته التالية، وهي افتعال خطوة ما يسمى تحرير المخيم تحت مسمى فصيل من فصائل الجيش الحر، اتضح لاحقاً أنه فصيل تابع لفرع فلسطين، وبدأت مرحلة تدمير المخيم وتهجير سكانه، حين قامت طائرات النظام في 16/12/ 2012، بقصف جامع عبد القادر الحسيني وسط اليرموك والأحياء المحيطة به، وكان النزوح الكبير في اليوم التالي، ومن بعدها الحصار الجزئي ثم الكلي على من تبقى من الصامدين داخل المخيم. ذهب ضحية الحصار المستمر إلى يومنا هذا 200 شهيد قضوا جوعاً، وتم خلال ذلك إدخال النصرة إلى المخيم، والتي لعبت دوراً في تسهيل دخول داعش إليه، ثم غدرت الأخيرة بالنصرة واحتلت غالبية احياء المخيم، وحاصرت النصرة في جزء صغير من شارع حيفا وشارع الثلاثين، وكان لهذين التشكيلين المتطرفين المعاديين للثورة، دوراً خطيراً في تنفيذ مخططات النظام في تدمير المخيم وتهجير من تبقى منه. كان أيضاً من المحطات التي أظهرت ممارسات النظام الوحشية ضد أبناء المخيم، مجزرة حاجز علي الوحش، التي قامت بها عصابات النظام وايران وحزب الله، بحق آلاف المدنيين الذين وعدوهم بممر آمن يضمن خروجهم من المنطقة المحاصرة، وما إن تجمعوا على حاجز علي الوحش، حتى قاموا باعتقالهم وإرسالهم إلى فروع أمنية تم تصفية أغلبهم فيها. أما الفصل الأخير من عملية تصفية المخيم، فيتمثل في تحريك جبهة الريجة من خلال إطلاق بعض القذائف الصاروخية والهاون من ثكنة سفيان الثوري بالقاعة، المتاخمة للمخيم باتجاه العاصمة والاحياء الدمشقية؛ وهذا ما قد حصل فعلا قبل عدة ايام، ثم هجوم جزئي على مناطق النصرة، وبعدها مصالحة وتهجير لبقايا النصرة، فتأتي داعش وتحتل اماكن سيطرة النصرة التي غادرتها. عندها ستكون كل جغرافية المخيم تحت سيطرة داعش، وبحجة محاربة داعش سيُدمر المخيم ويُمسح عن بكرة ابيه. أما داعش فبعد تدمير المخيم سينسحب الى معقله الاساسي في الحجر الاسود، وهناك ستتم لعبة التفاوض معه، لترحيله الى منطقة وادي اليرموك جنوب سورية. هذه هي خطة تدمير المخيم بطلب اسرائيلي يتوافق مع الرغبة الدولية، وفي ظل صمت رسمي فلسطيني، كان بمثابة موافقة على سياسات النظام المروعة ضد أهالي المخيم طيلة السنوات الماضية. وبذلك يطمئن العدو الإسرائيلي إلى تدمير وتهجير أهالي مخيم اليرموك، بما يعني تفريغ خزان الثورة في الخارج، وإنهاء عاصمة الشتات واللاجئين، وتصفية حق العودة، ولعلّ قادمات الأيام ستحمل الجواب القاطع على مصير مخيم اليرموك.