خالد الخطيب
نفذت هيئة تحرير الشام عمليات انتشار عسكري في جبل التركمان وخطوط التماس مع قوات النظام في ريف اللاذقية، بعد خروج تنظيم “جند الله” من المنطقة، وتوقف الحملة العسكرية التي بدأتها الهيئة ضد التنظيم في 25 تشرين الأول/أكتوبر.
وانسحب “جند الله” من مواقعه في جبل التركمان ليل الجمعة، وذلك بموجب اتفاق مع تحرير الشام، وبوساطة الحزب الإسلامي التركستاني وشخصيات سلفية مقربة من تحرير الشام. وتضمّن الاتفاق وقف القتال وخروج عناصر التنظيم ومعهم أسلحتهم، والإفراج عن الأسرى من قبل الطرفين، وخضوع عناصر من التنظيم للتحقيق في قضايا أمنية منسوبة إليهم.
وأعلنت تحرير الشام في بيان “انتهاء التوتر الحاصل في جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي، والذي كان مع مجموعة من الغلاة متورطة في قضايا أمنية وتأوي مطلوبين أمنيا، وذلك بعد أن قُتل أكثر قادتهم وجرح عدد منهم خلال المواجهات، ومن جرائمهم اتخاذ عدد من الأسرى المرابطين دروعا بشرية، وبهذا تكون صفحة الغلاة في جبل التركمان قد طويت، لنعود إلى معركتنا الأساسية مع نظام الأسد وميليشياته”.
بنود الاتفاق
وقال مسؤول المكتب الإعلامي في”تحرير الشام” تقي الدين العمر ل”المدن”، إن “الاتفاق تضمن عدة بنود، أهمها أنه على من بقي من عناصر جند الله أن يسلموا أنفسهم للهيئة للنظر في حالهم، وتسليم كل المطلوبين أمنياً قبل الأحداث الأخيرة، والإفراج عن المرابطين من جنود تحرير الشام الذين أسروهم غدراً”.
وأضاف العمر “باتت منطقة جبل التركمان والمناطق التي كانت تحت سيطرة جند الله آمنة، بعد خروجهم منها، وتستمر عمليات التمشيط بعد السيطرة على المنطقة”. وحول وجهة “جند الله” بعد خروجهم من ريف اللاذقية الشمالي، قال العمر: “بعد الانتهاء من التحقيقات سوف تتقرر وجهتهم”.
مصير جند الله
وتداول السلفيون المناهضون ل”تحرير الشام” معلومات تتحدث عن أن عناصر “جند الله” المنسحبين سيتوجهون إلى منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي، والتي تخضع لسيطرة الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وذلك بحسب ما تم الاتفاق عليه بين التنظيم وتحرير الشام.
وبدا أن الفصائل المعارضة ترفض دخول “جند الله” الى عفرين، ودفعت غرفة القيادة الموحدة (عزم) بتعزيزات عسكرية وأنشأت حواجز عسكرية وأمنية في المنطقة التي تفصل عفرين عن ريف إدلب الشمالي الخاضع لسيطرة تحرير الشام، وذلك لمنع عبور عناصر “جند الله” إلى عفرين.
وقال الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الرائد يوسف حمود ل”المدن”، إن “الفصائل استنفرت قواتها في ريف عفرين في المنطقة القريبة من مناطق سيطرة تحرير الشام لمنع دخول أي عنصر من جند الله الى المنطقة”.
وقالت إدارة التوجيه المعنوي التابعة للجيش الوطني في بيان، إنه “لا صحة البتة لما يتم تداوله على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول وجود تفاهمات أو تنسيق مع الجيش الوطني، لإدخال مجموعات جند الله وما شابهها إلى مناطق غصن الزيتون”.
واعتبرت الإدارة أن هذه الأخبار تهدف إلى “النيل من سمعة الجيش الوطني السوري ودوره في حماية شعبنا”، وأن “الجيش الوطني سيتخذ كل الإجراءات التي من شأنها حماية المناطق المحررة”، بحسب البيان.
استسلام جند الله
واستمرت المعارك بين تنظيم “جند الله” والمجموعات السلفية الصغيرة المتحالفة معه من جهة، وبين تحرير الشام من جهة ثانية لأكثر من ثلاثة أيام، وتركزت المواجهات بين الطرفين في المناطق الوعرة في جبل التركمان القريب من الحدود التركية، وخسر التنظيم وحلفاؤه خلال المعارك أكثر من 15 عنصراً، بينما خسرت تحرير الشام 10 عناصر على الأقل.
ولم تكن المعركة سهلة بالنسبة لتحرير الشام بسبب وعورة المنطقة وصعوبة التنقل وعمليات التمشيط، واتخاذ عناصر التنظيم مواقع مرتفعة كنقاط دفاعية، واستخدامهم للأسلحة القناصة والألغام، وهو ما عرقل بشكل كبير تقدم تحرير الشام التي سيطرت فقط على أربعة مواقع، أهمها السلور وتلال الأبراج والمشفى وعارف.
وفي المقابل، يبدو أن التنظيم قبِل باتفاق الخروج ووقف القتال خوفاً من خسارة أعداد إضافية من عناصره وقادته، ومن حصار قد تفرضه تحرير الشام بعد أن استقدمت المزيد من التعزيزات العسكرية، وأبدت جدية أكبر في مواصلة الحملة العسكرية للقضاء كلياً على التنظيم.
ورأى الباحث في مركز جسور للدراسات عباس شريفة أن “تنظيم جند الله قد انتهى، وفقَد الكثير من قوته بعد إخراجه من مناطق انتشاره في ريف اللاذقية الشمالي، وهذا بالتأكيد سيؤثر على نشاطه ومستقبله كتنظيم”.
وأضاف شريفة ل”المدن”، أن “جند الله جماعة عقائدية دعوية ويرتبط أفرادها برابطة فكرية، وهو ما يعني بقاء الجماعة كحالة دعوية، لكنها ستُلاحق من قبل أمنيي تحرير الشام لإلقاء القبض عليهم، كما يمكن أن تتحول الجماعة إلى خلايا نائمة في المنطقة”.
وأشار إلى أن “الاتفاق مع جند الله تم بالتنسيق مع جماعة التركستان وتنظيم أبو مسلم الشيشاني، ويقضي بانسحاب جند الله إلى عفرين لكن من دون تنسيق مع فصائل الجيش الوطني، لذلك بدأت حواجز الفصائل بالانتشار لمنع جند الله من دخول المنطقة”.
وحول هيمنة تحرير الشام في ريف اللاذقية الشمالي، قال شريفة: “أعتقد أن جبل التركمان وباقي مناطق الساحل باتت الآن تحت سيطرة تحرير الشام، وخطوط الرباط هناك أصبحت تتقاسمها مع بعض المجموعات التابعة للجبهة الوطنية للتحرير”.
وفي السياق، يواصل السلفيون المناهضون لتحرير الشام انتقاداتهم لها بسبب هجومها على “جند الله” وطرده من منطقة جبل التركمان، فيما أفرجت الهيئة عن أبو عبدو لبن بعد اعتقاله لساعات الجمعة.
وأبو عبدو لبن هو أحد المشاركين في الوقفة الاحتجاجية التي شارك فيها العشرات قرب معبر باب الهوى شمالي إدلب الخميس، وذلك للمطالبة بوقف الحملة العسكرية التي تشنها تحرير الشام، والتي يعتبرونها اقتتالاً داخلياً. وكان لبن قد هتف ضد زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني، وتداول السلفيون تسجيلات مصورة يظهر فيها لبن وهو يهاجم الجولاني.
المصدر: المدن