علي أبو مريحيل
في ذروة انتشار وباء كورونا بمدينة ووهان الصينية مطلع العام الماضي، لم تطلب السلطات من المواطنين تكوين احتياطات غذائية، على الرغم من فرض حجر صحي آنذاك استمر أكثر من شهرين وطاول نحو 60 مليون مواطن. لذلك، أثارت دعوة الحكومة الصينية أخيراً إلى تخزين مواد غذائية استعداداً لحالات طوارئ لم تحددها، حالة من الذعر في الشارع الصيني، خصوصاً وأنها تتزامن مع تصاعد حدة التوتر في مضيق تايوان، وحديث وسائل الإعلام عن تأهب الجيش الصيني لشن هجوم عسكري لاستعادة الجزيرة. لكن آخرين فسروا الدعوة بأنها تأتي في إطار حث السلطات الصينية الشعب على أخذ الاحتياطات اللازمة، في ظلّ استمرار انتشار فيروس كورونا وفرض حجر صحي على مزيد من المناطق والأحياء السكنية.
وكانت وزارة التجارة الصينية قد نشرت بياناً على موقعها الإلكتروني، مساء الإثنين الماضي، دعت فيه العائلات إلى تخزين كميات محددة من المنتجات الأساسية لتلبية الاحتياجات اليومية وحالات الطوارئ، كما حثت السلطات المحلية على القيام بعمل جيد لضمان الإمدادات واستقرار الأسعار وإعطاء تحذيرات مبكرة في حال حدوث أي مشاكل. وقد لاقى البيان، خلال اليومين الماضيين، تفاعلاً كبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي الصينية. وتساءل كثر عما إذا كان للبيان علاقة بأزمة غذاء تلوح في الأفق، أو ما إذا كانت البلاد مقبلة على حرب، الأمر الذي دفع الوزارة إلى التوضيح، في وقت لاحق، بأن الأمر مرتبط ببعض المناطق التي تشهد انتشاراً سريعاً لفيروس كورونا، وكذلك المقاطعات التي ضربتها الفيضانات خلال الفترة الماضية.
وشهدت الصين أخيراً ظهور بؤر جديدة للوباء في مناطق عدة من بينها العاصمة بكين، وقد ألغت السلطات في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مئات الرحلات الجوية، واتخذت إجراءات مشددة، في محاولة للسيطرة على الوباء. كما ضربت الفيضانات مناطق متفرقة في البلاد منذ منتصف العام الحالي، وتسببت في مقتل مئات المواطنين وإجلاء عشرات الآلاف.
وانغ تشي (56 عاماً، هو ربّ أسرة صينية تقيم في العاصمة بكين)، قال متحدثاً لـ”العربي الجديد”: “فوجئت بتوجيه الحكومة، مثل معظم الصينيين. حقيقة لم نسمع من قبل بمثل هذه المفردات وكأننا مقبلون على كارثة أو مجاعة”. ولفت إلى أنه في النهاية لا بد من الالتزام وأخذ الدعوة على محمل الجد، لذلك توجهت إلى البقالة القريبة من بيتي في منطقة تشاويانغ، واشتريت كافة المستلزمات، وقد شعرت بالقلق حين شاهدت أرفف بعض المحال التجارية فارغة.
أما لين دان، وهي طالبة جامعية، فلم تخف شعورها بالقلق، وقالت في حديث مع “العربي الجديد” إنها لا تدرك أبعاد الموقف، ولا تدري إن كانت البلاد ستشهد طفرة جديدة من فيروس كورونا أكثر فتكاً، أم أن الأمر له علاقة بتهديدات أمنية، سواء على الحدود مع الهند أو مع تايوان.
تهويل غير مبرر
وحول بيان وزارة التجارة والضجة التي أثارها، قال المحلل الاقتصادي، شيانغ لو جيه، في حديث مع “العربي الجديد”، إن الوزارة دأبت على إصدار هذا النوع من البيانات بصورة سنوية، وعادة ما تُنشر قبل عطلة رأس السنة الصينية (1 فبراير/شباط 2022)، بهدف حث المواطنين على التزود بالاحتياطات اللازمة، نظراً لإغلاق المتاجر والمخازن الكبرى لمدة لا تقل عن 10 أيام. وأوضح أن ما أثار الضجة حول البيان هو تزامن نشره مع توترات سياسية تشهدها البلاد، وكذلك ظهور بؤر جديدة للوباء، معتبراً أن ما يشاع في مواقع التواصل الصينية تهويل غير مبرر يثير الذعر في نفوس الناس.
لكن بالعودة إلى بيانات مشابهة لوزارة التجارة نُشر بعضها عام 2018، اتضح أنها لم تستخدم كلمة “طوارئ” من قبل، وكانت تكتفي بالإشارة إلى ضرورة تأمين إمدادات الغذاء والحفاظ على ثبات الأسعار في أثناء العطلات الرسمية، حيث تشهد البلاد إغلاقاً في جميع القطاعات بمناسبة رأس السنة القمرية.
وكانت صحيفة “إيكونوميك ديلي”، المدعومة من الحزب الشيوعي الصيني، قد طالبت المواطنين بألا يبالغوا في تفسير بيان وزارة التجارة، مشيرة إلى أن الهدف هو التأهب لإغلاقات محتملة بسبب انتشار فيروس كورونا. وشهدت المتاجر في عدد من المدن الصينية إقبالاً غير مسبوق في أعقاب نشر البيان، كما تم تداول مقاطع فيديو قصيرة على منصات التواصل الصينية تظهر توزيع حقائب خاصة بالحرب (أقنعة واقية من الغازات السامة، وبدلة ضد الحريق) على سكان المناطق الشرقية المقابلة للجزيرة. وطالب عدد من مستخدمي الإنترنت الحكومة بمصارحة الشعب بشأن حقيقة دوافع التوجيه الرسمي، وإذا ما كان لذلك علاقة بقرارات سياسية تمس أمن البلاد.
لا نار بدون دخان
من جهته، قال الباحث في معهد “نان جينغ للبحوث والدراسات الاستراتيجية”، يوان تشو، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “لا نار من غير دخان”، وأن الصين قد تكون بالفعل تعد العدة لغزو تايوان، وأن بيان وزارة التجارة قد يكون في إطار تهيئة المناخ لأجواء الحرب، لأنه ليس من المنطق العسكري، حسب قوله، أن تقول أي حكومة لشعبها بأننا مقبلون على حرب خلال الأيام المقبلة، فاستعدوا لذلك. وربط يوان هذا الاحتمال بمعطيات عدة منها: كثافة المناورات العسكرية والتوغلات الصينية المتكررة في منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، وتصريح رئيسة تايوان تساي أنغ وين، للمرة الأولى أخيراً، بوجود قوات أميركية في الجزيرة، وكذلك تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن، بأن بلاده ستدافع عن تايوان في حال شنت الصين هجوماً عليها.
واستبعد الباحث الصيني أن يكون لبيان وزارة التجارة علاقة بجائحة كورونا، مشيراً إلى أنه في ذروة انتشار الوباء بمدينة ووهان مطلع العام الماضي، لم تطلب السلطات من المواطنين تكوين احتياطات غذائية، على الرغم من فرض حجر صحي آنذاك استمر أكثر من شهرين وطاول نحو 60 مليون مواطن.
هذا، وكانت وسائل الإعلام الصينية الرسمية قد أفردت مساحة كبيرة خلال الأسابيع الماضية، للحديث عن تأهب الجيش الصيني ومناوراته العسكرية، وأهمية استعادة الجزيرة بالنسبة للصين، وتداعيات ذلك السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكان الطرح الأكثر تطرفاً، والذي لاقى صدى كبيراً في موقع ويبو (المعادل الصيني لموقع تويتر)، تصريح نائب رئيس مكتب شؤون تايوان، ليو جونتشوان، في ندوة حملت عنوان “إعادة التوحيد والتجديد الوطني”، قال فيه إن العائدات المالية التي ستتحقق بعد استعادة الجزيرة، سيتم استخدامها بشكل كامل في تحسين رفاهية الشعب الصيني. كما تطرّق في الندوة التي نشرت صحيفة “غلوبال تايمز” الحكومية أجزاء كبيرة منها، إلى مرحلة ما بعد إعادة التوحيد، وقال إن السلطات الصينية ستضمن السلام والهدوء في تايوان بشكل كامل، وأن أسلوب الحياة والملكية الخاصة والمعتقدات الدينية والحقوق والمصالح المشروعة لمواطني تايوان ستكون مصونة.
المصدر: العربي الجديد