منير الربيع
تتشعّب الدائرة السياسية المحلية وتتوسع لترتبط أكثر بسياق إقليمي دولي. حركة المتغيرات التي تشهدها المنطقة تشير إلى تحضير أرضية عامة لجولات تفاوض متنوعة. في هذا السياق تقرأ زيارة وزير خارجية دولة الإمارات إلى سوريا، والتي حضّرت لزيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الإمارات.
هنا أيضاً لا بد من التوقف عند اللقاء الاستخباري الذي عقد بين رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان ورئيس المخابرات السوري حسام لوقا، جاء اللقاء في سياق تقني أمني استخباري، على وقع مواقف سعودية واضحة برفض التطبيع السياسي مع النظام السوري. في مثل هذه الحالات تحيل القوى المتخاصمة الأمر إلى التنسيق الأمني الذي يبقى مستمراً على الرغم من العداء السياسي. ولكن غالباً ما تقود اللقاءات الأمنية إلى وضع أرضيات تفاوضية تنتج حواراً سياسياً.
عروض للأسد
هذا الحراك الذي تشهده المنطقة، يشبه إلى حدّ بعيد زيارة-مبادرة قام بها رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى العراق في العام 2003، قبل الاجتياح الأميركي للعراق وإسقاط صدام حسين. كانت المبادرة تقوم على تقديم عرض واضح لصدام حسين بمغادرة العراق، لأن واشنطن ستجتاحه. وفتحت أمام الرئيس العراقي أبواب كثيرة، لكنه رفضها. قد تشبه اللقاءات مع بشار الأسد والاتصالات الأمنية معه إلى حدّ بعيد تلك المبادرة وفحواها. هناك عروض يتم تقديمها للأسد، وهي لا تتعلق بمغادرته السلطة ولا الخروج من سوريا، إنما الذهاب إلى مقاربات سياسية جديدة، تتلاءم مع التطورات في المنطقة.
هذه الوقائع وبعيداً عن الكلام الذي يتعلق بإخراج إيران من سوريا أو تطويقها أو تحجيم نفوذها أو إخراج بشار الأسد من الحضن الإيراني، فإن ما هو مطروح على الأسد أمر مختلف، يصل إلى حدود رسم مثلث واضح المعالم، من ترسيم الحدود في جنوب لبنان، إلى توفير أمن إسرائيل في الجنوبين اللبناني والسوري، والوصول إلى تفاهم حول الوضع في الجولان. ليس المطلوب من النظام السوري الذهاب إلى تطبيع علني مع إسرائيل، ولا إلى إتفاق سلام، إنما فقط الدخول في هدنة طويلة، تشكل مظلة لعمليات الترسيم وتعلن الأمن على الخطوط الحدودية.
عقبات حزب الله الكثيرة
يأتي ذلك على وقع الاستعداد الإيراني لانطلاق جولات التفاوض حول الملف النووي. فلا يريد الإيرانيون توقيع اتفاق نووي فقط، كما كانوا في السابق. بل يريدون الاتفاق على مناطق نفوذهم في المنطقة. انقلب المعيار. سابقاً، كانت إيران ترفض البحث بملف نفوذها في المنطقة مقابل تشدد واشنطن بالبحث به ضمن السلّة النووية. هذا التغير ينتج عن رؤية طهران للإدارة الأميركية الحالية، فيما واشنطن تنظر إلى المشروع الإيراني في المنطقة يمرّ في أصعب مراحله، ويتعرض لانتكاسات كبيرة. ولذلك، هم لا يريدون الخوض في تفاصيل الاتفاق. ولهذا السبب قررت طهران التصعيد في كل مواقع قوتها، من لبنان إلى العراق واليمن. ولبنانياً، اصطدم الحزب بالكثير من العقبات، منها التحقيق بتفجير المرفأ، ومشكلة الطيونة، والأزمة الخليجية، فيما عطّل الحزب حكومته لتحقيق مكاسب سياسية.
من الواضح أن السياسة الأميركية طوال الفترة الماضية كانت تتعاطى بإغراق الحزب في الأزمات الداخلية اللبنانية وباليوميات السياسية، ما جعله يلهث بالبحث الدائم عن حلول يومية لقضايا معيشية، وعلى نحو لا يمكنه الوصول إلى نتائج ناجعة أو مجدية. هذا الغرق ينعكس على أداء حزب الله في لبنان. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن طريقة التعاطي مع الأزمة الحكومية تبدو تبسيطية إلى حدود بعيدة، ما سيزيد من منسوب التعقيد، في ظل بقاء كل طرف على موقفه وتعطّل كل مقومات التحاور والتفاوض.
التجارب علّمت اللبنانيين أنه عندما يتوقف الحوار بين القوى المتعارضة، تحضر فوراً التوترات الأمنية.
المصدر: المدن