فيديل سبيتي
كان من المفترض أن يكون اللقاء مع الكاتب والصحافي والمفكر السياسي حازم صاغية حول كتابه “رومنطيقيو المشرق العربي” (2021- دار رياض الريس)، ولكن مع حازم لا يمكنك أن تلتزم بموضوع معين، فهناك كم هائل من الأسئلة التي يمكنك طرحها، وهناك كم كبير من المعلومات التي يمكنه أن يقدمها، إضافة إلى رأيه فيها. لذا بدأنا ب”رومنطيقيي المشرق العربي” وانتقلنا إلى مآلات المشرق العربي. أسئلة يبدو أن من الصعب الإجابة عليها بسبب ابتعادها عن الواقع الحقيقي كما يتم توصيفه سياسيا في العادة، أي أنها تدور حول افتراضات وإمكانات من الصعب أحيانا الإجابة عليها كما لو أنها حدثت، ويصبح من الواجب استخدام مقولة الرومنطيقية نفسها التي يقدمها كتابه للإجابة على هذه الأسئلة، كي لا يصف أمرا بعبارة لا تصفه تحديدا أو لا تعطيه حقه من الوصف.
وما يقوله حازم صاغية في هذا الحوار ليس تماما ما يقوله في كتابه، بل هو أقرب إلى مقالاته في صحيفة “الشرق الأوسط” وقبلها في صحيفة “الحياة”. وكأن مقال الرأي يعطي صاحبه حرية القول أكثر من الكتاب الذي تحدّه الأكاديمية والمعلومات ويجمعه الخيط الواحد الذي يربط بين كل فصوله. فإجوبة صاغية هنا، أقرب إلى إفشاء الرأي منها إلى إجوبة على أسئلة محددة، حتى انتهى به الأمر في نهاية المقابلة للقول: “أنا متشائم تاريخي”.
الرومنطيقية كرفض للواقع
في البداية سألت صاغية عن عنوان الكتاب نفسه، أي لماذا نفترض أن الرومنطيقية ضد التقدّم والعلم، ألا يمكن تلازمهما معا؟ وعما يقصده بالرومنطيقية المشرقية. فأجاب:”المقصود بالرومنطقية في هذا الكتاب هو بالضبط معنى الرومنطيقية والكنف الثقافي والفكري الذي ظهرت فيه في أوروبا. أي تلك الردة التي قامت على ثقافة التنوير المصحوبة بالثورة الصناعية والرأسمالية الصناعية التي نتجت عنها. هذه الردة سميت بالرومنطيقية، وكانت لها نتائج كثيرة، بعضها إبداعي في الفن والشعر والموسيقى وبعضها فكري. ولكن مجموع نتاج هذه الحركة في فكره السياسي، إذا ما أخذناه في حده الأقصى، هو دعوة إلى مبارحة العالم والزمن الراهن، إما بالعودة إلى ما وراءه أي الى تقديس عصر الإقطاع والأبطال والبطولات، أو بإعادته جغرافياً إلى أمكنة أقل تقدما، في الأرياف بدل المدن، أو إلى المناطق التي لم تتعرض للتنمية الرأسمالية أو للأفكار التنويرية والعقلانية كما حصل في ما بات يسمى العالم الثالث. في هذا المعنى فإن الفارق بين الحد المحمول بل المطلوب من الرومنطيقية لأنسنة الحياة، وبين الحد الأقصى من الرومنطيقية الرافضة للواقع، يبدو كالفارق بين العيش في حلم أو في كابوس. فكلنا نحب أن نحلم لكن لا أحد يستمتع بحياة الكوابيس الدائمة. المؤلم بهذا المعنى، أن الرومنطيقية التي أزعم أنني أتحدث عنها أو أنسبها إلى الفكر السياسي وإلى جزء ليس قليلا من السلوك السياسي العربي، هي رومنطيقية كابوسية أي رومنطيقية الحد الأقصى”.
مصطلح الواقعية
في هذا الجواب شعرت أن لا بد أن يستدعي الحديث عن الرومنطيقية، الحديث عن الواقع والواقعية. لذا كان لا بد من السؤال عن معنى الواقعية نفسها. يقول صاغية أن”مصطلح الواقعية خاضع لسوء فهم كبير. فهناك الواقعية الوضيعة التي تقول لك أنّ عليك تقبّل الواقع كما هو. فإذا كنت سوريا فلا بد بأن تقبل بحكم بشار الأسد، وإذا كنت كوريا شماليا عليك أن تقبل بحكم كيم جونغ أون”.
ويضيف: “مقابل هذه الواقعية الوضيعة هناك الواقعية الكريمة أو الحرة التي تنطوي سلفا على افتراض أن الواقعية تمنحك الحرية الفردية. فالبشر محبون للحرية بطبعهم وباحثون عنها. لذا فإن أي نظام غير قسري وغير إجباري وغير قمعي، هو واقعاً، يعترف سلفا كتحصيل حاصل، بأننا أحرار. هذه الواقعية الكريمة قام الفكر السياسي في هذه المنطقة على كسرها وقصرها لأنه همش مسألة الحرية التي لم تعن له شيئا، بل طرح قضايا أخرى من نوع الوحدة القومية والوحدة العربية والعداء للغرب والصراع مع إسرائيل والإشتراكية بمعناها البيروقراطي. الواقعية لا تفتقر فقط إلى الحرية بل تفتقر إلى المقومات التي تتيح لك قراءة الواقع، عندنا. فحين تحدد هدفا ما، ينبغي أن يكون هذا الهدف قابلا للتحقيق، وحين تفكر أو تعمل في السياسة عليك أن تأخذ توازن القوى بعين الاعتبار. مثلا لبنانيا، حين تكون عاجزا عن توحيد قريتين في لبنان أو جزئين من طائفتين وتطالب بالوحدة العربية، وتناضل من أجل ذلك، فهذا دليل على الانفصال عن الواقع والذهاب في متاهة فكرية، أطلقت عليها إسم رومنطيقية”.
لماذا لا تكتمل الدول عندنا؟
كان سؤالي من بعد شرح الواقعية وأشكالها هو: لو افترضنا أننا بسبب رومنطقيتنا نتصرف كمنفصلين عن الواقع سياسيا، فما هي الأسباب التي لم تساعد في نشوء دول ناجزة ومكتملة في منطقتنا، بينما نشأت دول كثيرة بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا وآسيا، وتمكّنت من الحياة. ومن لم يكتب له الحياة تم تقسيمه في ما بعد كيوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا. ما هو المرض الذي نعانيه هنا كي لا نتمكن من بناء دول مكتملة الأركان؟
برأي حازم صاغة أن “أزمة ولادة الدولة الأمة لا تقتصر على منطقتنا، لكنها عاشت زمنا أطول عندنا. فبعد اضمحلال الامبراطوريات العثمانية والهبسبورغورية والقيصرية، ولدت الدولة الأمة على جثة الوعي الإمبراطوري لهذه لإمبراطوريات الثلاث. هناك دول كثيرة في العالم مانعت هذا التحول من الأمبراطورية إلى الدولة الأمة،. فالثورة البولشفية قد تكون أحد أوجه هذا الاعتراض والممانعة بشكل محوّر، وأعادت انتاج الإمبراطورية القيصرية بقالب شيوعي. وكذلك تأزم أوروبا الوسطى الذي أدى إلى صعود النازية في ألمانيا والفاشيات المختلفة، لا يمكن فصله عن عدم الإقرار بما بعد زمن الإمبراطوريات في أوروبا. في منطقتنا، رفضنا أيضا الدولة الأمة والإقرار بها، ورحنا نفكر بأشكال جديدة، نعيد بها الفكرة العابرة للدولة كالدعوة للوحدة السورية والعربية والاسلامية وتحويل القضية الفلسطينية وتحريرها إلى عامل موّحد للجماعات العربية. فمثلا حين قامت الوحدة السورية المصرية من 1958 إلى 1961، كانت معروفة بوصفها كمّاشة حول إسرائيل. فبدا وكأن الميل هو إلى العيش في دولة أمة شكليا، بينما التفكير الفعلي يأخذ الشكل “الامبراطوري”، وهذا شكل من أشكال الفصام الذي نعاني منه هنا. فمن جهة نعمل من أجل بناء أوطان نحمل جنسيتها ونلتزم بقوانينها وندفع الضرائب لها كمواطنين، ولكننا ننشد إقامة الوطن العربي في الوقت نفسه. فيبدو الأمر كما لو أن ما نصعنه باليد اليمنى نبدّده باليسرى”.
الاستعمار والعداء للغرب
اعتقدت بعد سماع الجواب أن طلب الوحدة على أشكالها في منطقتنا العربية هو السبب الرئيسي لعدم قيام الدولة الأمة، فسألت إذا ما كان هناك أسباب بنيوية وإجتماعية وثقافية داخل هذه الدول نفسها تمنع من تشكلّها.
يوافق صاغية على هذا الاستنتاج قائلا: “بالطبع هناك أسباب أخرى وهذا ليس السبب الوحيد. فهناك أزمة علاقتنا بالغرب الديموقراطي الذي كسب الحرب العالمية الثانية، والذي هو نفسه الغرب الاستعماري. لكننا دمجنا بين الحالتين فصرنا نقول، هم ديموقراطيون ولكنهم استعماريون، ولكن في الحقيقة فإن الديموقراطية نشأت في الدول الاستعمارية، وهذا التلاقي التاريخي بين الاستعمار والديموقراطية والحداثة والتنوير، زاد من إمكانيات الصد والرفض لمحمولات الاستعمار، مثل فكرة الدولة الأمة والليبرالية. وبعد انهيار الدولة العثمانية كان لا بد لهذه الدول المنتصرة والاستعمارية في آن والديموقراطية المتنوّرة أيضا، من أن تمارس سياسة تدخلية في بلادنا، فهي قادمة لإعادة صياغة مجتمعاتنا، وهذا ما يزيد من نسب التوتر معها ورفضها ومعاداتها. فهي أولا “استعمار” ثم “غرب” ثم “مسيحي”، ومن ثم “تدخلي”، وهذا ما زاد من رفضنا لقبول هذا الغرب. في الآن عينه لم نقم بطرح سؤال ولا الإجابة عليه عن سبب تقدم الغرب علينا. ربما قام بعض التنويريين العرب في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بطرح هذا السؤال. ولكن الاجابات التي وصلوا إليها لم تكن تشرح فعليا سبب هذا التقدم، فيما لا نبارح تخلفنا. فتقدم الغرب كان لأسباب جوهرية وتحولات سياسية ودينية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية، قائمة كلها على انتقاد نفسها، بينما ما توصلنا إليه لم يعدو كونه فهم مبسّط لأسباب تقدّم الغرب علينا”.
ماذا لو لم يتدخل الغرب؟
كان سؤالي المباشر هو افتراض أن الغرب لم يتدخّل في منطقتنا بعد انهيار السلطنة العثمانية، فهل كانت المجتمعات التي خلّفتها الإمبراطورية قادرة على التحول إلى دول بنفسها؟. أي أن ماذا كان يمكن لهذه المجتمعات أن تتحوّل أو ما الذي كانت لتكون عليه لولا تدخل الغرب؟ اعترض صاغية بادىء الأمر على الإجابة عن سؤال افتراضي لأحداث لم تقع، ولكنه تابع معي مفترضا إمكانية الإجابة عن سؤال من الصعب الإجابة عليه، فكان رأيه: “أرى أن الاشارات التي كانت موجودة في دول ومجتمعات ما بعد الإمبراطورية العثمانية، لم تكن تسمح لنا بالتفاؤل بأننا قد نصل إلى بناء دول ديموقراطية وحرة. الاشارات الوحيدة التي كان يمكن التأمل منها هي التي أرسلتها الأنظمة الملكية ما قبل العسكرية، في مصر والعراق حول إمكانية تحقق شكل قريب للدولة الأمة، لأنها لم تكن معطّلةً للاجتماع ومصادرةً للمجتمع كما حصل بعد الانقلابات، كما لم تكن على قطيعة نهائية مع الغرب كما فعلت الانقلابات العسكرية”.
لا صوت يعلو
هنا رأيت أن لا بد من إعادة الانقلابات العسكرية إلى أسبابها المعلنة لقيامها، أي إعلان قيام دولة إسرائيل، لأن الأنظمة العسكرية التي تحوّلت إلى ديكتاتوريات قامت واشتدت شوكتها على أساس أنها تحارب إسرائيل وتحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. فما مدى دور قيام إسرائيل بنشوء مثل هذه الأنظمة التي أخّرت من تطورنا على المستوى المؤسساتي الوطني؟.
خالفني صاغية الرأي، فبرأيه “أن مسألة تخلّفنا وعدم قدرتنا على بناء هويات وطنية وبالتالي أوطان ناجزة تعود إلى ما قبل قيام إسرائيل في العام 1948. فانقلاب بكر صدقي في العراق كان في العام 1936 مثلا، وانقلاب رشيد علي الكيلاني في العام 1941، وانقلاب حسني الزعيم في سوريا كان في العام 1949، وإسرائيل كانت قد نشأت للتوّ. كل هذه الانقلابات لم تكن اسرائيل سببها، والانقلابات في بلدان بعيدة عن المشرق كليبيا والسودان لم يكن العنوان الإسرائيلي أساسيا فيها. لكن إسرائيل تسببت في توكيد العداء للغرب، وتعميقه بدلا من المصالحة وتضييق شقة الخلاف معه في تلك المرحلة. وهناك أسباب أخرى منها صعود طبقة اجتماعية جديدة، أي الطبقة الوسطى لا سيّما بجناحيها العسكري والوظيفي الذي توسّع نتيجة الاستقلالات وتوسيع الإدارات والجيوش والمؤسسات الأمنية. فظهرت فئات جديدة تطمح للسلطة من دون أن يكون لديها أيّة مؤهلات فعلية تمكنها من إدارة السلطات، ومن دون وعي حقيقي للوعود التحررية التي أطلقتها”.
ويضيف: “مثلاً في بداية الانقلاب العسكري تتعطّل الحياة المدنيّة، وغالبا ما يقول المنقلبون أننا في مرحلة انتقالية ولن يتم حلّ الأحزاب والنقابات وسيحافظ على حريّة الإعلام وازدهار التعليم الأجنبي، هنا يمكن تحمّل المرحلة الانتقالية. لكن كل تلك الانقلابات العسكرية عطّلت الحياة المدنيّة ودمّرت كل ما كان واعداً في مجتمعاتنا مما كان قد خلّفه الاستعمار كالإعلام والنقابات والأحزاب. كما ساهمت الانقلابات في تدمير البرجوازية المدينية صاحبة المشاريع التطويرية والتقدمية ومشغلة الدورات الاقتصادية، عبر ترييف المدن كما جرى في بغداد والقاهرة ودمشق. يعني بدلا من تمدين الريف وتطويره قامت الانقلابات بالعكس. كل ذلك كان شكلا من أشكال النحر الحقيقي لهذه المجتمعات. برأيي أن أحد أهم وأبرز أهداف هذا الكتاب هو القول أن ما نعيشه الآن إن كان في لبنان أو في سوريا أو في العراق وغيرها من الدول العربية، يكمن جذره العميق والمتين في الانقلاب العسكري”.
إلى أين إذا؟
هنا سألته عن أفول الانقلابات العسكرية، فهل تثبت أحوالنا على ما هي عليه اليوم أم أن هناك أفقا ما لنتحوّل إلى دول منجزة متكاملة الأركان؟ فأجاب أه “لا شيء نهائيا، كلّ شيء متغيّر في دورة الحياة ولا سيّما في منطقتنا القائمة على التناثر والتفتّت الاجتماعي والطائفي والإثني إلخ… لكن الانقلابات العسكرية بدلا من أن تقوم بتقريب الجماعات بعضها من بعض، وسّعت الفجوة بينها وتحديدا عن طريق القمع وأجهزته المتكاملة وتعطيل حرية الرأي. فمثلا أنت كسنيّ سوري أو شيعي عراقي فأنت سلفاً -رغم كونك الأكثرية العددية- تتحوّل إلى أقلية سياسية، وتحت شعارات الأمة الواحدة والقومية العربية والعلمانية أحيانا. ورغم ذلك بقي السني السوري يرى نظام البعث نظاماً علوياً، والشيعي العراقي يرى نظام صدام حسين نظاماً سنياً، وهذا ما زاد في التفرقة والتعصّب والتقوقع في داخل المجتمعات التي تنشد الوحدة على كل صعدها”.
ويستطرد قائلا:”كل الأنظمة العسكرية تمكنت من ضرب الماضي والحاضر والمستقبل بضربة واحدة، فهي تقمعك وتكتب التاريخ كتابة زائفة، وتصبح إمكانية إعادة بناء الوحدة الوطنية أصعب بعد التفرقة التي تمارسها على المجتمعات لا سيما في ما يخص إعادة اللُحمة الوطنية وتشكيل هويتها. لو أن الأنظمة التي تمّ الانقلاب عليها في ذلك الحين استمرّت كان بالامكان التفكير في احتمالات ما للتغيير. كل ذلك أصبح الآن مستحيلاً. في سوريا “المستقلة” مثلا التي يبلغ عمرها 75 عاما، فإنها منذ العام 1970 أي ثلثي هذا الزمن، محكومة من عائلة واحدة هي عائلة الأسد. وعملياً عليك أن تزيد سبع سنوات أخرى أي منذ استلام حزب البعث للحكم عام 1963. هذا المثال يقول بلا شك أي هي دولنا وما هي مآلاتها”.
سألته عن محاولة التغيير في ما اتفق على تسميته “الربيع العربي” منذ العام 2011 في مواجهة التسلّط وأنظمة الحزب الواحد ومنع حرية الرأي والتعبير، وما السبب الذي أدى إلى إعادة إنتاج أنظمة شبيهة بما كانت عليه سواء في تونس أو مصر أو سوريا أو العراق أو الجزائر أو السودان الآن. ما هي اسباب الفشل في الوصول إلى أنظمة ديموقراطية تمثيلية ومؤسسات وإدارات فعلية فير قمعية وغير فاسدة؟
يجيب: “كما قلت في إجابتي السابقة، هذه الأنظمة قادرة على تدمير الماضي والحاضر والمستقبل بضربة واحدة، وهذه القدرة هي التي حمتها، وقد عملت جاهدة على إفشال ثورات “الربيع العربي” بواسطة القمع غير العادي وضعف الاستجابة الدولية للدعم بعد التجربة المرّة في العراق وجزئياً في ليبيا. لكن الأهم أن هذه الأنظمة وسّعت الهوّة بين الجماعات وتحديدا بين أقلياتها وأكثرياتها، والأكراد في عالمنا العربي ليسوا المثال الوحيد، وضربت نوى المدن لأن المدينة هي من تصنع الثورة، بينما الأرياف تصنع الحروب الأهلية. خذ مثلاً الثورات الريفية في القرن العشرين فهي أنتجت حروباً مفتوحة إلى ما لا نهاية وديكتاتوريات متخلّفة لا تقل سوءاً عن الأنظمة التي قامت ضدها. غياب برجوازية مدينية لا يصنع حركات تحررية فعلية. وما أقصده أن هذه الأنظمة صنعت من ضمن نشوئها وثباتها كل أسباب فشل الثورات التحررية وذلك بضربها الأسس التي تقوم عليها الثورات”.
سألته: ما هو أفق الشعوب والدول في المشرق العربي مقارنة بمسيرة هذا المجتمع العالمي الساعي دوما إلى التطور والتقدم؟ كان رد حازم جازما وواضحا، فقال:”لطالما صنّفت نفسي متشائماً تاريخياً، قد يكون كلامي مزعجاً للبعض لكنني لا أرى أي بصيص أمل للتفاؤل. سنبقى على هذه الحال أي في أنظمة حروب أهلية نتعايش معها وفيها، لا أكثر”.
المصدر: اندبندنت عربية