أحمد مظهر سعدو
تغيب المرأة السورية عن المشاركة السياسية ، وتهجر النساء السوريات والعربيات عمومًا العمل السياسي، إلا مارحم ربي، ويعود ذلك لأسباب عديدة، سنحاول الإمساك بها، والوقوف معها وعندها، من خلال هذه الإطلالة على مثل هذا الموضوع المهم، ويشاركنا في ذلك ثلة من أهل الفكر والثقافة والإطلاع. وقد طرحت صحيفة إشراق عليهم السؤال التالي: كيف تنظرون إلى مآلات انحسار دور المرأة السورية في المشاركة السياسية في الداخل السوري، وكذلك خارج الجغرافيا السورية في بلاد اللجوء القسري حيث يتواجدن. وهل يمكن تفعيل هذا الدور مستقبلاً ضمن سياقات الثورة السورية؟ وكيف؟.
الكاتبة السيدة غادة جمعة قالت:” يرجع تهميش دور المرأة السياسي إلى ماقبل الثورة، إذ كان النظام يعتمد في كل تشكيلاته على وجود النساء في مناصب اجتماعية وسياسية ممثلة في أعلى درجات السلطة، ولكن هذه المناصب لم تكن فاعلة والهدف منها كان إعلاميًا لا أكثر.
وقد بدأت المرأة تعي أهميتها الفعلية أثناء الحراك الثوري، فساهمت في العديد من النشاطات وعبرت عن رأيها بجرأة وشجاعة إلى أن اضطرت للهجرة بسبب ظروف الإعتقال والتنكيل بها وبأفراد عائلتها .
في بلاد المهجر، طرقت المرأة كل أبواب العمل كالمعتاد عملت في الإغاثة والأعمال الإنسانية ولكنها بقيت بعيدة عن خوض غمار السياسة لأسباب عديدة منها :
– عدم وجود الحامل الحقيقي الداعم لدور المرأة سياسيًا.
– تحمل المرأة أيضًا أعباء ومسؤليات إضافية نحو العائلة.
– الأعراف والتقاليد في مجتمعاتنا المنغلقة، داخل وخارج الجغرافيا السورية.
– ضاعفت جائحة كورونا الصعوبات لتجد المرأة نفسها في دائرة الخطر.”
ثم أضافت ” نستطيع القول إنه بالإمكان تفعيل دور المرأة سياسيًا وهذا يحتاج لجهود ومتابعة مستمرة مثل:
– أولًا زيادة ثقة المرأة بنفسها وذلك بتمكينها ثقافيًا وسياسيًا.
– ثانيًا إعطاءها فرص مناسبة للمشاركة.
– ثالثًا توعية مجتمعية مستمرة تساهم في تخفيض الضغوطات عليها وإبراز دورها الهام في العمل السياسي.
– رابعًا فرض نسبة معينة لمشاركتها في مؤسسات الدولة يتيح لها اكتساب الخبرات.
وأخيرا أعتقد أن على المرأة أن تشعر بالمسؤولية نحو مجتمعها مما يدعوها لتحمل بعض الأعباء الإضافية التي يمليها عليها الواجب لتواجه العديد من التحديات وخاصة في مجال العمل السياسي، وعلى الرجل أن يقدم لها العون والتشجيع ويعتبرها شريكة حقيقية تساهم معه في بناء الحياة .”
من جهته فقد قال الكاتب عبد الرحيم خليفة ” إن مشاركة المرأة في الشأن العام، في مجتمعاتنا العربية، محدودة، تاريخيًا، ومنذ ما قبل الثورة السورية العظيمة، وذلك لأسباب عديدة، سياسية وثقافية ودينية. بعد الثورة، أو مع انطلاقتها، شهدنا حضورًا فاعلًا ومؤثرًا للمرأة، لكن ما حل بالثورة وأصابها من جماعات التطرف والتشدد، حجم دور المرأة، أو قلصه، مرة أخرى.
دعني أقول أيضًا أن الانحسار والإحجام عن المشاركة أصاب ليس المرأة فقط، بل قطاعات واسعة من الشباب وفئات عديدة من المجتمع، نتيجة الخيبات الكبرى والخذلان والانحرافات والتشوهات التي لحقت بالثورة.” ثم قال ” كنا وما زلنا نعتقد أن الثورة ليست تغييرًا لنظام وحسب، هي تغيير بنية مجتمعية، وثقافة متخلفة، وأنماط تفكير وسلوك، وهي بهذا المعنى عملية تاريخية وطويلة ومعقدة، معها، ومعها فقط، يمكن أن تستعيد المرأة دورها وحضورها الفاعل والمؤثر، وليس الشكلي، والتكميلي، كما هو حاصل في بعض مؤسساتنا. وأهم المعوقات التي يجب التغلب عليها، والتفكير بها طويلًا، هي بناء مجتمعنا على أساس إنساني متكافئ بين أفراده ومكوناته وشرائحه المختلفة”.
الأكاديمي الدكتور محيي الدين بنانة تحدث قائلاً: ” لقد عانت المرأة السورية خلال فترة نظام الاستبداد الكثير خاصة فيما يتعلق بحقوقها في المجتمع السوري، بالرغم من وجود (الاتحاد النسائي) في سورية الذي كان مثله مثل بقية الاتحادات العمالية والفلاحية، حيث كانت اتحادات صورية لا تدافع عن حقوق شرائحها، وإنما كانت عبارة عن منابر لتأييد القائد والتصفيق له. فلم يقدم الاتحاد النسائي في سورية أي تطور في القوانين التي تهم المرأة وخاصة فيما يتعلق بالقوانين الشرعية (الزواج_الطلاق_رعاية الأولاد _الجنسية) وكذلك من الناحية الاجتماعية لم يستطع الاتحاد الوصول إلى توعية المجتمع الذكوري بضرورة إتاحة الفرصة للمرأة بالظهور اجتماعيًا وسياسيًا والاهتمام بحقوق المرأة، وبقيت أسيرة العادات الشرقية. كل تلك العذابات والإخفاقات كانت تعيشها المرأة السورية، ولتجميل صورة العصابة الحاكمة وأنها مهتمة بالمرأة فقد تبوأت إحداهن مركز نائب رئيس الجمهورية دون أن تعطي من موقعها هذا أي اهتمام بالمرأة السورية ومعاناتها وتشجبعها للإنخراط بالعمل السياسي.” ثم قال ” عندما انطلقت الثورة المباركة لعبت المرأة السورية في بدايتها دورًا بارزًا (أم_أخت_زوجة)، وتمثلت المرأة في العديد من المؤسسات(المجلس الوطني _الحكومة السورية المؤقتة_المؤتمرات والتجمعات السياسية والاجتماعية من قبل التيارات والتجمعات السياسية ومن قبل منظمات المجتمع المدني) إلا أن دورها بدأ ينحسر تدريجيًا لأسباب عديدة أذكر منها:
1-محاولة استئثار الذكور بالعمل السياسي والنظرة الدونية للمرأة على أنها لا تصلح للمشاركة السياسية.
2-توزع اهتمامات المرأة في الخارج، وهنا نستطيع التمييز بين الخارج في دول الجوار وبين الخارج في أوروبا.
أ_ففي دول الجوار كان الهم الأكبر للمرأة السورية العمل على تأمين لقمة العيش لأسرتها إذا كانت أرملة ولديها أولاد تعيلهم، أما إذا كانت متزوجة وضمن أسرة وزوج وأولاد فكان اهتمامها متوجهًا لرعاية الأسرة وتأمين متطلباتها بالإضافة إلى أن الزوج في أغلب الأحيان وانطلاقًا من نظرته الشرقية لايسمح لها بالعمل السياسي. ومن جانب آخر( مما زاد الطين بلة) الكفاءات العلمية النسائية تراجعت بسبب عدم تمكن البعض منهن من دخول الجامعات والمعاهد في بلاد اللجوء إما لأسباب مادية أواجتماعية خوفًا عليها، الأمر الذي أعاق اندماجها بالعمل السياسي.
ب_ في أوروبا وبلدان اللجوء كان اهتمام المرأة السورية يتركز حول التأقلم مع الحياة الأوروبية الجديدة مما أدى إلى حدوث انفصام في شخصيتها أمام إغراءات الحرية الكبيرة المعطاة للمرأة في أوروبا(التي كانت تفتقدها في سورية) ، الأمر الذي أدى إلى ضعف انتمائها الوطني والعزوف عن العمل السياسي، بالإضافة إلى أنها حملت معها عاداتها الشرقية والتمسك بالأسرة التي أخذت من وقتها الكثير.” ثم أضاف” أرى أنه ولتشجيع المرأة السورية على الولوج في العمل السياسي والاهتمام بالشأن العام لابد من إيجاد السبل لتوعيتها من خلال الدورات التي تنظمها منظمات المجتمع المدني بالإضافة إلى ندوات التوعية من قبل التيارات السياسية المختلفة. وبالوقت نفسه لا أرى أي اهتمام من قبل مايسمى مؤسسات المعارضة بالمرأة السورية وتشجيعها للعمل السياسي، بل على العكس من ذلك حوربت وماتزال من قبلهم. كما أنني أدعو مجتمع الذكور (الآباء_الأزواج_الإخوة) إلى الاهتمام بتوعية المرأة سياسيًا والسماح لها لتقوم بدورها في العمل السياسي على الساحة السورية”.
كما أكد الكاتب السوري بسام شلبي بقوله: ” أعتقد أن انحسار دور المرأة في المشاركة السياسية داخل وخارج سورية يأتي ضمن السياق الطبيعي لانحسار عام يشمل كلا الجنسين وذلك تفرضه الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها الشعب السوري في مرحلة ما بعد انكسار الثورة السورية العظيمة التي امتدت ما يقارب العقد من الزمان كانت مرحلة استثنائية في حياة الشعب السوري رجالًا ونساء وأطفالاً أيضًا. وأنا أرى أن ما قدمته المرأة السورية في سياقها وخلال مسارها الصعب والمؤلم كان أكبر وأعظم بكثير مما كان متوقعًا أو مما كان متاحًا وفقًا للمعطيات المادية والثقافية والاجتماعية حينها، و كان فعلًا دورًا مشرفًا ومدهشًا ومتجاوزًا لكل الأطر والمعطيات خلال مراحلها المتعددة من الحراك المدني العفوي إلى الفعل الثوري المنظم إلى المسار العسكري. ولكن من الطبيعي أن استمرار هذا الوضع الاستثنائي ليس ممكنًا وما منيت به هذه الثورة العظيمة اليتيمة من هزائم وما تعرضت له من ضربات وحشية قاسية انعكس سلبًا على كافة مناحي الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمجتمع السوري قاطبة داخل الوطن و خارجه. ومن الطبيعي أن يكون تأثر المرأة أكبر لأنها ما تزال العنصر الأضعف في التركيبة الاجتماعية والسياسية القائمة قبل وبعد الثورة.
ونالت نصيبها أو أكثر من كافة المآسي التي لحقت بالشعب السوري من الاعتقال والقتل والتهجير الداخلي والخارجي والحصار والافقار”. ثم قال “لا شك أن صدمتها كانت أكبر وأقسى، بعد الطموحات والآمال الكبيرة التي رافقت الحراك الثوري في ذروة نشوته وتقدمه
وقد وقعت المرأة بالذات بين مطرقة النظام القمعية وسندان القوى الدينية الرجعية المتشددة التي أريد لها أن تتصدر المشهد في بعض مناطق سورية. ولكن رغم كل ما نراه من تقهقر ونكوص وخيبات الأمل التي أدت إلى العطالة والانكفاء، فإنني أرى أن هذه مرحلة مؤقتة وضمن سياق طبيعي مؤقت سينتهي باستعادة التوازن، وأنا أتوقع مستقبلًا بأن دور المرأة السورية سيكون كبيرًا ومؤثرًا وفاعلًا في مستقبل الشعب السوري السياسي والاجتماعي والاقتصادي. لا سيما أن المرأة الآن -و بالأخص داخل سورية- تتحمل عبئًا كبيرًا في كافة الشؤون المعيشية بسبب غياب أو قلة تواجد العنصر الذكوري بالأخص في فئة الشباب والكهول، وهذا الإنشغال قد يمنعها حاليًا من ممارسة دور مؤثر في الحياة السياسية والثقافية، لكنه سيكون العامل الأهم في تقوية وضعها وتنمية إمكانياتها لتعب دورًا كبيرًا في المستقبل بعد انزياح هذا العبء الثقيل وتغيير الظروف الاقتصادية والسياسية”.
الكاتب والقاص السوري أسامة الحويج العمر قال :” لقد كان دور المرأة في المشاركة السياسية يعاني من انحسار وتراجع حتى قبل اندلاع الثورة السورية، على الرغم من ادعاء النظام دعمه لحقوق المرأة ووصولها لمنصب وزير ونائب الرئيس، وذلك لأسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية وتربوية، وبعد قيام الثورة ازداد التفاؤل بتأسيس وترسيخ مشاركة المواطن السوري في الحياة السياسية والعمل السياسي، وبطبيعة الحال كانت مشاركة المرأة جزءً أساسيًا من ذلك المطمح والأمل الذي ملأ القلوب، لكن ومع بدء التدخلات الخارجية التي كان هدفها تشتيت زخم الثورة وبعثرة جهود أبنائها وإفراغها من محتواها انحسر دور المرأة في المشاركة السياسية أكثر من أي وقت، إذ كان لتسونامي التشريد والتهجير بصورة انفجارية لاسابق لها سواء في دول الجوار أو دول العالم، والقتل والتعذيب والتجويع والنوم في العراء حيث لا ينزل من السماء سوى البراميل المتفجرة والثلوج والأمطار والعواصف، كان له الأثر الأكبر في تحديد الأولويات بمنتهى الصرامة والقسوة، لن تستطيع المرأة السورية الوصول إلى المكانة اللائقة بها في المشاركة السياسية مالم تنجح الثورة التي قامت على أسس ثابتة لا يمكن أن تتزعزع: تأسيس دولة القانون، التعددية السياسية والديمقراطية، احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، التداول السلمي للسلطة، القضاء على الفساد.”.
المصدر: إشراق