حسام محمد
تجهد الإدارة الروسية عبر استخدام حزمة من الدول العربية الحليفة لها كورقة ضغط دبلوماسية وسياسية لإعادة الحديث العربي-العربي حول ضرورة إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وأن التطبيع مع بشار الأسد بات خيارا لا مفر منه، كما تلوح موسكو بورقة الصفقات الاقتصادية تارة والعسكرية تارة أخرى لإغراء بعض الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية بإحداث نقلة في طبيعة العلاقات مع دمشق.
إذ تستغل روسيا تأرجح الموقف الأمريكي، وتبعثر القرار العربي وغياب التأثير الأوروبي لإحداث ممشى لمخططها السياسي الرامي لصبغ النظام بـ «الشرعية» عبر إعادة المقعد السوري في الجامعة للأسد، إلا أن الهندسة الدبلوماسية الروسية اصطدمت بمواقف عربية وإقليمية لدول حسمت قراراتها ورفعت فيتو نافذ سيكون من شأنه إحباط ذلك المشروع، تزامنًا مع فرز الدول مجددًا إلى معسكرات حول طبيعة الحل في سوريا، وسط تراجع بعض الدول العربية عدة خطوات للوراء.
في السادس من كانون الأول/ديسمبر الحالي، أعلنت دولة قطر أن أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية «لم تتغير» وأنه «لا منطق» لتطبيع العلاقات مع النظام السوري في الوقت الحالي، إذ قال وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال بيان مشترك مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو: «إذا لم تتم إعادة اللاجئين والنازحين لمنازلهم ومناطقهم وتغير سلوك النظام، فإنه لا منطق لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، ولا أعتقد أننا في موقف يسمح لنا بحضور النظام السوري قمة الدول العربية».
في حين قال وزير الخارجية التركية إنه يؤمن بأن دعوة النظام السوري إلى حضور قمة جامعة الدول العربية أو أي اجتماع دولي آخر دون حل جذري، من شأنه «دفع هذا النظام للاستمرار في بطشه واعتداءاته» وكان مجلس الجامعة العربية، علق عضوية سوريا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 على خلفية بطشه بالمدنيين عقب الثورة التي عمت البلاد.
كما شهدت القمة الثنائية القطرية-السعودية التي عقدت في 9 كانون الأول/ديسمبر الحالي، في ختام زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الدوحة، تأكيد الجانبين على أهمية الوصول إلى حل سياسي للأزمة في سوريا وفقا لإعلان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن رقم (2254) لإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب، والحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، ودعم جهود المبعوث الأممي الخاص بسوريا.
قلق أمريكي
انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية التطبيع الإماراتي مع النظام السوري، وقال وزير خارجيتها أنتوني بلينكن: «قلقون من الإشارات التي تبعثها زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق، ونذكّر شركاءنا بالجرائم التي ارتكبها النظام السوري» وتابع: «لا ندعم التطبيع مع الحكومة السورية».
المعارض السوري أيمن عبد النور، قال لـ «القدس العربي»: هناك عدم ترابط بين ما تقوله الإدارة الأمريكية حول التطبيع مع النظام السوري وبين ما يفعلونه، ففي التصريحات لا يوجد هناك أي تغيير، وقانون قيصر ما زال نافذًا، ولن يكون هناك أي انفتاح أو تطبيع مع بشار الأسد، ولن يكون هناك أي تمويل من أجل إعادة الإعمار. ولكن على أرض الواقع، من الملاحظ وجود تراجع بالموقف الأمريكي، من ناحية عدم اتخاذ خطوات لمنع الدول الأخرى من التطبيع مع النظام السوري على كافة الأصعدة الدبلوماسية أو الإعلامية، كتلك المرحلة الحاسمة التي كانت سائدة إبان فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب».
فطرح بعض القضايا والاستثناءات كخط الغاز العربي والحراك الأردني، وفتح الحدود تحت البنود الإنسانية، واستغلال الجائحة، وهي ملفات تعكس عدم ترابط داخل الإدارة الأمريكية العليا، ووجود تراخ بتنفيذ القرارات.
السياسي السوري درويش خليفة علق على التصريحات الرسمية القطرية الرافضة لإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية وكذلك التطبيع معه، بالقول: «لا يزال الموقف القطري ثابتاً إزاء عودة نظام بشار الأسد إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية، حيث عبرت القيادة القطرية مراراً عن موقفها، معللةً ذلك إلى أن الأسباب التي أدت لتعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة».
ودائما ما نسمع من الدبلوماسية القطرية، أن سلوك النظام السوري لم يتغير، وهو ما يجعلها متشددة في رفضها عودة النظام إلى الحضن العربي.
والأكثر وضوحا في الموقف القطري، هو استضافتها لشخصيات معارضة منشقة عن نظام الأسد ولها ثقلها في الملف السوري. ما يشير إلى تقديم دعم إضافي للمعارضة السورية والإبقاء على تقديمها المساعدات للسوريين في المخيمات ودول الجوار.
ذات الموقف ينطبق وفق ما قاله خليفة لـ «القدس العربي» على السياسة التركية تجاه النظام السوري، ولكن أنقرة ليست معنية بعودة الأسد إلى مقعد الجامعة العربية، إنما ينبع موقفها من النظام بسبب جرائمه العديدة، التي أدت إلى نزوح ملايين السوريين إلى شمال بلدهم، بالقرب من الحدود الجنوبية التركية، ما شكل أزمة إنسانية قرب الشريط الحدودي للبلدين، كما أن انسجام المواقف القطرية-التركية يعتبر بمثابة فيتو أمام الحرب الدبلوماسية التي تقودها روسيا لإحداث ثغرة سياسية لصالح الأسد. علاوة على ذلك، فإن التواجد التركي في سوريا ودعمه لفصائل المعارضة يتطلب خطوات عديدة من النظام، حتى تتخلى أنقرة عن دعمها للمعارضة وتستعيد علاقاتها مع الأسد، وهو أمر بعيد المنال في ظل الظروف الحالية.
الأسد تهديد
للأمن القومي التركي
الباحث في مركز «الحوار» السوري محمد نذير سالم، يرى أن وقوف تركيا وقطر ضد التطبيع مع النظام السوري يمكن وسمه بـ «الطبيعي» على اعتبار الدولتين من المؤيدين للربيع العربي عموما، وعلى الرغم من تراجع مواقفهما في هذا التأييد إلا أن النظام السوري وتعنته وما سببه من قتل وتدمير وتهجير يجعل من الصعب على أي دولة التطبيع معه بدون خسارة كبيرة في الرصيد الأخلاقي والقوة الناعمة، وهو ما تعتمد عليه كل من تركيا وقطر في نشر نفوذهما.
يضاف إلى ذلك بالنسبة لتركيا وفق ما قاله الباحث لـ «القدس العربي»: التصريحات الأخيرة لمجلس الشعب التابع للنظام السوري، والتي تدعو لاستعادة لواء اسكندرون من تركيا، وهو ما يمكن ترجمته تهديداً واضحاً للأمن القومي التركي بشكل مشابه لتهديد حزب العمال الكردستاني.
إضافة لذلك، فهناك هجمات جيش النظام السوري التي استهدفت الجنود الأتراك عدة مرات، وأدت لاستشهاد عدد منهم، وهو ما يتفق مع تصريحات الرئيس التركي بأنهم يعتبرون النظام السوري كتهديد، بالتالي من الطبيعي أن يتم رفض التطبيع معه في صيغته الحالية التي تمثل تهديداً للأمن القومي التركي، سواء من خلال تهجير اللاجئين لتركيا أو دعم الانفصاليين، خاصة أن الموقف الأمريكي ما زال يميل إلى عدم التطبيع على الرغم من تراخيه في العقوبات.
تصفية الوجود الفلسطيني
بعض الأنظمة العربية ترى في النظام السوري حليفا مقاوما وداعما للقضية الفلسطينية، وتعمد هذا التوصيف لإعادة التطبيع مع الأسد وبذل جهود لإعادته إلى الجامعة العربية، إلا أن تلك الأطراف تتجاهل ما فعلة النظام باللاجئين الفلسطينيين في سوريا من قتل وتشريد وتهديم للمخيمات.
وفي هذا الإطار قال المنسق العام لتجمع مصير أيمن أبو هاشم، لـ «القدس العربي»: كل الجرائم ارتكبها النظام السوري بحق اللاجئين الفلسطينيين سواء في سوريا أو لبنان خلال العقود الماضية، وفي زمن الثورة السورية عمل الأسد على تصفية الوجود الفلسطيني في سوريا من خلال تدمير المخيمات وتهجير اللاجئين.
انتهاكات النظام السوري غير المحدودة بحق اللاجئين الفلسطينيين، لا تقيم لها الدول العربية وزنا، كما أرجع أبو هاشم، أسباب ذلك إلى المسطرة التي تقيس من خلالها الأنظمة العربية علاقاتها مع الأسد، من خلال تعويم المصالح وطرق تحقيق المصالح الإقليمية والدولية قبل مصالحها الذاتية، وهو ما جعلنا نشاهد مطلع الثورة السورية مواقف لبعض الدول العربية مناهضة للأسد، لكنها كانت ناجمة عن الضغوط الدولية التي واجهت الأسد، وهي دلائل على أن تلك الأنظمة لا تحترم حقوق الإنسان.
المصدر يعتقد أن محاولة بعض الدول العربية إعادة تأهيل النظام السوري من بوابة الجامعة العربية، هو حدث متصل بتقارب تلك الدول مع إسرائيل عبر اتفاقيات التطبيع، وتعويم الأسد على حساب حقوق الفلسطينيين والسوريين على حد سواء، وما يجري الآن هو تأكيد على بنية بعض الأنظمة العربية التي لا تريد للدول العربية أن تنعم بالديمقراطية والحرية.
المصدر: القدس العربي