عدنان عبد الرزاق
أزمة نقص القمح والارتفاع المرتقب لأسعار الخبز يهدّدان بدخول مزيد من السوريين إلى دائرة الجوع.
ويكشف عضو لجنة التخطيط الزراعي السابق بسورية، عبد الهادي الطيب، لـ”العربي الجديد”، أن عقدي استيراد القمح اللذين وقعهما نظام بشار الأسد، لاستيراد مليون طن من القمح منذ شهرين، معطلان حتى الآن بسبب ارتفاع السعر العالمي واعتذار الموردين المحليين عن استيراد 500 ألف طن.
وأضاف: “لكن من المتوقع أن يجبر نظام بشار الأسد الموردين المحليين على استيراد الكمية، وإعادة التفاوض مع روسيا الاتحادية لرفع السعر”.
وتشهد أسعار الغذاء العالمية ارتفاعات مستمرة، لتبلغ ذروة عشر سنوات مدفوعة بارتفاع أسعار الحبوب والزيوت النباتية، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” الأمر الذي بدّل من بنود الاتفاقات السابقة التي أبرمها نظام الأسد، بحسب الطيب الذي قال: “كانت اتفاقات نظرية ولم يتم دفع مبالغ أولية وضمانات للموردين المحليين والأسعار ارتفعت بأكثر من 10% بعد ارتفاعها منتصف العام الجاري بنحو 32%”.
وستشهد سورية، وفق الطيب، دخول مزيد من السوريين في دائرة المجاعة إذا تأخر توريد العقدين، لأنّ مخازن القمح بمناطق سيطرة الأسد “شبه خاوية” وليس صحيحاً ما يشيعه مدير مؤسسة الحبوب أو وزيرا الزراعة والتجارة الداخلية، بحكومة الأسد، بأنّ لدى النظام مخزوناً استراتيجياً يكفي لستة أشهر.
وتعاني سورية التي كانت تنتج بين 3.5 و4 ملايين طن قمحاً، قبل عام 2011 من ندرة المحصول، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج (أسعار الوقود والأسمدة والأجور) إضافة إلى الجفاف وتوزع الأراضي المنتجة للمادة، بين “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سورية، وهي الأكثر إنتاجاً بحسب المهندس الزراعي، يحيى تناري، وبين المناطق المحررة (شمال غرب) لتبقى حصة نظام الأسد بمناطق وسط وجنوبي سورية ومدن الساحل. ويؤكد تناري لـ”العربي الجديد” أنّ إنتاج القمح في البلاد، انخفض الموسم السابق بنحو 200 ألف طن مقارنة بعام 2020، مقدراً حصة الأسد بأقل من 400 ألف طن الموسم السابق، رغم أنّ الاحتياجات تبلغ أكثر من 2.2 مليون طن.
ويشير المهندس الزراعي السوري إلى تراجع البذور المحلية، ما أدخل بذوراً من دول الجوار لمناطق شرقي سورية وعمق مناطق الأسد، بعد تراجع الكميات المسلّمة من المؤسسة العامة لإكثار البذار (حكومية).
وتدعم الولايات المتحدة الأميركية منطقة شمال شرقي سورية (الإدارة الذاتية) ببذور القمح عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). وبحسب بيان للسفارة الأميركية في دمشق في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يبلغ الدعم نحو ثلاثة آلاف طن من بذور القمح عالية الجودة للمزارعين في المنطقة، مع بدء موسم زراعة القمح.
وكان المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب التابعة للنظام، عبد اللطيف الأمين، قد كشف سابقاً عن إبرام عقود لاستيراد مليون طن من القمح، منها 500 ألف طن من روسيا الاتحادية و500 ألف طن من الموردين السوريين المحليين قيمتها نحو 319 مليون دولار تقريباً.
إلّا أنّ مدير مؤسسة الحبوب بالحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) حسان محمد يؤكد إرجاء عمليات التوريد للنظام “حتى الآن” بسبب اختلاف الأسعار وتشكيك الموردين الداخليين في ضمانات نظام الأسد بمنحهم السعر وفق سعر الدولار والقمح بالأسواق وقت التسليم. ويحذر محمد في تصريحه لـ”العربي الجديد” من نفاد القمح بمناطق الأسد، لأنّ كامل إنتاج سورية العام الماضي لم يتجاوز 700 ألف طن، وتبلغ حصة النظام نصف الكمية تقريباً، في حين يزيد الاستهلاك عن مليوني طن.
ولم يستبعد مدير المؤسسة المعارضة أن يلجأ نظام الأسد إلى رفع أسعار الخبز ثانية، بعد رفعها بنسبة 100% في سبتمبر/ أيلول الماضي، ليصل سعر ربطة الخبز 200 ليرة (الدولار = نحو 3500 ليرة)، ومن ثم السماح للمعتمدين برفع السعر 50 ليرة: “لكن لا خبز كافياً، بل يصل سعر الربطة بالسوق إلى أكثر من 1000 ليرة سورية”. وحول ملامح الموسم المقبل، يقول مدير مؤسسة الحبوب: “حتى الآن الموسم غير مبشر، ومنطقة الجزيرة شرقي سورية، لم تصل إليها أمطار، وإن لم تهطل سيكون هناك “كارثة” بعموم سورية، وستعجز حكومة الأسد عن تأمين الرغيف”.
واعتمد نظام الأسد ما يسمى “آلية التوطين” ليقنن حصة المستهلكين من الخبز، بما لا يتجاوز مخصصات الفرد الواحد من مادة الخبز ربطة واحدة كلّ يومين، بينما يحق للأسرة المكوّنة من ثلاثة أفراد 30 ربطة في الشهر، بسقف ربطتين يومياً.
ويقوم مبدأ التوطين على توزيع الخبز عبر “البطاقة الذكية”، بما يتيح تحديد مخصصات الأسرة الوحدة بشكل شهري وفق عدد أفرادها، ما أدى لانتشار سوق سوداء للخبز بسورية، تزيد فيها الأسعار 5 أضعاف عن السعر الرسمي.
وحول وقوع مناطق سيطرة المعارضة السورية بأزمة نفاد المخزونات، يضيف مدير مؤسسة الحبوب بالحكومة السورية المؤقتة: “قمنا بجميع الاحتياطات لتأمين القمح والدقيق للأفران. لدينا منظمات دولية داعمة، وقد اشترينا قسماً من القمح ولدينا مخزونات بأكثر من 50 ألف طن إضافة إلى توريدات خارجية مستمرة، سواء من القمح أو الطحين، كي لا نمد اليد إلى المخزونات”.
وطاولت أزمة الخبز المناطق المحررة، شمال غربي سورية، لجهة ارتفاع الأسعار على الأقل، بحسب ما يؤكد الناشط الإغاثي محمود عبد الرحمن من إدلب، مضيفاً أنّ سعر ربطة الخبز، زنة 650 غراماً، بمناطق حكومة الإنقاذ (إدلب وريف حلب الغربي)، حالياً نحو خمس ليرات تركية بالسوق.
لكنّ حكومة الإنقاذ تدخلت لدعم الخبز لنحو 40 فرناً، وتحديد سعر ربطة الخبز بـ2.5 ليرة تركية بوزن 600 غرام (الدولار = 16.40 ليرة تركية).
المصدر: العربي الجديد