محمد كساح
يثير طرح حكومة النظام السوري سندات خزينة خلال العام المقبل الشكوك حول تمكنها من تمويل الموازنة الجديدة بعيداً عن الأساليب التقليدية المتبعة خلال السنوات الأخيرة والتي تتمثل بطباعة كميات من العملة وطرح فئات نقدية أعلى، ما يعني الوقوع في فخ التمويل بالعجز، وما ينجم عن ذلك من تفاقم التضخم وتدني قيمة العملة المحلية.
وأعلنت وزارة المالية السورية عزمها طرح سندات خزينة لجمع ما قيمته 600 مليار ليرة، في 2022، من خلال 4 مزادات للاكتتاب، حيث بررت الخطوة بأنها لتمويل المشاريع الاستثمارية للقطاع العام، وذلك من خلال التمويل المتوافر لدى المصارف العاملة في سوريا، أو لدى الأفراد عن طرق فتح حسابات لدى هذه المصارف.
ووفقا لروزنامة سندات الخزينة، التي أعلنتها الوزارة فإن موعد المزاد الأول سيكون في 10 كانون الثاني/يناير 2022، وستطرح فيه سندات خزينة بقيمة 200 مليار ليرة لأجل 5 سنوات، والمزاد الثاني سيكون في 11 نيسان/أبريل، وستطرح فيه سندات ب100 مليار ليرة لأجل 3 سنوات.أما موعد المزاد الثالث فقد تحدد في 11 حزيران/يونيو، وستطرح فيه سندات خزينة بقيمة 200 مليار ليرة لأجل سنتين، والمزاد الرابع بتاريخ 10 تشرين أول/أكتوبر، وستطرح فيه سندات بقيمة 100 مليار ليرة لأجل سنتين.
ويقارب العجز في الموازنة العامة 4.12 تريليونات ليرة سورية. وتقول الحكومة إنها تنوي تغطية 600 مليار ليرة من العجز عبر سندات الخزينة، ونحو 500 مليار ليرة من موارد خارجية، والباقي ستتم تغطيته عن طريق مصرف سوريا المركزي كاعتمادات مأخوذة من الاحتياطي لدى المركزي.
طمأنة لسوق الصرف
يهدف النظام من طرح سندات الخزينة إلى محاولة طمأنة سوق الصرف بأن الأمور لا تزال تحت السيطرة، وقد يكون الهدف أيضاً تمويل الرواتب والأجور واستيراد بعض المنتجات، وشراء محاصيل من المزارعين، بحسب حديث للباحث الاقتصادي سمير طويل ل”المدن”.
ويرى طويل أن الحكومات -عادة- تلجأ إلى طرح سندات خزينة للمصارف من أجل تمويل مشاريع استثمارية، إلا أنه بالنسبة لحكومة النظام السوري فليس لديها أية مشاريع، بل إن الموازنة تتعلق في معظمها بالإنفاق الجاري، ولهذا، فإن طرح السندات -الذي يعد ديناً على الحكومة- يهدف بشكل أساسي، إلى تمويل عجز الموازنة.
ويضيف أن الحكومة لا تمتلك أي موارد من أجل الموازنة سوى الضرائب والرسوم التي تغطي بعض البنود في الموازنة، لذلك، لا خيارات أمامها سوى بيع سندات الخزينة والاستدانة من المصارف، ما يعني أنها ستزيد العجز عجزاً وترتب ديوناً إضافية عليها.
غياب ثقة القطاع الخاص
ويرى الخبير الاقتصادي كرم شعار في حديث ل”المدن”، أن الهدف الأساسي من قيام حكومة النظام بطرح سندات خزينة هو الحصول على تمويل من دون إحداث تضخم، موضحاً أن هذا الإجراء “عبارة عن اقتراض من المصارف والقطاع الخاص.. هذا المبلغ المفترض، تقوم الحكومة بإنفاقه ثم تدفع قيمته لاحقاً. هو بمثابة قرض تحصل عليه الحكومة من المصارف الخاصة”.
ويشير شعار إلى أن معدلات التضخم في الاقتصاد السوري خلال السنوات ال10 الأخيرة وصلت إلى 2000 في المئة ما يعني أن أسعار السلع زادت 20 ضعفاً، مع مؤشرات تدل على أن الواقع أكثر من ذلك لكن هذه النسبة يمكن قراءتها من الأرقام الرسمية التي تنشرها الحكومة.
وفي حال لم تقدم الحكومة على طرح سندات الخزينة فإن البديل عنه لتمويل الموازنة العامة يتمثل بطباعة النقد بغية الحصول على الكتلة النقدية اللازمة.
ويرى شعار أن فكرة بيع السندات “فكرة جيدة اقتصادياً من حيث المبدأ، على اعتبار أن البديل هو التمويل بالعجز نظراً لغياب الاقتراض الخارجي”. لكنه يستدرك قائلاً إن الواقع يشير إلى أن “التمويل بالعجز في سوريا منتشر بكثرة. مثلاً طباعة النقد لتغطية الإنفاق الحكومي يتغلب من حيث الحجم على طرح السندات”.
ويلمح شعار إلى أن اللجوء إلى طرح السندات في طريقه إلى الانخفاض. ويطرح مثالاً على ذلك بأن قرابة 7.05 في المئة من موازنة العام 2020 تم تغطيتها من السندات، فيما ستكون نسبة التغطية من خلال طرح السندات في الموازنة الجديدة وفقاً للأرقام المقترحة أقل من 4.05 في المئة.
كخلاصة، يلمح شعار إلى وجود نوع من غياب الثقة من جهة المستثمرين والمصارف الخاصة، والقطاع الخاص بشكل عام، ما يجعل إقبالهم على شراء سندات الخزينة وبالتالي إقراض الحكومة ضعيفاً، وهو ما يجعل الحكومة تعتمد بشكل شبه تام على التمويل بالعجز، الذي يخلق آثاراً تضخمية كبيرة ستطاول الاقتصاد.
لم سيفشل هذا الإجراء؟
ويقول المستشار الاقتصادي أسامة قاضي ل”المدن”، إن سندات الخزينة تكون مربحة في حالتين:عندما تكون نسبة الفوائد أكبر من نسبة التضخم وهذا غير موجود حالياً في سوريا في ظل التضخم الهائل، أو في حال كانت تشكل نوعاً من الضمان لاستثمارات طويلة الأمد وهذا أيضاً لا يمكن أن توفره الخزينة السورية.
ويرى قاضي أن الحجم الهائل من التضخم المكبوت في الاقتصاد السوري ينذر بانخفاض حاد قريب في قيمة العملة السورية، وفي “ظل هذا الوضع بالغ السوء لا يمكن أن تمثل سندات الخزينة أداة استثمارية إطلاقاً، بل يتم شراؤها من قبل المصارف الخاصة والأفراد بشكل إجباري”.
على مدى السنوات السابقة فشلت جميع محاولات النظام لدعم الليرة السورية والاقتصاد المتهاوي، وينطلق قاضي من هذه النقطة ليرجّح أن أمراء الحرب وكافة الشبكات المرتبطة بهم لن يقدموا على شراء السندات بشكل تطوعي، لكن وحتى في حال تم إجبارهم على ذلك، فلن تؤدي العملية برمتها إلى تلافي عجز الموازنة.
المصدر: المدن