وليد التليلي
يتحدث الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، في مقابلة مع “العربي الجديد” من باريس (مقر إقامته)، بعد إصدار المحكمة الابتدائية في تونس يوم الأربعاء الماضي حكماً ابتدائياً غيابياً عليه بالسجن لمدة أربع سنوات، عن رؤيته للمرحلة المقبلة وتصوراته لتطور الأحداث في تونس بعد هذا التصعيد الذي تشهده الأزمة الحالية (والمتمثل بملاحقة الرئيس قيس سعيّد لخصومه)، معلناً أنه ينتظر إشارة من المناضلين في تونس من أجل تحديد شكل وموعد عودته إلى هناك.
ويأتي ذلك على الرغم من أن قيادات حزبية كانت أكدت لـ”العربي الجديد”، أنها طالبت المرزوقي بعدم العودة الآن، وأن يكون قرار عودته جماعياً ولا يتخذه منفرداً.
فماذا يقول المرزوقي عن هذا الحكم، والتطورات التي تشهدها الساحة التونسية منذ القرارات الانقلابية للرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/ تموز الماضي وحتى اليوم؟
ترددت أنباء عن إمكانية عودتكم إلى تونس، في رسالة تحدٍ جديدة من قِبلكم، هل هذا صحيح؟
أنتظر إشارة القيادات في الميدان، حتى يكون لرجوعي إضافة كبرى لعملية إنهاء الانقلاب.
كيف وصل إليكم هذا المد التضامني الكبير من الساحة السياسية والحقوقية التونسية معكم، ضد هذا الحكم الغيابي، وحتى ممن يختلفون معكم سياسياً؟ وهل ترون فيه بداية تشكل وعي لدى النخب التونسية لمواجهة هذا الخطر المحدق بالتجربة الديمقراطية التونسية وتجاوز الخلافات؟
نعم، المد التضامني كان من ناحية صفعة للمنقلِب، وبلسماً على جراح قديمة. ومن ناحية سياسية، هو دليل على تجذر الوعي الحقوقي والمطلب الديمقراطي عند شرائح واسعة من الطبقة السياسية، ووعيها بأن التهديد عبر هذا الحكم هو للجميع، ومن ثم الموقف الذي سيرن كجرس إنذار قوي لدى النظام، ولا أقول لدى سعيّد. لأن هذا الرجل آت كما قال من كوكب آخر (في إشارة إلى تصريح سابق للرئيس قيس سعيّد قال فيه إنه يشعر أحياناً أنه من كوكب آخر).
كيف تقيّمون المشهد التونسي اليوم؟ وإلى أين تسير البلاد برأيكم؟
المشهد هو عبارة عن تراكمات سريعة لأزمات متلاحقة: الأزمة السياسية والاقتصادية والوبائية، ومن ثم ستكون قضية الانفجار مسألة وقت، ووقت قصير جداً.
ما هي العوامل والمؤثرات، الداخلية والخارجية، التي ستحدد مسار البلاد في المرحلة المقبلة؟
أعتقد أن جلّ القوى الفاعلة، خارجياً وداخل الدولة العميقة، وصلت إلى النتيجة نفسها، المتمثلة في أن الرجل (سعيّد) لا كفاءة له ولا مصداقية، وأننا أمام حالة مرضية، ومن ثم أعتقد أن البحث عن بديل مطمئن لهذه القوى يجري على قدم وساق.
وهنا يجب على القوى الديمقراطية أن تنتبه، وأن تستعد لسيناريو شبيه بالذي حدث عند الانقلاب الطبّي لـ(الرئيس المخلوع الراحل) زين العابدين بن علي (في إشارة إلى ما اعتمد عليه بن علي في إزاحة الحبيب بورقيبة من الحكم سنة 1987، بالاعتماد على عدم أهليته الصحية وإقرار عدد من الأطباء بذلك، ومن ثم تنحيته من الرئاسة حتى تتخذ العملية شكلاً قانونياً).
في هذا الصدد، ما هي حدود تأثير الضغط الخارجي على الساحة التونسية؟
إذا تحرك الشارع السياسي والاجتماعي لوضع حد للانقلاب، فلن يكون لهذا الضغط أي تأثير، وإلا فإنه هو الذي قد يحدد مصير البلاد بالتفاهم من وراء ظهر الشعب مع الدولة العميقة.
لماذا فشلت التجربة التونسية في حماية نفسها، وما هي أسباب تعثرها، وهل هو تعثر مؤقت برأيكم أم انتكاسة مطولة؟
هناك قرار إقليمي ودولي بإفشال كل ثورات الربيع العربي، والباقي مسؤوليتنا نحن.
ما هي خريطة الطريق الموضوعية والواقعية التي تقترحونها كمخرج للبلاد؟
في إطار اللاشرعية، هناك الانقلاب الطبي (مثلما حصل بين بن علي وبورقيبة). أما في إطار الشرعية، فخريطة الطريق تتمثل بعودة البرلمان وانتخابات تشريعية ورئاسية في أسرع وقت ممكن. وإلا فإن الخيار سيكون بين التعفن والفوضى.
العديد من أنصاركم وداعميكم يريدون عودتكم إلى الساحة السياسية من جديد، هل هذا ممكن، وما هي شروطه؟
عندما أعلنت اعتزالي من الساحة السياسية (حصل ذلك بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019)، قلت لن أعود إلا في حالة تهديد على النظام الديمقراطي، وكنت أعتقد حقاً أن هذا لن يحصل. لكنه حصل للأسف، ولذلك لا خيار لي غير العودة للعمل السياسي من أجل الإطاحة بالانقلاب وبذل كل ما في وسعي لكي تستأنف الثورة مسارها الذي توقف بعد عودة الثورة المضادة للحكم سنة 2014.
ما رأيكم بما يذهب إليه البعض بأن شعوب المنطقة تميل إلى النظام الرئاسي؟ وما هو برأيكم النظام السياسي الأفضل والأكثر مرونة في إدارة الشأن العام وحماية الديمقراطي من ناحية وفصل السلطات من ناحية أخرى؟
القضية ليست ما تميل إليه الشعوب وإنما ما تحتاجه، وهو نظام ديمقراطي يضمن الاستقرار بقانون انتخابي يمكّن من فرز أغلبية، ونظام يمنع تكدس كل السلطات بين يدي رئيس حكومة، ولو برلمانية أغلبية، لأنه يمكن أن يصبح ديكتاتوراً، (انظر إلى مثال رئيس الوزراء فيكتور أوربان في المجر)، ولا بين يدي رئيس دولة، وكلنا نعرف كم جرّ علينا هذا النظام من كوارث.
المصدر: العربي الجديد