إبراهيم حميدي
الغارة الإسرائيلية الأخيرة على «حاوية أسلحة» في ميناء اللاذقية، قد تشكل نقطة محورية، أو على الأقل محطة أساسية، في الصراع السوري، خصوصاً إذا جرى التدقيق في التغيير بالموقف الروسي، وتم وضع ذلك في سياق تطورات حصلت في سوريا ودمشق وعواصم أخرى.
شنت إسرائيل في السنوات الماضية، مئات الغارات بصواريخ أرض – أرض أو بقصف جوي، على «مواقع إيرانية» في سوريا، كما أنها المرة الثانية التي يُقصف فيها ميناء اللاذقية. لكن بالتأكيد الغارة الأخيرة على الميناء تضمنت رسائل روسية واضحة إلى دمشق وطهران وواشنطن وعواصم أخرى.
إحدى إشارات التغيير الكبير في الموقف الروسي، هو أنه في 2018 حصل توتر بين موسكو وتل أبيب على خلفية إسقاط سوريا لطائرة روسية في البحر المتوسط، بعد غارات على غرب سوريا. وقتذاك، تطلب الأمر زيارات و«اعتذارات» من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، للرئيس فلاديمير بوتين، لطي صفحة التوتر.
الآن، يبدو بالفعل، أن حجم ونطاق وكثافة القصف الإسرائيلي، ما بعد لقاء بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت، في سوتشي، في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ليس كما كان قبله. واضح أن بينت حصل على «ضوء أخضر» من بوتين لتوجيه «ضربات أشد وأدق وملاحقة إيران في سوريا ومنع تموضعها الاستراتيجي». فقط طلب بوتين من إسرائيل، «عدم التعرض للمصالح الروسية في سوريا» و«تجنب استهداف مباشر للقوات السورية»، إضافة إلى إبلاغ قاعدة حميميم عبر الخط الساخن بموعد القصف قبل «فترة معقولة» من حصوله. لا شك، أن قصف أطراف دمشق بصواريخ أرض – أرض في نهاية أكتوبر مثالٌ. منع الرد على قصف قاعدة «تي فور» في ريف حمص مثال ثان. أما الاختبار الثالث، فكان بقصف ميناء اللاذقية في 7 من الشهر الماضي، ثم قبل يومين.
منذ لقاء بوتين – بينت، تغير الخطاب الروسي. قبل ذلك، كانت قاعدة حميميم تفاخر بقيام مضادات الدفاع الجوي السوري، الروسية، بالرد على القصف. وتنشر بياناتها الرسمية تفاصيل أنواع الصواريخ، التي بالتأكيد لم تشمل منظومات «إس 300» و«إس 300 المتطورة» و«إس 400». لكن بعد اللقاء، هناك ثلاثة اختبارات تؤكد تغير تعليمات الكرملين:
الأول، جاء من المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف خلال زيارته دمشق في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما قال رداً على الغارات إن موسكو «ترفض بشكل قاطع هذه الأعمال اللاإنسانية، وندعو للتواصل مع الطرف الإسرائيلي على جميع المستويات حول ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ووقف عمليات القصف». وأضاف: «في هذا السياق سيكون الرد باستخدام القوة غير بناء لأنه لا أحد يحتاج إلى حرب في أراضي سوريا».
الثاني، في نهاية الشهر الماضي، عندما أعلنت قاعدة حميميم أن القصف الإسرائيلي استهدف «مستودعاً» في مطار دمشق، في إشارة إلى مصالح إيرانية، على عكس البيان الرسمي السوري الذي أشار إلى أن «رشقات» القصف استهدفت جنوب سوريا.
الثالث، جاء بعد القصف الأخير على اللاذقية، إذ إنه لأول مرة تشرح وزارة الدفاع الروسية أسباب عدم الرد على القصف، إذ قالت في بيان إن «قوات الدفاع الجوي السورية لم تدخل قتالاً جوياً، لأنه تواجدت وقت الضربة في منطقة نيران منظومات الدفاع الجوي طائرة تابعة لقوات النقل العسكري للقوات الجوية الفضائية الروسية خلال عملية الهبوط في مطار حميميم».
لهذه الكلمات معانٍ كثيرة، خصوصاً إن تأتي من بلد مثل روسيا، حيث الكلمات تدرس في المختبرات قبل توزيعها وإلقائها. واضح، أن موسكو قررت بعث رسائل عدم رضا إلى طهران ومحاولة تمددها العسكري في سوريا. أكيد أنها لم تكن مسرورة، عندما قال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، خلال لقائه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في طهران، الشهر الماضي، إن «المقاومة هي السبيل الوحيد لاستئصال هذه الغدة السرطانية (أي إسرائيل) من المنطقة». كما أنها لم تكن راضية على قيام مسيّرات إيرانية بقصف قاعدة التنف الأميركية جنوب شرقي سوريا «رداً» على قصف تل أبيب لقاعدة «تي فور» في ريف حمص.
أيضاً، موسكو يبدو أنها قررت رفع مستوى الضغط على دمشق، كي تنحاز إلى الخيارات الروسية. ولا شك أن ظل القصف الإسرائيلي في القنيطرة، شيء، وفي وسط سوريا، شيء آخر. أما أن يكون القصف في اللاذقية، المعقل الرئيسي لموالي النظام وقاعدته الاجتماعية، وعلى بعد 20 كلم من قاعدة حميميم الروسية، ففي هذا رسائل كثيرة، لا تخطئ وجهتها.
لا شك أن لجم الاستهداف الإيراني للوجود العسكري الأميركي، ومباركة القصف الإسرائيلي للوجود الإيراني، وغض الطرف على تأليب القاعدة الاجتماعية في الساحل السوري، والتدخل مباشرة لتفكيك شبكات المخدرات قرب حدود الأردن، رسائل روسية إلى دول عربية كي لا تتراجع عن «التطبيع» مع دمشق، وإلى واشنطن وتل أبيب كي تباركا أكثر الدور الروسي في سوريا.
المصدر: الشرق الأوسط