د- زكريا ملاحفجي
عاشت المرأة في سورية وضعًا مأساويًّا في الأعوام الماضية وماتزال تعيشها وبتحديات أكبر، فكثيرٌ من الرّجال قُتِلوا أو أُصيبوا أو اختطفوا أو احتجزوا أو أُصيبوا بإعاقات، فأصبحت المرأة المسؤولة الوحيدة عن إعالة الأسرة، بالإضافة إلى دورها الذي كانت تمارسه سابقاً سواء كربة منزل كالسائد في المجتمع السوري أو موظفة بقطاع ما، فقد كانت تقوم بتربية أطفالها وتعليمهم وتقوم بالأعباء المنزلية، فضلاً عن العمل خارج المنزل، فقد كُنَّ يعملن بمهن مختلفة كالتدريس والتمريض وبعض الأعمال الأخرى، إضافة إلى أعمال الزراعة والخياطة والحياكة بهدف المساهمة في إعالة الأسرة ومعاونة الزوج وبلحظة خاطفة أصبحت لوحدها تحمل كل الأعباء مضاف إليها أعباء الحرب ومخاطرها.
إضافة إلى تحديات النزوح واللجوء والشتات وفقدان الأهل والأحباب، وما يفرضه مجتمع اللجوء من تحديات لم تكن في الموطن الأساسي من اللغة والواقع الاجتماعي.
في تقرير سابق للأمم المتحدة صدر عام 2018 وصل عدد النِّساء اللواتي فقدْن أزواجهن في سورية الى أكثر من مليون، بين قتيل ومفقود، وقد أكَّد التَّقرير أن نسبة النساء المعيلات لأسرهن تخطت 11%، واليوم وصلت إلى 25% حيث دخلت النساء مجالات كثيرة في سوق العمل .
وهذا إضافة لما عانت المرأة نتيجة سيطرة بعض المليشيات الإرهابية والانفصالية من داعش وقسد فاكتوت المرأة بنار التطرف بلونين وشكلين من إجبارهن على نمط حياة لم يعرفنه والتجنيد الاجباري والعقوبات القاسية الجسدية أو الابتزاز وفي ظل غياب تام لمؤسسات تحمي المرأة وتدافع عنها.
أما وضع المرأة الآن فقد ازداد تعقيداً في ظل غياب منظومة الدولة والحوكمة الرشيدة، وطول أمد الصراع، ومايزال قسم كبير منهن يقطن خيمة من قماش أو بلاستيك لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، كما أنه لا يوجد في سورية أي دور حقيقي لمنظمات المجتمع المدني بالمعنى العملي.
إضافة إلى أن النساء السوريات شاركن في الاحتجاجات جنباً إلى جنب مع الرجال، مما وضعها أمام مصير واحد معهم من ملاحقة واغتيالات وابتزاز.
فالحملة العسكرية التي شنها النظام السوري وعمليات التجنيد الإجباري، أحدثا أزمة ديموغرافية تزداد في البلاد، وبعض المناطق أصبحت يسكنها النساء فقط.! بسبب التجنيد وتقترب ضحايا الحرب 80 في المائة منهم من الرجال، وهذا أحدث اختلالًا في الشراكة الزوجية حيث يتحملان معاً صعاب الحياة بشكل متوازن.
إن صبر المرأة السورية على كل ذلك هو الذي ساعد في ألا تنهزم الاحتجاجات الشعبية ضد النظام المتوحش، ولهذا أعتقد أن تمكين المرأة من أدوات السياسة لإتقانها وأن تقوم بدور مشارك للرجل هو الدور الطبيعي الذي صنعته المرأة السورية في الأحداث وليس تفضلاً لأحد على أحد.
فهي قد ساهمت بالحراك الجماهيري، وتحملت كل حملات التهجير والنزوح، ولم تستلم وإنما كان لها شعور أن عليها أن تصمد وأن تصبر وألا تنكسر، ولم تقله المرأة السورية بل فعلته، ولهذا كان لزاماً أن يحضر صوتها ورأيها بكل العمليات السياسية والقرارات المصيرية، ومانزال نرى صمود المرأة بكل الظروف.
حيث فرضت الظروف الراهنة على النساء السوريات تجربة مختلف أنواع المهن، وأعباء لم تكن تتوقعها فعملت المرأة فيها بالبناء والكهرباء والدهان والعمل على الجرارات الزراعية وبالزراعة وتربية المواشي.
وفي ظل أزمة اقتصادية يعيشها العالم وسورية بشكل خاص ومحدودية فرص العمل أو قلة توفر الخيارات، ولا سيما لذوي الشهادات، بقيت تكافح وتناضل رغم ثقل الحياة التي حطت على كاهلها، وهذا يحتم علينا واجبات كثيرة تجاه هذا الصمود الكبير والتضحيات الكبيرة.
المصدر: اشراق