محمد غروي
بالتزامن مع ارتفاع حدة التوتر بين الصين والفيليبين حول مناطق في بحر الصين الجنوبي، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية انطلاق المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة مع الفيليبين لمدة أسبوعين، بمشاركة حوالى 9 آلاف جندي من البلدين، تتضمن إطلاق نار حي وتدريبات متعلقة بالأمن البحري ومكافحة الإرهاب والمساعدات الإنسانية والإغاثية، ما اعتبره محللون رسالة تحذير لبكين.
الفيليبين والولايات المتحدة تجمعهما علاقات طويلة وقوية، فمنذ عام 1951 ارتبط البلدان باتفاقية الدفاع المشتركة، وتعد من أطول اتفاقيات الدفاع عالمياً، وتلتها اتفاقية القوات الزائرة التي عززت التعاون الدفاعي بين الجانبين في عام 1998، تلك الاتفاقية التي تسهل على الولايات المتحدة وقواتها وسفنها العمل في الفيليبين والقيام بتدريبات حربية كبيرة، فيما تمنح الاتفاقيتان صلاحية مبيعات للأسلحة وتبادل المعلومات المخابراتية والتعاون العسكري.
العلاقات بين واشنطن ومانيلا شهدت فتوراً خلال السنوات القليلة الماضية، حيث أظهر الرئيس الفيليبيني، رودريغو دوتيرتي، ميلاً للجانب الصيني، من خلال انتقادات مباشرة لواشنطن وسياستها تجاه الفيليبين، وهدد في عام 2019 بإلغاء اتفاقية القوات الزائرة، وبالفعل تم إيقافها لما يقرب من عام ونصف. فيما بدت بوادر انفراجة في العلاقة بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إلى الفيليبين في أغسطس (آب) الماضي، انتهت بإعادة تفعيل الاتفاقية.
التدريبات الأكبر بين البلدين
البنتاغون يسعى لاستمالة الجانب الفيليبيني بهدف تقوية العلاقات العسكرية بين البلدين والعمل على مبادرات جديدة للتأكيد على استعداد التحالف المضطرب، على الرغم من طول أمده لمعالجة التحديات الجديدة والطارئة، وتطوير رؤية مشتركة في إطار ثنائي بحري بين الطرفين.
تشير التصريحات الأميركية إلى أن التدريبات العسكرية المقبلة المعروفة باسم “كتف بكتف” هي الأكبر بين البلدين منذ فترة، وذكر مسؤول أميركي أنه خلال التدريبات العسكرية المرتقبة ستتمكن قوات الجيشين من إنجاز أي مهمة عبر عدد من العمليات العسكرية، مؤكداً على الصداقة والثقة بين الجانبين. وتشتمل التدريبات على مشاركة 3 آلاف و800 جندي فيليبيني و5 آلاف و100 عسكري أميركي.
“كتف بكتف” تدريبات عسكرية دورية تجرى سنوياً بين الفيليبين والولايات المتحدة، لكنها توقفت في العامين الماضيين بسبب جائحة “كوفيد-19″، لذا تمثل هذه التدريبات المرتقبة هذا العام عودة كاملة للتدريبات العسكرية. وتصادف التدريبات المقبلة ذكرى مرور 75 عاماً من التعاون الأمني بين واشنطن ومانيلا.
رسالة ردع للصين
المناورات الحربية والتدريبات العسكرية تعد طريقة لاختبار أداء القوات العسكرية دون الانخراط في معارك حقيقية، كما تسهل التنسيق بين الجيوش وملاحظة تقنيات وتكنيكات الأعداء، والتعود على التقنيات الجديدة، إلى جانب إتاحة التدريب لطاقم كل دولة في العمل. وتشير دراسات عسكرية حديثة إلى أن التدريبات العسكرية المشتركة بين الحلفاء تسهم في ردع الخصوم.
ويرى محللون أن التدريبات المرتقبة تعد رسالة للصين ضد ما تقدم عليه في منطقة بحر الصين الجنوبي وتأكيداً من واشنطن على اكتراثها لحلفائها في المنطقة، حيث رفضت بكين في الأعوام الماضية حكم محكمة دولية بعدم مشروعية مطالباتها في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. وفي العام الماضي بعد اختراق ما يقرب من 220 قارباً صينياً للمياه الإقليمية للفيليبين، أقدمت مانيلا على رفع مجموعة من المذكرات الدبلوماسية ضد بكين لتعديها على المنطقة الحصرية الخالصة للفيليبين.
وفي الأسابيع الماضية، تجدد النزاع بين مانيلا وبكين في منطقة بحر الصين الجنوبي، إذ ذكرت وزارة الخارجية الفيليبينية، أن سفينة بحرية صينية دخلت للمياه الفيليبينية الإقليمية دون إذن، متجاهلة المطالب المتكررة بالمغادرة. هذه الحادثة دفعت الفيليبين إلى استدعاء السفير الصيني لتوضيح ما سمته “التدخل غير القانوني” للقوارب الصينية في مياه أكبر جزر الأرخبيل.
الرد الصيني حاضر
الرد الصيني على التدريبات المشتركة كان حاضراً، ففي الأربعاء الماضي، ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانج وينبين، أنه لا توجد توترات بين الفيليبين والصين، معرباً عن أمله في ألا تخلق أي أطراف توترات بطريقة مصطنعة. وذكر وانج أن بلاده لا تعارض إجراء أي بلد للتدريبات العسكرية على أراضيها، آملاً ألا تستهدف تلك التدريبات طرفاً ثالثاً أو تقدم على فعل يقوض الاستقرار والسلام الإقليميين.
وتحاول الولايات المتحدة والصين التنافس في التعاون العسكري مع دول منطقة جنوب شرقي آسيا. ففي العام الماضي، أجرت الولايات المتحدة الأميركية تدريبات عسكرية مع الجانب الإندونيسي اشتملت على 3 آلاف جندي من الجانبين، بينما تعمل الصين خلال الفترة الأخيرة على تطوير العلاقات العسكرية مع دول جنوب شرقي آسيا، في محاولة للحد من النفوذ الأميركي العسكري في المنطقة.
في عام 2016، وقعت الصين وماليزيا اتفاقاً يقضي ببناء 4 سفن ساحلية بشكل مشترك، في حين أعلنت بكين وسنغافورة في 2017 عملهما معاً لإجراء مزيد من التدريبات العسكرية. وعلى الرغم من التحالف الأميركي الفيليبيني عسكرياً، ففي الآونة الأخيرة حاولت بكين استمالة مانيلا من خلال مدها بمساعدات عسكرية قيمتها 7.3 مليون دولار.
وشهد أبريل (نيسان) الماضي زيارة وزير الدفاع الصيني إلى الأراضي الفيتنامية، وتأكيد الجانبين على العمل معاً لتقوية العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون العسكري بينهما. فيما تتمتع كمبوديا والصين بعلاقات عسكرية وطيدة.
المصدر: اندبندنت عربية