د. مخلص الصيادي
نحن في عوالم عربية كريهة ومذلة على المستويات جميعها، ما كان لمقالاتأحد تخيل أن نصل إلى ما وصلنا إليه.
1- لقد طويت صفحة الأمن القومي العربي، وصارت اسرائيل – الكيان الغاصب – عاملا مشتركا في اللقاءات العربية، بل لعلها المكون الأهم في هذه اللقاءات.
لم يعد الأمر أمر اعتراف بهذا الكيان فحسب، ولا تطبيع معه – على بشاعة الاعتراف والتطبيع – وإنما بات هذا الكيان هو الناظم لهذه اللقاءات التي تكشف عن تحالفات سياسية وعسكرية وأمنية، وكأن ” اسرائيل”، أخذت مكانة الولايات المتحدة ودورها في المنطقة، ومع هذه النظم.
2- طويت صفحة فلسطين، فما عادت تذكر في شيء، حتى نضالات الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وشهداءه الذين يصعدون إلى بارئهم في كل حين، ما عاد أحد يذكرهم، وصار التعاطف معهم ممنوعا، وصنف هؤلاء جميعا الأحياء منهم والأموات في خانة الإرهابيين.
3- انتهكت ذاكرة الشعوب دينها وتاريخها ورجالاتها: فمن متحدث عن الإبراهيمية والدين الإبراهيمي الجديد،
إلى متناول بالأذى والاستخفاف قادة هذه الأمة وعظمائها بدءا من أبي بكر وعمر وخالد رضي الله عنهم، إلى صلاح الدين ونور الدين الزنكي. فقادتها العظام في العصر الحديث.
إلى مستهزئ بعقل هذه الأمة الذي جسده علماؤها عبر التاريخ يتقدمهم علماء الدين والشريعة وعطاءاتهم، وكانت كتب السنة والتفسير والتاريخ مستودعا لهذه العطاءات.
4- وبات الاستهتار بالدم الوطني ديدن هؤلاء، حتى أن هذا الدم صار أرخص عندهم من الماء، فليس هناك من مشكلة في أن يقتل نظام مليونا من أبناء شعبه، ثم يقف معتبرا أن ما قام به حق له للحفاظ على نظامه، ثم يستقبله القادة الآخرون بترحاب باعتباره ركنا أساسيا من أركان نظامهم الكبير، بل لعله في دواخلهم رائدا من روادهم.
5- ومن نافلة القول الإشارة إلى ما يحدث من تفريط وإضاعة للثروة الوطنية الطبيعية الهائلة وكذلك تلك الثروة التي بنيت من عرق أبناء الوطن وتجسدت بالمعامل والمصانع والمشاريع الاستراتيجية وتصفيتها وتوزيعها غنائم، لأهل السلطة وزبانيتهم، فيما يعاني الناس الجوع والفقر والبطالة، ولا يجدوا سبيلا لهم غير هجرة أوطانهم.
6- ثم إنهم قاموا يتحالفون بالسر والعلن مع نظام عنصري طائفي، بسط سيطرته على إيران، وهو يعيث في بلادنا فسادا ودمارا وتفتيتا لوحدته الوطنية، والجغرافية.
ويتخذون من حقيقته العدوانية هذه ذريعة يبررون فيها تحالفهم مع الكيان الصهيوني، فيما هم يقيمون علاقات اقتصادية وطيدة راسخة معه.
7- ولحماية أنفسهم من الحراك والغضب الشعبي صاغوا أقسى قوانين لكم الأفواه، مرة باسم مكافحة الارهاب، ومرة باسم مكافحة الشائعات، ومرة باسم هيبة الدولة، وهيبة قيادتها، وهيبة حلفائها، …الخ، والهدف دائما أن يبسطوا سيطرتهم على الناس، وأن يبطلوا مفاعيل وسائط التواصل الاجتماعي في تحريكهم.
إنهم أذلوا وأفقروا وهجروا شعوبنا ، واستباحوا الدم الوطني، وأذلوا وفرطوا بالوطن ودمروه. وأغاروا على عقيدة الأمة ومقومات وجودها، وتنازلوا عن مقدساتها، وانتظموا تابعين في حلف مع أعدى أعدائها.
نحن في عوالم عربية كريهة ومقيتة، تريك العجب، لكنها في نهاية المطاف ستكون عاجزة عن تغيير حقائق الأمور.
نحن من أمة لا تموت.
ستبقى فلسطين ومجاهديها في قلب الأمة وضميرها، وستبقى هي ومجاهدوها الميزان والبوصلة في تحديد الحق والباطل.
وستبقى “اسرائيل” كيانا مغتصبا لا تستطيع أي جهة مهما بلغت قوتها وجبروتها أن تمنحه الشرعية، أو أن تمنح وجوده التطبيع الذي يحتاجه للاستمرار.
سيبقى الناس، الشعب، العامة، هم وعاء الخير في هذه الأمة، وهؤلاء لا يفرطون، وهؤلاء هم الذين يختزنون هوية الأمة ودينها ورايات عظمائها، وهم طاقة بنائها وقدرة فعلها ونهوضها.
سيبقى التطلع الى نظام اجتماعي ديموقراطي في بلادنا العربية تسوده الحرية، والعدالة هدفا يعمل الناس على تحقيقه، ومن ثم على صونه وحراسته.
ستبقى إيران عدوا لهذه الأمة ما استمرت متمسكة بنظامها العنصري الطائفي المستبد، ولن تعدم الأمة الوسيلة للتصدي لها والوقوف في وجه ما تقوم به من تخريب في حياتنا، ووطننا، وأخلاقنا، وديننا.
هذا قدرنا، ولا سبيل لنا غيره، ولو دققنا النظر لعرفنا أن هذا القدر هو الطريق الحق ، وهو أقصر السبل، وأيسره للوصول إلى أهدافنا، مهما بدت الأثمان في هذه المرحلة غالية.