النقيب عبد الناصر جلال
منذ وقت ليس ببعيد تحدثت البرامج التلفزيونية الروسية بسخرية عن “ثامن أكبر جيش في أوروبا يملك بنادق خشبية” يقصدون أوكرانيا، وسخرت الصحفية والمقدمة الروسية سكابييفا متحدثة عن جدول يوم النصر للجنود الروس: “نهضوا، نظفوا أسنانهم، احتلوا كييف، أقاموا استعراضاً، حضروا حفلة موسيقية، واستمتعوا بالألعاب النارية…”
ولكن تغير الخطاب الروسي بعد شهر واحد من بداية الحرب. نسمع من روسيا على نحو متزايد أن قواتها اليوم لا تواجه ثامن أكبر جيش في أوروبا بل ثاني أكبر جيش أو ثالث.!!
هكذا يحاول الناطقون بلسان الكرملين تفسير فشل الهجوم الروسي على أوكرانيا مدركين أن قوات الاحتلال عالقة تقريباً على طول خط المواجهة بأكمله، وفي مثل هذه الظروف فرص النجاح تصبح أقل احتمالاً.
في الفقاعة المعلوماتية الروسية تَشكل اعتقاد مفاده بأن الجيش الأوكراني لا يملك سوى الأسلحة السوفيتية القديمة والشعب الأوكراني شعب يدعو للسلام لا يرغب في المحاربة بل يرمي أسلحته مستقبلاً قوات الاحتلال بالورود.!
تشكل هذا الظن في العامين 2014-2015 حين انتصر الجيش الروسي أثناء معركتي إلوفيسك وديبالتسيفي. ولكن شهدت أوكرانيا تغييرات كبيرة منذ ذلك الحين، تم إعادة تنظيم قواتها المسلحة جذرياً، واكتسب سلك الضباط خبرة قتالية عملية.
والعديد من المجندين الذين لم يكن لديهم خبرة قتالية في عام 2014 درسوا في المدارس العسكرية العليا وارتقوا إلى رتبة قادة كتائب وألوية. هكذا أصبح لدى أوكرانيا طاقم قيادة متدرب ومتحمس وذو خبرة. شهدت جميع أنواع القوات المسلحة الأوكرانية إعادة التسليح والتحديث والآن تستخدم العتاد والمعدات العسكرية الحديثة. تلقى الجيش الأوكراني وما يزال يتلقى المساعدة من الشركاء الغربيين، بما في ذلك المعلومات الاستخباراتية عبر الإنترنت. واليوم الجيش الأوكراني جيش جديد تماماً ويختلف كثيراً عما كان عليه قبل 8 سنوات.
والآن باتت أخطاء تكتيكات الكرملين وعدم كفاءتها واضحة. القادة العسكريون الروس غير قادرين على تقديم أي شيء لقيادتهم السياسية سوى التكتيكات الوحشية والخاطئة التي تهدف إلى استنزاف أوكرانيا عن طريق الضربات المستمرة على المدنيين والمدن المسالمة والسكان والأطفال وتدمير البنية التحتية الحيوية.
عمَ سيتحدث الناطقون بلسان الكرملين مثل سولوفيوف وسكابييفا بعد شهر من الحرب؟ عن مساعدة العالم بأكمله لأوكرانيا وأن كل جيوش العالم تحارب الجيش الروسي وأن روسيا تحارب لوحدها ضد الجميع؟ يبقى هذا السؤال قائماً.
خلال شهر واحد من الحرب لم تحقق القوات الروسية نجاحاً استراتيجياً على أي جبهة. ولا تصد القوات الأوكرانية هجمات المحتلين بنجاح فحسب، بل تشن الهجمات المضادة بشكل فعال.
يبدو أن الناطقين بلسان الكرملين بدأوا يدركون فشلهم الوشيك، لكن من الواضح حالياً أن روسيا لن تتلقى أبداً تعاطف وولاء الأوكران وعلى مستوى الحمض النووي ستظل العدو رقم واحد بالنسبة إليهم.
طبعاً هذا ذاته مااعتقده الروس بدخولهم سورية حيث زعموا أنهم سيتدخلون لمدة ثلاث أشهر ليحسموا المعركة مع المعارضة وانتفاضة الشعب السوري، لكن بقيت إلى اليوم ومضت سبع سنوات لم يستطع الروس الانتصار، فقط قاموا بارتكاب فظائع وأصبح السوريون ينظرون للروس على أنهم قوى احتلال واعتداء.