جهاد الأسمر
تطل علينا الذكرى الحادية عشرة لانطلاقة الثورة السورية المباركة لهذا العام في خضم التدخل الروسي وغزوه لأوكرانيا، وتزامنه مع ذكرى الثورة السورية، وليجعلها في موضع مقارنة ومضاهاة بين نفير العالم خلال أيام فقط من الغزو الروسي وهبّته للتضامن مع أوكرانيا. فقد استنفر العالم لأجل غزو أوكرانيا وهبّ هبة رجل واحد إقتصاديًا وعسكريًا، وسياسيًا، ورياضيًا، وعلى مختلف الصعد والجوانب الأخرى، وذلك في سرعة قياسية ما أثار استغراب الكثيرين من الذين أجروا مقارنة بين ردود أفعال العالم على غزو روسيا لأوكرانيا وبين غزوات كثيرة حدثت في الشرق الأوسط كما في سورية، فقد شُرّدت شعوب، وانتُهكت أعراض، ودمرت مدن، في غير مكان من العالم فلم يتحرك العالم كما تحرك لأوكرانيا.
الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية التي انطلقت شرارتها في دمشق في الخامس عشر من آذار/مارس ٢٠١١ في سوق الحريقة بدمشق، ثم ما لبثت أن انتقلت إلى درعا لتشتعل على أيد صبية صغار كتبوا على جدرانها عبارات مناهضة للنظام، لتقوم أجهزة مخابرات النظام باعتقال الصبية بأسلوب أقل ما يقال عنه أنه وحشي، لتتصاعد الإهانات بحق ذوي الصبية الذي جاؤوا إلى مقر استخبارات النظام بدرعا ليطالبوا بإطلاق سراح أبنائهم، إلا أن الأهالي تعرضوا لإهانات لتنطلق الثورة بعدها ولتعم أرجاء سورية من الشمال للشرق ومن الجنوب للشمال.
أحد عشر عامًا على الثورة السورية من موت ودمار على يد نظام الأسد، وضامنيه” الروسي والإيراني” فقد خرق النظام كل الاتفاقيات لخفض التصعيد في سورية، ومنذ انطلاقة الثورة لجأ النظام إلى الحل العسكري فحول الثورة السلمية التي انطلقت سلمية في سنتها الأولى، بإجرامه إلى حربٍ قتلَ خلالها مئات الآلاف وغيّب في المعتقلات أعداد مثلهم ناهيك عن التهجير إلى الداخل كنازحين أو في دول الجوار والعالم كلاجئين.
فقد أشارت تقارير للأمم المتحدة خلال السنوات الماضية إلى ارتكاب النظام وحلفائه روسيا، وإيران، والميليشيات الأخرى لجرائم حرب تمثلت في استخدام السلاح الكيماوي واتباع سياسة التجويع والتهجير القسري والحصار، والتعذيب، والقتل الممنهج، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن” 6,7 مليون مواطن سوري تحولوا إلى لاجئين.
مسألة سقوط النظام بفعل الثورة السورية كان قريبًا، على الرغم من خذلان العالم للشعب السوري، وعلى الرغم من الدعم اللامتناهي للنظام من قبل إيران وحزب الله ولغيرهما من الميليشيات الطائفية التابعة للنظام والذي لم يمنع الثوار ولم يشفع للنظام تدخلهم جميعًا من وصول الثوار إلى الزبلطاني في دمشق وملعب العباسيين في قلب دمشق، فتدخلت عندها روسيا في أيلول/سبتمبر عام 2015 وقام الطيران الروسي بارتكاب مجازره، الأمر الذي أدى إلى توقف تقدم الثوار على أكثر من جبهة، وذلك بفعل سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها الروسي المحتل والتي أدت إلى سيطرة النظام وميليشياته على كثير من المساحات التي حررها الثوار لتبدأ سياسة التهجير إلى الشمال السوري مع اتباع النظام وميليشياته إلى جانب سياسة الأرض المحروقة سياسة التجويع بحصار المناطق التابعة للفصائل الثورية بتجويع سكانها لإجبار الفصائل على توقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار وتسليم مناطقهم لقوات النظام” نظام المصالحة” ما أدى إلى موجات تهجير جماعية لمناطق في الشمال السوري.
الولايات المتحدة برغم تدخلها إلا أنها لم تتدخل لحماية الشعب السوري نهائيًا، فتدخلها في سورية جاء تحت ذريعة محاربتها للإرهاب متحالفة في هذا مع قسد ولتحتل بمساعدتها أجزاء واسعة من شمال وشمال شرق سورية حيث تتواجد آبار النفط والثروات الأخرى ماظهر منها ومابطن في شرق الفرات وفي قاعدتها في التنف.
طعنات أخرى تلقتها الثورة في أعوامها الماضية، فقد جاءت محادثات أستانا لخفض التصعيد ليكون عنوانها الأصح رفع التصعيد، والتي جاءت كملهاة وإضاعة للوقت، وللتسويف، وللمماطلة ولسفك المزيد من الدم السوري فعلى مدار مباحثات أستانا ال16لم يجنِ السوريون خلالها سوى المزيد المزيد من الانتكاسات وعلى الرغم من صفر نتائج من أستانة مازال من يسمون بمعارضة يهرولون باتجاهها كلما نودي إلى انعقادها، وينطبق على مباحثات سوتشي ما ينطبق على أستانا لتكون جميعها تحت عنوان واحد مزيدًا من التنازلات لروسيا وللنظام أما اللجنة الدستورية فينطبق عليها ما انطبق على الملهاتين أستانا وسوتشي التي فشلت كما فشلا في إحراز أي تقدم، التقدم الذي أنجزته المعارضة التي تصدرت المشهد السياسي ووفودها إلى المؤتمرات ووفودها في كل مؤتمر دعيت وتدعى إليه هو تقدم للنظام ولإيران ولميليشياتهم على حساب تراجع الثورة السورية.
الثورة السورية مستمرة وستستمر فإن كان ثمة سبب لانطلاقتها؟ الآن يوجد ألف سبب وسبب لاستمرارها حتى بلوغ أهدافها التي خرجت الجماهير من أجلها على الرغم من خذلان العالم لها الداني منه قبل القاصي.
المصدر: اشراق