عدنان علي
ما يشهده الائتلاف الوطني السوري منذ أيام من تغييرات تحت يافطة الإصلاح الداخلي، رأى بعضهم أنه لا يعدو أن يكون محاولة من مكون أو أكثر داخل الائتلاف للاستحواذ على القرار فيه، وإلغاء أو تقليص مساحة المكونات الأخرى.
والواقع أن أي تحرك، حتى لو كان باتجاه إصلاح حقيقي، لا يمكن أن تنظر إليه المكونات الأخرى التي سيمسها الضرر، إلا كخطوة انقلابية أو محاولة للاستئثار بالنفوذ، وهذا تفسير منطقي في ظل التمايزات والاختلافات الموجودة داخل الائتلاف، والتي لم يكن ممكنا تجسيرها خلال السنوات الماضية، فكان لا بد عاجلا أم آجلا من الوصول إلى نقطة التصادم التي نشهدها داخل الائتلاف منذ أيام.
ومن هنا، فإن إطلاق عملية إصلاح حقيقية في الائتلاف ربما يصعب أن تبدأ من داخل الائتلاف نفسه، وعبر الوجوه ذاتها المنخرطة في مشكلات الائتلاف والمتهمة بنظر بعضها بعضاً، وبنظر جمهور الثورة، بالمسؤولية عن حالة الترهل والانكماش التي تعاني منها هذه المؤسسة، ومجمل مؤسسات الثورة السياسية والمدنية والعسكرية، وهذا ما يتطلب ضخ دماء جديدة في الائتلاف عبر انتخابات شفافة، تتولى هذه العملية وفق رؤية واضحة تنظيميا وإداريا، وقبل ذلك سياسيا، بعد حالة الشلل والسلبية التي عانت منها مجمل مؤسسات الثورة خلال الفترة الماضية، سواء لجهة العجز عن تفعيل مؤسسات وحوامل الثورة والمعارضة داخل سوريا وخارجها، أم مواصلة الانخراط في المفاوضات العبثية مع النظام برعاية روسية في جنيف وسواها، دون وضع بدائل لمواجهة خطط النظام المدروسة للتهرب من استحقاقات هذه المفاوضات المديدة والتي يدرك الجميع أنها باتت عبثية ولا طائل منها.
أما عن دور العامل الخارجي فيما يحصل حاليا داخل الائتلاف، ورغم نفي رئيس الائتلاف وجود هذا العامل وتأكيد أن التغيير هو مطلب شعبي لجمهور الثورة، فمن غير المستبعد أن تكون تركيا تعمل على إضعاف جماعة الإخوان المسلمين تدريجيا داخل الائتلاف، ومجمل المشهد السياسي في سوريا، كجزء من الاستدارة التركية الحالية تجاه دول الخليج ومصر، وسيكون مريحاً أكثرَ لها في الفترة المقبلة تقليصُ نشاط الإخوان.
وبطبيعة الحال، فإن الإصرار على “إصلاح الائتلاف”، يستهدف محاولة الحفاظ على الاعتراف الدولي بهذا الكيان كممثل للشعب السوري، مع إعادة تفعيله وتمكينه من الارتقاء إلى درجة من الإقناع للشعب السوري والمجتمع الدولي كبديل حقيقي عن النظام في حال تطلبت التوازنات الدولية الجديدة المرتبطة بنتائج الحرب في أوكرانيا، إعادة طرح مدى تمثيلية نظام الأسد لسوريا، وذلك في ضوء تورط النظام في التأييد العلني لحرب أوكرانيا التي تبدو روسيا تسير بخطى ثابتة نحو خسارتها، الأمر الذي لا بد أن يطول شرره حلفاء روسيا وفي مقدمتهم نظام الأسد. ومن هنا، لم تشجع تركيا ومعها قطر كما يبدو السيد رياض حجاب على إطلاق تشكيل جسم سياسي جديد، وهو ما كان متوقعا بعد ندوة الدوحة الأخيرة.
إن التغييرات المنشودة في الائتلاف المرتجى منها هو المساهمة في إعادة الزخم للملف السوري وإعادته إلى صدارة المشهد الدولي، خاصة بعد فشل المحاولات الخجولة التي قام بها الائتلاف مؤخرا لطرد النظام من الأمم المتحدة ومن الجامعة العربية، وحلول الائتلاف مكانه، ما كشف مدى ضعف مصداقيته أمام المجتمع الدولي بالرغم من كل المواقف الساخطة على نظام الأسد، وإدانته المتكررة بارتكاب جرائم وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
ما جرى حتى اليوم قد يحتسب في خانة الإصلاح في حال استتبع بخطوات أخرى أكثر جرأة وأبعد مدى بهدف إعادة الثقة بالائتلاف بحيث يكون أداؤه في المرحلة المقبلة مختلفا كليا عما سبق، خاصة لجهة تفعيل مؤسسات المعارضة التنفيذية وفي مقدمتها الحكومة المؤقتة التي يجب أن تنتقل بكل مؤسساتها إلى الداخل المحرر، مع توضيح تبعيتها للجسم السياسي المتمثل بالائتلاف، وإنهاء حالة التنافس غير الصحي بين الحكومة والائتلاف.
كما تتطلب المرحلة المقبلة بذل جهود جدية لتأطير علاقة الائتلاف مع الأجسام العسكرية التي تتبع نظريا للحكومة والائتلاف، أي الجيش الوطني وبعض الفصائل المسلحة الأخرى، بحيث نكون أمام “حكومة ظل” حقيقة جاهزة لتكون بديلا عن نظام الأسد في أية استحقاقات سياسية مقبلة، وهو ما يتطلب المزيد من الوضوح في الرؤيا السياسية للائتلاف ومؤسسات المعارضة، والقطع مع التشويش الذي شاب المرحلة السابقة، حيث ظلت مؤسسات المعارضة تعارض وتشتكي من مفاوضات اللجنة الدستورية وتبعاتها السلبية، وبأنها انتهاك للعملية السياسية برمتها، وبيان جنيف 1، والقرارات الدولية، ذات الصلة، مع مواصلة الانخراط فيها في الوقت نفسه، من دون تقديم تبريرات واضحة لهذه الازدواجية.
والخلاصة، فإن خطوات الائتلاف “الإصلاحية” إذا لم تستكمل ليكون لها مردود على الأرض، فإنها تبقى في إطار تصفية الحسابات بين الكتل المكونة للائتلاف، ومجرد محاولة من بعضها لتعزيز نفوذها على حساب كتل أخرى، ولا تدخل تاليا تحت بند الإصلاح المرتجى.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا