أحمد مظهر سعدو
هي الحياة هكذا، وهو قدر الله الذي لاراد له أبدًا. نودع بعضنا بعضًا، ونرحل إلى هناك حيث الكل في الواحد، ولقد رحل العزيز الأستاذ محمد خليفة/ أبو خالد منذ عام مضى، وترك لنا إرثًا ثقافيًا ومعرفيًا ووطنيًا قل مثيله، وهو الذي كان دأبه أبدًا الاشتغال في العمل الوطني من أجل قلع وكنس الطغيان الأسدي، وعربيًا من أجل الأمة كل الأمة التي انتمى إليها الراحل عروبيًا ووعيويًا واندماجًا كليًا في مسيىرة ومسار كل قضايا الأمة وعلى رأسها القضية المركزية قضية فلسطين العربية.
لم يكن الكاتب والصحافي المناضل أبوخالد مجرد إنسان يمضي، كما لم يكن عابر سبيل، ولا منتج مصالح نفعية براغماتية، بل كان الوطن والأمة الأكثر حضورًا في مخياله وعلى طول المدى، وكان قد جند كل حياته بقضها وقضيضها من أجل الوطنية السورية المتمفصلة مع بعدها القومي العربي، من خلال تطلعه باتجاه وحدة للأمة تعيد تموضعها على السكة من جديد، وتنتج حالات من الوعي القومي العربي، والوطني السوري يلاقح الثقافة والمعرفة بما احتوته من حضارة عربية لها جذورها في التاريخ والماضي السحيق، ولها حاضرها المتحرك كفاحيًا نحو بناء المستقبل الآتي لامحالة، وهو يعيد إنتاج الحيوات للوطن والأمة على أسس حداثية جديدة خالية من القمع والعسف والفكر الاستبدادي، ومتطلعة نحو بناءات متجددة لمسارات وطنية وعربية همها الأساس هو الإنسان والارتفاع بمكانته، وإنجاز سيادته التي ترتبط بسيادة القانون والمواطنة أولًا وأخيرًا.
كان الراحل أبو خالد ومنذ الأيام الأولى للثورة السورية ثورة الحرية والكرامة مندمجًا في كينونتها، واعيًا لمسيرتها، وهو المتفائل أبدًا بنصرها، وكنس الطاغية ومن معه من آل السلطة الغاشمة، وكل من جاء لدعمهم من دولة الملالي الإيرانية، وكذلك الاتحاد الروسي الذي دخل الوطن السوري أواخر أيلول/سبتمبر 2015ليقيم ويعيد قيامة نظام عصاباتي كان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والسقوط.
أدرك الأستاذ محمد خليفة أن الثورة مستمرة، وهي بالضرورة ما يمكن المراهنة على بقائها وديموتها حتى تحقيق أهدافها، ولم يألُ جهدًا عبر عشر سنوات من عمر الثورة الذي انتمى إليه وعمل كل مايستطيع من أجل إعادة زخم الثورة إلى مابدأته منذ أيامها الأولى في درعا، وكل الساحات الوطنية السورية، لم يكن محمد خليفة إلا ذلك الرجل والكاتب الكبير الذي يبحث دائمًا عن ما يفيد الوطن في جل كتاباته، ويمسك بناصية الأمل الوطني والقومي وصولاً إلى يوم كان قد حلم به وحلمنا جميعًا يتمكن فيه الإنسان السوري والعربي من ركل كل نظم الاستبداد المشرقي جانبًا، والبحث عن بدائل وطنية وعربية تتمكن من صياغة العقد الوطني الاجتماعي والجمعي الذي يلم الجميع ويستوعب الكل بلا استثناء.
في أيامه وأشهره الأخيرة كان أشد حرصًا على إنجاز كل مايستطيع من عمل ثقافي أوسياسي يتمكن من خلاله الوطن الذي خذله المتخاذلون، وتخلى عنه المدعون، من فعل أي شيء نحو لم الصفوف، والحقيقة أن أبو خالد لم ييأس أبدًا، بل ظل وعلى الدوام متنكبًا قلمه ورافعًا صوته ومشتغلًا بجد وكد، من أجل إنتاج الآليات التي تستطيع سورية عبرها أن تعبر إلى الدولة الوطنية الديمقراطية، دولة المواطنة التي حرمنا منها نظام العصابة الأسدية عبر 40 عامًا أو يزيد، فألغى السياسة من المجتمع، وفسد وأفسدـ، وتسلل من خلال دوره الوظيفي المنوط به، من أجل نفع ومصالح السلطة الطائفية الاستبدادية التي وضعت كل أوراق الحل بيد دولة الملالي الإيرانية ودولة الاتحاد الروسي الباغية.
لقد غادرنا أبوخالد في وقت كنا في أشد الحاجة فيه لقامات وطنية كأمثاله، ولمحض الصدفة وفعل القدر فقد ترافق رحيله مع رحيل مجموعة مهمة من القامات الوطنية التي كان الوطن يحتاجها، نذكر منهم الراحل ميشيل كيلو، والراحل حبيب عيسى، والراحل تيسير حاج حسين رحمهم الله جميعًا.
إن رحيل أبو خالد وهذه القامات الوطنية السورية والعروبية شكل فراغًا كبيرًا من الصعب ملئه بسهولة. لكن الأمل الذي حمَّلنا إياه الراحل أبو خالد سيجعل من الأجيال الحالية والقادمة من تحاول إنتاج أدوات وآليات للعمل الوطني، التي أوصانا بها أبو خالد، وكل الوطنيين الذين رحلوا قبل ذلك وبعده. إلى جنان الخلد يا ابا خالد. ولسوف تبقى في مخيالنا على طول الزمن ننهل من معين وعيك وفكرك وهمتك الوطنية التي كانت ومازالت باعث تغيير وحامل حركة وثورة وأمل.