فيديل سبيتي
ما معنى وجود أكثرية وأقلية نيابية طالما أن الحكومات يجب أن تضم جميع الفرقاء من المعارضة والموالاة. بينما تتأهب بعض الشعوب العربية لاختيار ممثليها في مجلس النواب أو مجلس الأمة أو مجلس الشعب أو البرلمان، ولا سيما في لبنان وتونس وربما السودان وليبيا، في ما لو توصل الفرقاء إلى تسوية، وهناك شعوب عربية كانت قد اختارت ممثليها سابقاً ولا سيما في العراق والمغرب والجزائر ومصر والكويت والبحرين وسوريا إذا افترضنا أن انتخابات نظام بشار الأسد شرعية طالما أن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لم تعترف بنتائجها.
البرلمانات العربية لا تصل إلى الديمقراطية المنشودة
كل هذه الانتخابات، سواء التي حصلت أو التي ستحصل، تأتي في زمن مفصلي من عمر كل دولة عربية، فبعد شهده الشارع العربي منذ 2011 حلّت محل الأنظمة الساقطة أنظمة جديدة بدساتير غير واضحة أو غير متفق عليها ما جعل هذه الأنظمة في حال من اللا استقرار حتى اليوم. وفاقمت النزاعات الإقليمية السياسية والاقتصادية وجائحة كورونا المديدة الأزمات في معظم الدول العربية، وزاد دخول الجيش الروسي إلى أوكرانيا في الطين بلّة، وبدأت تأثيرات هذه الحرب على دول الشرق الأوسط بالظهور، كما تقول أرقام البنك الدولي والمنظمات الدولية المعنيّة بالغذاء والتبادل التجاري بين الدول العربية وروسيا وأوكرانيا، فالتضخّم المالي بلغ أشدّه في معظم الدول العربية التي كانت تحاول إعادة ترتيب بيتها الداخلي قبل جائحة كورونا وبعد انتفاضات 2011.
لكن هناك إجماعاً بين المحللين والمنظّرين السياسيين في العالم العربي على أن وجود البرلمانات منذ تأسيسها هو أقرب إلى وجود مادي، أي بالمباني الكبيرة والضخمة على الطراز الفرنسي أو الإنجليزي، ويجتمع فيها نواب الأمة أمام كاميرات التلفزيون ليتناقشوا في مواضيع لا تدخل في صلب أعمالهم المفترض أنها تقتصر على التشريع ومراقبة عمل السلطة التنفيذية بحسب التعريف الكلاسيكي لدور مجلس ممثلي الشعب والذين حصلوا على سلطتهم بالاقتراع.
فبرلمانات العالم العربي قبل ثورات 2011 كان يتم تعيينها في معظم الدول العربية من قبل الحاكم الأوحد الحاصل على سلطته بيد حديدية يديرها العسكر والاستخبارات، وما زالت بعض الدول العربية على هذه الحال. أما الدول التي جرّبت الديمقراطية فما زالت برلماناتها معطلة كما في تونس والعراق وليبيا، ويبدو الأمر كما لو أن البرلمانات التي يتم تعيينها أو انتخابها، لا تقوم بالدور الذي يضمنه لها الدستور الذي يتفق عليه جميع الفرقاء السياسيين، حتى تبدو الانتخابات مجرد عملية شكليّة لا نفع فعلياً لها لإرساء الديمقراطية المنشودة، فما معنى وجود أكثرية وأقلية نيابية في البرلمان طالما أن الحكومات العربية يجب أن تضم جميع الفرقاء من المعارضة والموالاة على السواء؟
بحسب تقارير دولية حول العمل البرلماني في العالم العربي ودوره في تحقيق ديمقراطية تمثيلية، فإن وجود البرلمانات العربية لا يقاس بقيامها بالعمل المنوط بها، لأن ما تقوم به فعلياً لا يُذكر، ويتمحوّر حول الموافقة على قوانين ومراسيم تيسّر للمصالح المشتركة بين الفرقاء السياسيين الذين يشاركون في هدر المال العام في معظم الدول العربية، وهذا ما كان يحصل في السنوات الـ 10 الأخيرة، ولو أن الفساد لطالما كان مستشرياً في الإدارات الحكومية العربية، ولكن مع مرور السنوات، راح يتضخّم بدل من أن يطور التنظيم الإداري، فتحللت الإدارات التي ترك بعضها العثمانيون ومن بعدهم الانتدابات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية.
البرلمان العربي من الانتقالي إلى النهائي
وتمكنت جامعة الدول العربية في العام 2012 من تحويل البرلمان العربي الانتقالي إلى برلمان نهائي وليس انتقالياً، والفكرة قدمتها الأمانة العامة في العام 1955، وبقيت على جدول أعمال مجلس الجامعة حتى عام 2005، أي بعد 50 سنة بالتمام حين تم الاتفاق على إنشاء البرلمان العربي الانتقالي وفي العام 2010 تم التمديد له لسنتين، وتنصّ المادة الخامسة من نظامه الأساسي على أن “البرلمان يمارس اختصاصاته بما يعزّز العمل العربي المشترك، ويحقق التكامل الاقتصادي، والتكافل الاجتماعي والتنمية المستدامة وصولاً إلى تحقيق الوحدة العربية”.
والغريب في الأمر هو أن هذا البرلمان العربي على الرغم من حداثة سنّه فإنه يضع نصب عينيه أهدافاً كبيرة جداً، تبدأ بالعمل العربي المشترك وتنتهي بالوحدة العربية، هذا على الرغم من أن كل البرلمانات المنضوية في إطار هذا المجلس معطّلة عن العمل أو غير موجودة أصلاً، ولكن بما أن عدد الذين يعلمون بوجود هذا البرلمان أو بمهامه أو إنجازاته في العالم العربي هم قلّة قليلة، فلا بدّ من التعريف بالمهام المنوطة به.
من بين أهم المهام التي يقوم بها البرلمان العربي هو متابعة مسيرة العمل العربي المشترك وعقد جلسات استماع مع رؤساء المجالس الوزارية أو الأمين العام للجامعة، وهذا ما لم نسمع عنه خبراً أو إعلاناً، والبرلمان يمكنه مناقشة المسائل التي يحيلها إليه مجلس الجامعة أو المجالس الوزارية أو الأمين العام للجامعة أو رؤساء أو مدراء المنظمات العربية المتخصصة، وإبداء الرأي فيها، وله إصدار توصيات بشأنها لتكون أساساً عند إصدار المجالس المعنية القرارات ذات العلاقة، ويمكنه تلقائياً توجيه أسئلة إلى المجالس الوزارية، وشعوب العالم العربي التي من المفترض أن هذا البرلمان يمثّلها لا تعرف إذا ما كان البرلمان قد وجّه أو وُجهّت إليه أية أسئلة.
وتدخل في إطار عمل البرلمان العربي، بحسب نظامه الداخلي، مهام حقيقية وفعلية لها تأثيرات في الشعوب والمجتمعات العربية من قبيل “الموافقة على مشروعات القوانين الموحدة والاتفاقيات الجماعية العربية المحالة إليه وجوباً قبل إقرارها من مجلس الجامعة”، وفي العالم العربي الآن اتفاقيات كثيرة تحدث بين دول عربية مثل جرّ الغاز إلى لبنان من مصر، إلى الأردن، وعبر سوريا، وهناك الاتفاقيات السياسية والاقتصادية الرباعية بين مصر والإمارات والأردن والبحرين، ولا يبدو أن للبرلمان العربي أي تدخّل أو تأثير فيها، وبحسب برلمانيين كثيرين في العالم العربي، يرددون مقولة إن البرلمان الذي بلا دور داخل دولته كيف سيكون له دور في الجامعة العربية؟
وقد نصت ديباجة النظام الأساسي للبرلمان العربي أنه يعمل على “إقامة نظام عربي يكون فضاء لممارسة مبادئ الشورى والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وتكوين إطار جامع للتمثيل النيابي لأبناء الوطن العربي الواحد، والمشاركة الفاعلة في رسم السياسات العربية المشتركة، والمشاركة في تكوين وعي لدى الشعوب العربية بمسيرة العمل العربي المشترك وصولاً إلى تحقيق الوحدة العربية”.
المرأة العربية والعمل البرلماني
في تقرير صادر عن مؤسسة “كارنيغي” للسلام العالمي بعنوان “المرأة في العملية التشريعية في البلدان العربية”، وقد أشرفت عليه الباحثتان مروى شلبي وهي زميلة لشؤون الشرق الأوسط ومديرة حقوق المرأة في برنامج الشرق الأوسط في معهد “بيكر” في جامعة “رايس”، وليلى الإمام مساعدة بحثية في شؤون حقوق المرأة في برنامج الشرق الأوسط في معهد “بيكر” في جامعة “رايس”، وصدر التقرير في أبريل (نيسان) 2017، وقد جاء فيه أن “منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شهدت، خلال العقد المنصرم، زيادة مطّردة، ولو بطيئة، في حضور المرأة في الهيئات التشريعية، بسبب تطبيق آليات الكوتا النسائية”، وفي التقرير، تشكّل الجزائر والمغرب وتونس أمثلة لافتة لفهم العلاقة بين تطبيق الكوتا وحضور المرأة في الندوة البرلمانية، للبلدان الثلاثة المذكورة تجارب تاريخية متشابهة، ونمو لافت في تمثيل المرأة، مع العلم أن النظام السياسي في كل من الجزائر وتونس رئاسي، وفي المغرب، النظام ملَكي برلماني يسمح للمنافسة الانتخابية بمشاركة أحزاب عدة.
والانتفاضات العربية، أسهمت في تحقيق إصلاحات في تمثيل المرأة السياسي، وأقرّت الجزائر القانون “12-03” لعام 2012، والذي فرض على الأحزاب السياسية إدراج نساء على قوائم مرشحيها للانتخابات، أما في تونس، فقد نصّ دستور 2014 على المساواة في التمثيل السياسي عبر إدراج بند عن المناصفة بين الرجل والمرأة في القوائم الانتخابية.
المصدر: اندبندنت عربية