لورين فريدريكس
واصل مهرب مخدرات دولي كبير له علاقات وثيقة مع «حزب الله» تهديد السكان اللبنانيين ومساعدة نظام الأسد في سوريا، مما يمنح واشنطن سبباً كافياً للتدخل.
في 6 نيسان/ أبريل، انعقدت “محكمة الجنايات” في بيروت لإصدار حكم في قضية حسن محمد دقّو المعروف على نطاق واسع باسم “ملك الكبتاغون” في لبنان. وكان قد تم توقيفه في بيروت عام 2021 بسبب علاقاته الوثيقة مع «حزب الله» وجهوده لتهريب [الكبتاغون] إلى اليونان وماليزيا والسعودية. ولكن بدلاً من إصدار حكم بحقه في الشهر الماضي، قام القاضي سامي صدقي بتعليق القرار إلى أجل غير مُسمّى، الأمر الذي أثار القلق حول سماح الطبقة الحاكمة الفاسدة اللبنانية لدقّو بالانزلاق بين ثغرات القوانين والعودة إلى عالم الجريمة للاقتصاد غير المشروع في البلاد.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يفلت فيها هذا المواطن السوري من العدالة. فعلى سبيل المثال، تم القبض عليه للمرة الأولى بعد انتقاله إلى لبنان في أيلول/سبتمبر 2015 – على وجه التحديد في بعلبك، عاصمة نفوذ «حزب الله». وعلى الرغم من عثور دورية عسكرية على مخدرات في منزل دقو، إلا أنه تم إطلاق سراحه بعد ذلك بفترة وجيزة. وسرعان ما بدأ، بمساعدة «حزب الله»، بإعادة تشكيل المجتمعات اللبنانية واستغلالها على طول الحدود مع سوريا.
بناء إمبراطورية
افتتح دقو، الذي هو نجل أحد كبار المهرّبين، صالة عرض للسيارات والعديد من الشركات الوهمية في سوريا والأردن ولبنان قبل أن يبدأ باستيراد المواد الخام اللازمة لإنتاج الكبتاغون. وبحلول عام 2018، سعى للحصول على الجنسية اللبنانية أيضاً ونجح في ذلك، وبدأ يشتري مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية – بساتين التفاح والكرز والزيتون – الممتدة من قرية طفَيل اللبنانية إلى قرية عسل الورد السورية. وبعد الانهيار الجزئي لسوريا خلال الحرب الأهلية، أصبحت هذه المنطقة الواقعة على بعد ستة وثلاثين ميلاً (ثمانية وخمسين كلم) فقط من دمشق تحت سيطرة «حزب الله» المباشرة، مما أدى بشكل أساسي إلى عزل طفيل عن الدولة اللبنانية.
واعتباراً من منتصف عام 2020، اشترت شركة “سيزر” للإنشاءات التابعة لدقو 13 مليون متراً مربعاً من الأراضي المحيطة بطفيل تحت ستار توفير فرص العمل والاستثمار المحلي. ولكن بدلاً من وفاء دقو بوعده “بتوظيف شباب البلدة” وتوفير فرص عمل في مصانع جديدة ومصانع الإسمنت، قام بتدمير المحاصيل (من بينها حوالي 450 ألف شجرة فاكهة) وهدم العديد من المنازل بالجرافات. وقد رافقت عناصر مسلّحة تابعة لـ «حزب الله» المقاولين المشرفين على هذه العمليات وأُجبِر الكثير من السكان على الاختيار بين دفع رشوة أو التهجير القسري عن منازل أجدادهم.
وعندما قدّم منصور شاهين، أحد سكان المنطقة، شكوى ضد “سيزر”، حكم القاضي لصالحه، وأمر محافظُ بعلبك الشركة بوقف البناء. ومع ذلك، استمرّت عمليات الهدم. وفي تموز/يوليو 2020، تعرّض شاهين للضرب على يد عناصر من «حزب الله»، واقتيد من منزله، وسُلِّم إلى “الفرقة الرابعة في الجيش السوري”، وفقاً لأربعة شهود. وعند إطلاق سراحه بعد ثلاثة أشهر، سارع شاهين إلى اتهام دقو ومختلف شركائه باختطافه في محاولة لترهيب سكان طفيل. وأدّى ذلك إلى اعتقال دقو للمرة الثانية، ولكن تم إطلاق سراحه مجدداً بعد أيام قليلة، واستمر في الإشراف على بناء مصانع جديدة مشبوهة على الأرض التي تم تطهيرها.
وبالنظر إلى الأدلة المتاحة، يبدو أن هناك هدف واضح من هذه المصانع: فقد بنى “ملك الكبتاغون” في لبنان مملكة كبتاغون. واستملك دقو قصوراً كبرى في طفيل وغرب سوريا، تبلغ قيمة كل منها ملايين الدولارات، ينتقل منها إلى مساكن مختلفة في زحلة وبيروت بمرافقة موكب من اثنتي عشرة سيارة ورجال مسلّحين. وقد ساعده مسؤولون لبنانيون من وراء الكواليس في تشكيل هذه الإمبراطورية. فعلى سبيل المثال، أثناء تولي محمد فهمي، حليف «حزب الله»، منصب وزارة الداخلية منح دقو الإذن ببناء خمس حظائر ضخمة في طفيل، تخضع جميعها حالياً لحراسة مشدّدة وتكتنفها السرية. واشترى دقو أيضاً سيارة مصفّحة من وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق؛ كما تنشر صفحته على “فيسبوك” صوراً له مع نائب «حزب الله» إبراهيم الموسوي.
الجرائم مستمرة حتى من وراء القضبان
وفقاً لموقع درج الإخباري العربي المستقل، تحتوي الأراضي التي استملكها دقو حديثاً على أنفاق تهريب تصل إلى سوريا، وتوفر له سهولة الوصول إلى “الفرقة الرابعة في الجيش السوري”، أحد شركائه الرئيسيين في الجريمة. وتم تكليف هذه الفرقة، بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد، إسمياً بالإشراف على أمن المساكن، ولكنها في الواقع تدخّلت أيضاً في الإدارات المحلية وانخرطت بعمق في تجارة النظام للكبتاغون على خلفية الحرب. وتعمل عن كثب مع «حزب الله» الذي، وفقاً لبعض التقارير، يوفر الأمن لمختبرات الكبتاغون السورية ويشرف على “نقاط العبور الرئيسية” مثل طفيل لضمان سهولة انتقال المخدرات إلى لبنان، والتي يتم تهريبها منها إلى دول الخليج العربي وما وراءها.
وقد تشير انتهاكات دقو في طفيل وما يقابله من فقدان سيطرة الجيش اللبناني هناك إلى ارتفاع طفيف في إنتاج الكبتاغون المحلي اللبناني، أو على الأقل إلى تعزيز تحالف «حزب الله» و “الفرقة الرابعة”. وقد تم تأكيد هذا الاتجاه من خلال سلسلة من عمليات مصادرة ضخمة للكبتاغون طالت شحنات مصدرها من لبنان أو من ميناء اللاذقية السوري الذي يسيطر عليه «حزب الله». وفي نيسان/أبريل 2021، على سبيل المثال، أحبطت المملكة العربية السعودية محاولة تهريب 5.3 مليون حبة كبتاغون مخبأة في فاكهة الرمان، مما دفع المملكة إلى حظر استيراد الفواكه والخضروات اللبنانية. وقبل شهر واحد، وبمساعدة من وزارة الداخلية السعودية، اعترضت ماليزيا شحنة تضم800,000 قرصاً من الكبتاغون بقيمة 94 مليون دولار مصدرها اللاذقية. ووفقاً لبعض التقارير، تم العثور على صورة من فاتورة هذه الشحنة على هاتف دقو، مما أدى إلى اعتقاله لاحقاً. وفي 6 نيسان/أبريل 2021، احتجزته قوات الأمن اللبنانية وأربعة من مساعديه في منطقة الرملة البيضاء الساحلية الغنية في بيروت.
ومع ذلك، تشير التقارير المحلية إلى أن «حزب الله» رتّب لدقو البقاء في غرفة “مريحة” والحصول على الإنترنت حتى أثناء سجنه، لكي يتمكّن من “مواصلة إدارة عمليات تصنيع المخدرات”. ومن هذه الزنزانة المجهزّة بشكل جيد، أصرّ دقو على تهديد أهالي طفيل وإحكام قبضته على المنطقة. وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أطلق مسلحون تابعون لدقو و«حزب الله» النار على المنازل والسكان، مما أدى إلى دخول طفلٍ يبلغ من العمر 12 عاماً إلى المستشفى. وفي الشهر الماضي أيضاً، اقتحم مسلحون مرتبطون به على الأرجح قرية طفيل وأطلقوا النار على المنازل لمدة ثماني ساعات. ووفقاً لبعض السكان، كان الهدف من الاعتداء طردهم من البلدة.
ومع ذلك، فقد استخدم دقو أحياناً الترغيب إلى جانب هذا الترهيب في محاولة لتهدئة السكان وإثبات سيطرته المستمرة. ففي آذار/مارس على سبيل المثال، رتب لتوزيع ما يقارب ألف حصة غذائية على العائلات اللبنانية في بيروت ووادي البقاع بمناسبة شهر رمضان.
ونظراً لعادة دقو في التملّص من العدالة، فإن التعليق المفتوح لحكمه أمر مثير للقلق. وفي نيسان/أبريل 2021، سرّب صحفي لبناني تسجيلاً صوتياً لزوجة دقو، المحامية سحر محسن، تشجّع فيه مستشاره القانوني على رشوة القاضي الذي سبق صدقي في القضية. وفي وقت لاحق، استعانت بخدمات الأمين العام المساعد لـ “اتحاد المحامين العرب”، معين غازي، ودفعت له 5 ملايين دولار للمساعدة في تأمين الإفراج عن دقو. ووفقاً لتقارير محلية، “تعرض” القاضي صدقي “لضغط كبير” قبل تعليق الحكم.
ويؤكد سكان طفيل أن محسن هي إحدى أقارب وفيق صفا، رئيس الأمن في «حزب الله». وقد وثّقت وزارة الخزانة الأمريكية قيام صفا بعمليات تهريب مخدرات وأسلحة داخل البلاد وخارجها، وقد تفسر هذه العلاقة نجاح دقو في تجارة المخدرات وتنسيقه الوثيق مع «حزب الله». ومحسن هي أيضاً المالك الفعلي لشركة “سيزر” للإنشاءات، الأمر الذي مكّن الشركة من العمل دون عوائق على الرغم من اعتقال دقو.
توصيات في مجال السياسة العامة
على الحكومة الأمريكية أن تعلن عن رغبتها في صدور حكم في قضية دقو. وقد يساعد توجيه الاهتمام الدولي على هذه القضية في إفشال سعي دقو إلى الحرية عن طريق الرشوة. بالإضافة إلى ذلك، على المسؤولين الأمريكيين التحقيق في العلاقات بينه وبين صفا، الذي أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية على لائحة دعم الإرهاب عام 2019. وقد تكون إحدى النتائج المحتملة معاقبة “ملك الكبتاغون” نفسه. ونظراً إلى صلات دقو بالاتجار الدولي بالمخدرات ونظام الأسد وإحدى أبرز المنظمات الإرهابية في العالم، فإن الفرصة مواتية لإنهاء حكمه.
لورين فريدريكس هي مساعدة باحثة في برنامج “راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في معهد واشنطن.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى