عقيل حسين
كما كان متوقعاً، فقد أقرت الإدارة الأميركية اعفاءات خاصة للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال وشمال شرق سوريا من العقوبات الاقتصادية، ما يسمح بعمل الشركات المحلية والأجنبية في هذه المناطق، باستثناء تصدير النفط إلى خارج البلاد.
ورغم أنها تشمل مناطق النفوذ التركي شمال البلاد، إلا أن انقرة هاجمت بشدة هذه الاعفاءات بسبب تطبيقها في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) باستثناء بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي.
المناطق المستثناة
كما ينص القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية على إعفاء جميع المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشمال من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، باستثناء محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام التي تصنفها الولايات المتحدة على أنها إرهابية، وكذلك مدينة عفرين، الأمر الذي انتقده وزير الخارجية التركية مولود تشاويش أوغلو بشدة، معتبراً أن هذه الاعفاءات تنطوي على “تمييز”.
ورغم أن القائمين على إصدار القرار الأميركي حاولوا إظهار التوازن من خلال استثناء المناطق الإشكالية بين المعارضة والإدارة الذاتية، وخاصة عفرين وتل رفعت، من هذه الاعفاءات، إلا أن أوغلو رأى أن ذلك يمثل انتقائية وهو “أمر سببه واضح وذو دلالة”. واعتبر أن إدلب هي المنطقة الأكثر حاجة لدعم المجتمع الدولي في ما يتعلق بالمرونة في العقوبات.
تحفظات ولكن..
موقف تركي متوقع “لكنه لا يعدو أن يكون للاستهلاك السياسي والإعلامي فقط” حسب مصدر سوري معارض أكد ل”المدن”، أن تركيا ستكون أكبر المستفيدين من هذه الخطوة، وأنها كانت على اطلاع مسبق بها وحاولت بالفعل أن تشمل أيضاً منطقة إدلب.
وقال المصدر: “منذ أربعة أشهر على الأقل والمسؤولون الأميركيون عن الملف السوري يعدون مسودة قرار الاعفاءات الذي صدر أخيراً بعد التشاور والاتصال مع مختلف الأطراف، سواء الائتلاف أو منظمات المجتمع المدني المعارضة، وكذلك قسد والمجلس الوطني الكردي”.
وأضاف أن “تركيا كانت بصورة كل ذلك إلا أنه لم يُطلب منها إبداء الرأي من قبل الجانب الأميركي، لكنها كانت حاضرة بشكل غير مباشر من خلال القوى السياسية السورية المعارضة المقربة منها والتي عملت الولايات المتحدة على أخذ مقترحاتها بعين الاعتبار”.
وكشف المصدر أن النص الاساسي لقرار الاعفاء كان يستثني، إلى جانب إدلب وعفرين “منطقة غصن الزيتون”، أجزاء من منطقة “نبع السلام” التي سيطرت عليها تركيا نهاية 2019 بعد طرد قوات قسد منها، لكن القوى والشخصيات المعارضة نجحت في إقناع العاملين عليها بأن ذلك سيزيد من الموقف السلبي تجاه القرار، وسيعزز من التصور المسبق منه باعتباره موجهاً لخدمة الإدارة الذاتية الكردية، ما جعل واشنطن تقتصر على عدم شمل عفرين بالاعفاءات إلى جانب تل رفعت “لإظهار التوازن”.
واعتبر المصدر أن تركيا ورغم تصريحاتها القوية ضد الاعفاءات إلا أنها لم تطلب من الائتلاف والحكومة المؤقتة رفضها أو تسجيل موقف سلبي منها لدى الإدارة الأميركية، بسبب المكاسب الاقتصادية التي ستجنيها شركاتها باعتبارها المصدر الرئيسي إن لم يكن الوحيد للسلع والمنتجات المستهلكة في شمال سوريا، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها قسد، لكن التحفظ الحقيقي لدى أنقرة هو أن هذه الاعفاءات تشمل القطاع المصرفي ما يسمح للبنوك بافتتاح فروع لها في هذه المناطق وإجراء التحويلات المباشرة إليها دون المرور بتركيا أو اقليم كردستان.
تطمينات أميركية
وإلى جانب التحفظ السابق، تخشى تركيا أن يمهد ذلك إلى اعتراف سياسي بحزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الارهاب، خاصة وأن الإعلان عن الاعفاءات تزامن مع طلب واشنطن من أعضاء التحالف الدولي ضد داعش، خلال اجتماعهم الأخير في المغرب الأسبوع الماضي، جمع 350 مليون دولار “من أجل تنمية مناطق شرق الفرات”.
لكن الخارجية الأميركية أكدت الجمعة، أن الاعفاءات الأخيرة لا تعني دعم “الاستقلال الذاتي” لمناطق شمال شرق سوريا، مشددة على موقفها الداعم للحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
تطمينات غير كافية
لكن الدبلوماسي السوري المعارض بسام بربندي يرى هذه التطمينات غير كافية ولا مقنعة، وأن التحفظات التي يبديها معارضون سوريون وكذلك المسؤولون الأتراك حيال الاعفاءات الأميركية “مبررة” ويجب التعامل معها بجدية.
ويقول في تصريح ل”المدن”: “هذا القرار بمثابة تأسيس لأرضية تقسيم سوريا، واعترافاً غير مباشر بسلطة حزب قومي متطرف لا يمثل حتى الكرد السوريين فضلاً عن بقية المكونات في شمال شرق سوريا، ولذلك أنا أستغرب من جهة التعاطي الإيجابي من قبل قسم كبير من المعارضة معه، وأتفهم الرفض التركي له من جهة أخرى”.
ويضيف “كان يجب أن يسبق هذه الخطوة إجبار حزب الاتحاد على القبول بإجراء انتخابات تشمل جميع القوى السياسية في منطقة سيطرته بحيث تؤدي إلى تمثيل حقيقي للسكان هناك وتقاسم السلطة فيها بشكل تمثيلي عادل يؤدي إلى إقرار عقد اجتماعي وسياسي يضمن الحفاظ على وحدة سوريا”، مضيفاً أن ما جرى بالمقابل “مخالف لكل ما تعلن عنه الولايات المتحدة ويدعم سلطة حزب متسلط ولديه أجندة مشبوهة”.
ولذلك يرى بربندي أن أنقرة محقة في موقفها الرافض لهذه الاعفاءات لأنها ترى أن أي دعم ل”قسد” هو دعم لحزب العمال الكردستاني، وعليه يستبعد أن تبادر الشركات التركية للعمل في هذه المناطق، على الرغم من الحماس الذي تبديه أطراف في المعارضة مرتبطة بأنقرة للقرار سواء سياسياً أو اقتصادياً.
بالتزامن، يرى الكثيرون من المعارضين السوريين، أن الاعفاءات الأميركية باتت امراً واقعاً وعلى المعارضة أن تستفيد منها وألا تسمح لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يهيمن على الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، بالتفرد بجني المكاسب.
المصدر: المدن